النظام الجزائري يسعى إلى إثارة الفوضى في منطقة مضطربة أمنيا وغير مستقرة أنتجت المعركة التي يخوضها المغرب ملكا وحكومة وشعبا، كمية ضخمة من الأدبيات السياسية التي من شأنها أن تعزز إرادة المغرب في حماية وحدته الترابية والوطنية والدفاع عنها. يساهم في إنتاج هذه الأدبيات الأساتذة الباحثون والكتاب والصحافيون وكل من آنس في نفسه القدرة على الكتابة ومعالجة أي جانب من جوانب هذه المعركة المقدسة والشريفة التي نواجه فيها خصما عنيدا لا يقيم وزنا لعلاقات الأخوة والجوار التي تفرض الاحترام المتبادل. تتناول هذه المساهمة جانبا مهما يتعلق بسيادة المغرب على أراضيه التي تكرست على مدى السنين خلال العقود الأربعة السالفة. حماية الوحدة الواقع أنه لا يمكن للمغرب بأن يسمح باتخاذ أراضيه مطية لفرض هيمنة الجزائر على منطقة شمال غرب إفريقيا، وبالتالي تقوية نفوذها في الساحل الصحراوي. وإذا كان المغرب لا يسمح بذلك بالنسبة إلى المنطقة ككل، فبالأحرى أن لا يسمح ولا يتيح للجزائر أن تنشئ كيانا على أراضيه الصحراوية، مهما تكن الظروف، ومهما يكلف ذلك من التضحيات التي توجبها حماية الوحدة الترابية والوطنية. إن معركة المغرب مع الجزائر هي في الواقع معركة ذات بعد وطني وبعد إقليمي ودولي بالتأكيد. إذ الواقع أن ما تريد الجزائر فرضه في المنطقة لا يريده المجتمع الدولي ككل. لا يريد المجتمع الدولي إنشاء كيان جديد وهجين في منطقة يقتسم المغرب فيها مع الساحل الصحراوي موقعا جغرافيا ذا أهمية إستراتيجية، ويؤكدها ذلك التحالف الذي يجمع فرنسا مع دول الساحل الخمس ولا يحظى بموافقة الجزائر. ويتعزز تحالف المجتمع الدولي بسعي الولايات المتحدة الأمريكية لاستتباب الأمن والسلام في المنطقة مع دول الجوار، بدليل حرص واشنطن على تنظيم مناورات عسكرية منتظمة مع دول المنطقة لاختبار جاهزية قواتها الدفاعية. عصابات مسلحة هذا هو الموقف الذي أصبح من المسلم به في مختلف المحافل الدولية إثر المساعي التي ما فتئ يقوم بها المغرب على مختلف الأصعدة، ولدى المحافل الدولية، انطلاقا من حلفائه التقليديين مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ثم على صعيد الأمم المتحدة. لقد كان موقفنا واضحا وصريحا وهو يعلن أن لا مجال لوجود قوة مسلحة أجنبية على أراضيه في ما يسمى المنطقة العازلة، وأن لا تساهل مع تسرب قوات عصابات "بوليساريو" التي بدأت تقيم منشآت عسكرية في تيفاريتي وبئر لحلو وغيرهما من المواقع. والظاهر أن المغرب لم يجد صعوبة في إقناع مخاطبيه. وذلك لأن الرأي العام الدولي مقتنع بأن الجزائر تسعى إلى فرض قيام كيان يتيح لها تحقيق مخططها التوسعي الذي تم إعداده حتى قبل أن يسترجع المغرب أقاليمه الجنوبية الصحراوية، وقبل أن ينهي قضية إتمام وحدته الترابية من طنجة إلى الكويرة. لقد بدا ذلك المخطط واضحا للعيان منذ نصبت الجزائر نفسها خصما عنيدا واجه المغرب في محكمة العدل الدولية متجاوزا في شراسة موقفه العدائي لمطلب المغرب مواقف إسبانيا التي كانت تنازعنا سيادتنا على أرضنا في الصحراء. حرب ومعارك لقد كان من المناسب التذكير بتلك المعركة القانونية أمام محكمة العدل الدولية لأنها كشفت وعبرت عما كانت الجزائر تبيته ضد المغرب، طمعا في أن تزيد رقعة أرضها الشاسعة التي أتاحت لها التوفر على جوار ست دول إفريقية شمالا وجنوبا وشرقا. ولقد خضنا مع الجزائر معارك أخرى لا سبيل للتذكير بها هنا. وكانت أخطرها تلك الحرب الاستنزافية التي عبأت لها العصابات المسلحة لمنظمة "بوليساريو"، والتي ابتدأت في 1976 واستمرت إلى 1991 لتستمر شرسة على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي والقانوني. كيان هجين الظاهر أن المجتمع الدولي في أغلبيته الساحقة يعارض المخطط التوسعي الجزائري الذي يسعى أولا إلى