لا ينبغي أن يمر سقوط قاض (رئيس غرفة جنايات استئنافية) متلبسا بتسلم رشوة مرور الكرام. ولا يمكن أن يكون حادثا عاديا أن تخدش، بهذا السلوك الأرعن، صورة قضاء يصدر أحكامه وقراراته باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، أو يُشوه مسارٌ طويل من الإصلاحات والإنجازات والتوجيهات يقوده المجلس الأعلى للسلطة القضائية. إن وجود قاض في مكان مشبوه مع سمسار محاكم، يبتزان امرأة في مبلغ من المال لتحريف مسطرة قضائية وتمتيع معتقلين بحكم غير مستحق، أمر مريب، ويرسل إشارات سيئة في جميع الاتجاهات بأن جزءا من قضائنا مازال يحتاج صرامة أكبر، ومزيدا من الحزم واستعمال المساطر والقانون للضرب بقوة على المفسدين والمتلاعبين. فمنذ أشهر ليست بالقليلة، ونحن نتابع العمل الجدي والمسؤول الذي تقوم به الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية لتنزيل المحاور الكبرى لخارطة إصلاح القضاء، وفق التوجيهات الصارمة لجلالة الملك. ولا تفوت الرئيس المنتدب أي مناسبة دون تذكير القضاء والمهنيين وجميع الفاعلين بالقطاع بالمكانة التي يحتلها القضاء في بنيان الدولة، وأن لا دولة، أو نظاما، دون قضاء عادل، يحفظ الحقوق، ويرد المظالم، ويعاقب المجرمين، وينشر قيم الاستقلالية والحياد والتجرد والنزاهة والاستقامة والإخلاص، والتطبيق العادل للقانون. ولاحظ الجميع، حتى من غير المهتمين، المنهجية الصارمة التي يتعاطى بها المجلس الأعلى مع التجاوزات والتعامل بحزم مع التبليغات وتحريك المساطر والأبحاث ضد كل من ثبتت في حقه تهمة رشوة وفساد، أو انتهاك لبنود مدونة الأخلاق، ما حدث فعلا في واقعة محطة المحروقات بالفقيه بنصالح. وإذ نثمن كل ذلك والنتائج التي أسفر عنها إلى حد الآن، فإن المجلس الأعلى مطالب بالانتقال من الإصلاح إلى الاستئصال، ما يفرض تغيير المقاربة من مجرد تعقب الحالات المبلغ عنها، إلى مقاربة استباقية ترصد التحركات والهواتف والسلوكات والحسابات البنكية وتنجز التقارير عن التغيرات الطارئة، أو غير العادية في حياة القضاة. فما نطلبه ليس بدعة، أو اختلاقا من وحي الخيال، أو مجرد مزايدات، بل إجراءات معمول بها في الدول التي تخاف على قضاتها من أنفسهم ومن شياطينهم الداخلية، ولا تدع صغيرة، أو كبيرة في حياتهم إلا وأخضعتها للمراقبة والرصد والتقييم والتقويم، ولا تنتظر حتى يقع الفأس في الرأس. وكما لا يمكن أن نضع جميع قضاة المغرب في سلة واحدة، لأن بينهم من لو أقسموا على الله لأبرهم، فكذلك، سنستمر في فضح الحالات الشاذة التي قد تسيء إلى الكل، وبعض هذه الحالات تستفيد، للأسف، من "امتيازات قانونية" تشجعهم على ارتكاب التجاوزات، مثل إجراء التمديد في الوضعية التي يُبنى فيها على الولاءات وليس على الكفاءات، وتمتيع القضاة "بالامتياز القضائي" رغم حالة التلبس. استثناءات وغيرها، ينبغي أن تتوقف، حتى لا يُفهم بأن بعض المواطنين أعلى درجة من آخرين. وحتى يعطي القضاء النموذج من نفسه بأنه الأجدر على تنفيذ القانون، ولوكان السيف معلقا فوق رقبته.