fbpx
مقالات الرأي

التربية الدامجة ومؤشرات النجاح المدرسي، أية علاقة؟

 

يعتبر مفهوم التربية الدامجة الذي اعتمدته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مشروعا مجتمعيا يدخل ضمن مخططات التنمية البشرية، ويشكل رافعة من رافعات إرساء مبادئ حقوق الإنسان، وتنزيلا للمبادئ التي نص عليها دستور 2011.سعت من خلاله إلى توفير الشروط الملائمة لإقرار مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمات والمتعلمين،ومكنت الأطفال في وضعية إعاقة منهم من الاندماج في المؤسسات التعليمية وفي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، على اعتبار أن المدرسة نواة التنشئة الاجتماعية.وفي هذا الصدد أصدرت مديرية المناهج دليلا للتربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة سنة 2019، والذي تناولت من خلاله أسس التربية الدامجة ومرتكزاتها والممارسات التربوية الدامجة المتبعة داخل المؤسسات التعليمية. فما هو مفهوم التربية الدامجة؟ وماهي مرتكزاتها؟ وما هي الممارسات التربوية الدامجة؟ وكيف يمكن اعتبار التربية الدامجة مؤشرا من مؤشرات النجاح المدرسي؟

قبل أن نقدم تعريفا حول التربية الدامجة، وجب تقديم تعريف حول الإعاقة أولا، حيث تم تعريفها من طرف منظمة الأمم المتحدة[1]ONU/2006 : “على أنها قصور ناتج عن اختلال أو فقدان أو غياب أو اضطراب في الأعضاء الفيزيولوجية أو النفسية وفي وظائفها، مما ينتج عنه عجز وظيفي: (استحالة أو محدودية القيام بنشاط ما)، وقد تضيف المعيقات الاجتماعية كالقوانين والعوائق المادية في المحيط كانعدام الوسائل والولوجيات…، وعدم تكيف محيط التفاعل الاجتماعي مع خصائص وحاجيات الإعاقة، وحواجز أخرى تحد من إمكانية مشاركة الفرد في المجتمع، كما تنص على ذلك المادة الأولى من اتفاقيات حقوق الأشخاص ذوي إعاقة.كما يعرفها التصنيف الدولي للوظائف 2001/ CIF: على أنها ناتجة عن مشاكل صحية (مرض أو اضطراب)، تؤثر على بنية الجسم ووظائفه، وتحد من نشاط الفرد (إنجاز عمل، أو تنفيذ مهمة، أو القيام بسلوك إرادي، أو يرتبط بتعليمة، أو في إطار تفاعلي اجتماعي(، وتقلص أو تنقص من إمكانات مشاركته في محيطه البيئي والاجتماعي.” إذا يمكن اعتبار الإعاقة حسب هذين التعريفين اختلالا وظيفيا فيزيولوجيا أو سيكولوجيا أو هما معا، يعيقان الفرد عن أداء أو إنجاز أنشطة وظيفية سواء بالمحدودية أو بالاستحالة، وتؤثر على كفاءته وتنقص من إمكاناته في المشاركة في الحياة الاجتماعية ومن الاندماج في محيطه. مما دفع المجتمعات لنهج مقاربات لإدماج هاته الفئة في الحياة الاجتماعية، سواء بنهج مقاربات طبية أو اجتماعية أو حقوقية. وكسبيل من سبل التكفل بهذه الشريحة من المجتمع، تم إقرار التكفل في المجال التربوي، وذلك بنهج مقاربة التربية المتخصصة، والتي اصطلح عليهاب:”التربية الدامجة” والتيعرفتهامنظمة اليونسكو[2] بأنها: “تربية مبنية على حق الجميع في تربية ذات جودة تستجيب لحاجات التعلم الأساسية، وتثري وجود المتعلمين. ولأنها تتمحور بالخصوص حول الفئات الهشة، فهيتحاول أن تطور بالكامل إمكانات كل فرد. ولذلك يكون الهدف النهائي للتربية الدامجة ذات جودة هو إنهاء جميع أشكال التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعي.” فهي إذا تسعى إلى تحقيق الإنصاف في التعلم وتراعي احتياجاتالمتعلمات والمتعلمين في وضعية إعاقة من الاستفادة من تعليم ذي جودة، يلائم وضعيتهم ويوفر لهم الاندماج في الفصول الدراسية بشكل مريح، وقد حرصت وزارة التربية الوطنية على إدماج هذه الفئة وعلى استفادتها من حقها في التعلم، حيث نص الميثاق الوطني للتربيـة والتكوين الذي خصـص الدعامة الرابعة عشرة (14) لتحسين الظروف المادية والاجتماعية للمتعلمين والعناية بالأشخاص ذوي الحاجيات الخاصة، حيث دعا في البند 142 إلى رعاية حق الأشخاص المعاقين، أو الذين يواجهون صعوبات جسمية أو نفسية أو معرفية خاصة في التمتع بالدعم اللازم لتخطيها. كما نصت الرؤية الاستراتيجية 2015-2030من خلال المشروع رقم 4 المتعلق بتمكين الأطفال في وضعية إعاقة أو وضعيات خاصة من التمدرسوالمنتمي للمجال الأول: الإنصاف وتكافؤ الفرص.ونص القانون الإطار 51.17 في المادة 19 منهعلى أن الولوج إلى التعليم المدرسي من قبل جميع الأطفال إناثا وذكورا البالغين سن التمدرس إلزامي،ويقع هذا الالتزام على عاتق الدولة والأسرةوأي شخص مسؤول على رعاية الطفل قانونيا.