إنشاء كيان هجين في المنطقة يضاعف من المتاعب التي تعانيها المنطقة التي تشكو من عدم الاستقرار والأمن، الشيء الذي تطلب إنشاء قوة عسكرية مشتركة يشمل نشاط نفوذها منطقة الساحل الصحراوي. إن المساندة الدولية لمخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في 2007 لا يمكن تفسيرها إلا على أساس أنها تأييد للمغرب كي يحافظ على سيادته على أراضيه في الأقاليم الصحراوية، علما أن الشرط الأساسي للمخطط يتمثل في ممارسة الدولة المغربية سيادتها على تلك الأقاليم كغيرها من أقاليم المملكة جنوبا وشرقا وشمالا. لقد سبق للولايات المتحد الأمريكية أن توصلت إلى قناعة بأنه لا مجال لقيام كيان إضافي في منطقة شمال غرب إفريقيا، اعتمادا على ما توصلت إليه مؤسسات البحث والدراسات التي تقدم النصح لحكومات الولايات المتحدة المتعاقبة، بغض النظر عن لونها الحزبي أو الإيديولوجي، لكن وكالعادة، فإن القادة الأمريكيين يتحفظون في اتخاذ مواقف صريحة وواضحة، حفاظا على مصالح بلادهم الاقتصادية في الجزائر، وعلما منهم بأن القادة الجزائريين أصبحوا يربطون مصالح بلدهم مع الدول بمواقف هذه إزاء نزاع الصحراء، ولذلك فلا يتأتى لها التعبير عن موقف معارض للمخطط الجزائري إلا بتحفظ، كما فعلت واشنطن أخيرا إثر المساعي المغربية الأخيرة التي قام بها أخيرا وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة. فعلى إثر اجتماعه في واشنطن بوزير الخارجية الأمريكي، أعلنت الناطقة باسم الوزارة التزام واشنطن بدعم جهود الأمم المتحدة. ويفهم من اللهجة التي استعملتها في توضيح الموقف الأمريكي أن هناك تطابقا في سياسة الولايات المتحدة مع سياسة المغرب. وإذا ما اعتمدنا على البيان الذي تلقاه مكتب وكالة المغرب العربي في واشنطن جوابا على ما حام حول زيارة السفير الأمريكي في الجزائر لمنطقة تيندوف وما نسب إليه من أقوال، نلاحظ وجود تغيير مهم في الموقف الأمريكي، فهذا البيان يقول ما يلي: "إن مقترح الحكم الذاتي جدي وذو مصداقية وواقعي ويمثل مقاربة جريئة من أجل تسوية نهائية لقضية الصحراء وكفيل بتلبية انتظارات السكان وتمكينهم من تدبير شؤونهم الخاصة في إطار من السلم والكرامة". مناصرة المغرب وإذن هل هناك وضوح أكثر من هذا في الإعلان عن مناصرة سيادة المغرب على صحرائه ؟ ويأتي بعد هذا التساؤل تساؤل آخر مفاده هل هناك مغزى أبلغ من الإعلان في هذا الوقت بالذات عن تزويد المغرب بشحنات من الأسلحة الثقيلة الأمريكية؟ لقد جاء هذا الإعلان في وقت اتخذ المغرب موقفا صارما، معلنا عن عزمه الأكيد على مواجهة عصابات "بوليساريو" في خرقهم لحرمة وسيادة المغرب على أرضه، مع ما أصبح محتملا وقوعه من نشوب صراع مسلح مع الجزائر في حالة ما إذا ذهب حكامها إلى حد مواجهة المغرب، إذا ما أقدم على طرد عصابات "بوليساريو" التي توغلت في الأراضي المغربية. إن ما تسعى الجزائر إلى فرضه في منطقة مضطربة، لا ينسجم مع رغبات المجتمع الدولي في استتباب السلام والأمن. وهي رغبات الدول الإفريقية نفسها، حتى وإن كانت منظمتهم الاتحاد الإفريقي تضم في عضويتها ممثلي كيان وهمي، سبق وأن استعملت كل وسائل الارتشاء والتزوير لحشره عضوا، حدث ذلك بتآمر من النظام الجزائري. وبمساندة من النظام الليبي على عهد معمر القذافي غير المأسوف عليه، الذي كان يسعى من وراء تبني الانفصاليين الصحراويين والإغداق عليهم، إلى إيجاد موطئ قدم سعيا لأن يكون ملك ملوك إفريقيا. وكما ذهب معمر القذافي وذهبت معه أحلامه، ستذهب لا محالة أطماع وأحلام حكام الجزائر، وكأن القدر أبى إلا أن ينتقم من كل من أساء إلى المغرب أرض النضال والإباء والوفاء، ولن يستثني القدر أحدا في المستقبل، كما فعل بالنسبة إلى كثير من الناس خلال العقود الزمنية الأربعة السالفة. عبد السلام البوسرغيني