وبالعودة إلى دليل التربية الدامجة الذي أصدرته مديرية المناهج، فإن المرتكزات التي اعتمدتها لإصدار هذا الدليل هي: تشخيص للوضعية الراهنة لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، السياق الحقوقي والتشريعي وبعض التجارب الدولية في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، سواء ببعض الدول العربية (تجربة المملكة العربية السعودية) أو الغربية (التجربة الفرنسية، والتجربة الكندية، والتجربة اليابانية). ويمكن الحديث عن الممارسات التربوية الدامجة التي جاء بها الدليل والتي يتم الاعتماد عليها لاستفادة المتعلمات والمتعلمين في وضعية إعاقة من خصائص التربية الدامجة وهي كالآتي:

-اعتماد آليات التكييف والملاءمة على المستويين البيداغوجي والديداكتيكي مع أجرأتها ضمن سياق الإعاقة الواحدة وخصوصياتها وإيقاعاتها في التعلم؛

– توفير الولوجيات الضرورية لتمكين المتعلمات والمتعلمين في وضعيةإعاقة من ولوج المؤسسة وجميع مرافقها بكيفية ميسورة وملائمة؛

-مراجعة وتكييف النصوص والمذكرات التي تنظم الحياة المدرسية والتربوية داخل المؤسسة التعليمية لمراعاة خصوصية المتعلمات والمتعلمين في وضعيةإعاقة وحاجياتهم: (التسجيل، الوثائق الإدارية، الامتحانات، توقيت الدراسة، الغياب، الخرجات التربوية، الأنشطةالاجتماعية والتربوية)؛

– خلق وتفعيل إطار عمل مشترك داخل المؤسسة بمساهمة فرقاء من محيطها لضمان الإدماج المدرسي المتعلمات والمتعلمين في وضعيةإعاقة والدعم التربوي والمادي؛

– تكوين الفاعلين التربويين في مجال الإدماج المدرسي في إطار برنامج التكوين المستمر للمدرسين.

لاشك أن تفعيل وإرساء التربية الدامجة بالمؤسسات التعليمة له الأثر الكبير في الرفع من مؤشرات النجاح المدرسي، حيث تمكن هذه التربية المتعلمات والمتعلمين في وضعية إعاقة من الاستفادة من حقهم في تعلم ذي جودة، يراعي احتياجاتهم الفيزيولوجية والسيكولوجية، كما أن استفادتهم من تكييف التعلمات و تكييف التقويمات والامتحانات وفق ما جاء في القرار الوزاري رقم 047.19 الصادر في 24 يونيو 2019 بشأن التربية الدامجة للتلميذات والتلاميذ في وضعية إعاقة، و في دفاتر مساطر الامتحانات الإشهادية ( نيل شهادة الدروس الابتدائية، نيل شهادة السلك الإعدادي و نيل شهادة البكالوريا)، له الأثر الكبير في الرفع من مؤشرات النجاح المدرسي الخاص بهذه الفئة.

بقلم: سعيدة الوازي

[1]بودار حميد وآخرون: عدة التكوين الخاصة بتقوية ودعم كفايات مهنية للمدرسين في مجال التربية الدامجة، منشورات منظمة UNICEF وHandicap International بتعاون مع وزارة التربية الوطنية-المغرب، نونبر 2015، ص: 36(بتصرف(.

[2] UNESCO, combattre l’exclusion, in :TESSA, un guide pour la formation des enseignants en éducation inclusive au Togo, 2015, p.15


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى