ملف الصباح

“اللهطة” تتحدى ارتفاع الأسعار

ازدحام بمراكز التسوق والمحلات التجارية والأسواق الشعبية وتهافت لاقتناء المنتوجات رغم غلائها

إذا كانت أسعار المواد الاستهلاكية بالمغرب شهدت ارتفاعا صاروخيا بشكل غير مسبوق، فإن التهافت عليها من قبل المواطنين، بمن فيهم الفئة الاجتماعية الفقيرة والهشة، يجعل المرء يقف حائرا متسائلا “واش بصح كاينة أزمة فالمغرب” و»واش السلعة فالمتناول بخلاف ما يروج من غلاء يضرب القدرة الشرائية؟”.
«ليس من رأى كم سمع»، حكمة عمل بها طاقم «الصباح»، الذي اختار القيام بجولات مكوكية بين الأسواق الشعبية والمحلات التجارية ومراكز التسوق الممتازة بالعاصمة الاقتصادية، للوقوف على حقيقة تداعيات ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضر والفواكه وباقي المنتوجات على قدرة الأفراد والأسر على التسوق ومدى إقبال الزبناء لاقتناء المنتوجات التي تشهد أسعارا نارية، ما مكن من معاينة مشاهد صادمة تتمثل في الازدحام الشديد والإقبال المنقطع النظير.

«شحال مطيشة؟” “عشرة دراهم”، “أرا الكفة” “عبر كيلو ونص”، “البصلة 6 دراهم والفلفة والدنجال 8 دراهم عزل وتخير”، “واعبر ليا أنا واش غانبقى واقفة غير اللي جا من ورايا تسبقو؟”، «عبر ليا كيلو ديال البنان والليمون والفريز والبعويد وجمع كلشي ورد ليا الصرف”، …من بين العبارات التي ظلت تتداول على ألسن الزبناء والباعة بسوقي الحي الحسني وليساسفة، فزائر الفضاءين لا بد أن يثيره مشهد الازدحام وتحلق النسوة والرجال على العربات المجرورة للتهافت على أنواع من الخضر والفواكه لاقتنائها.
وإذا كانت أسعار الطماطم التي أصبحت بسبب المضاربات والاحتكار تتراوح ما بين عشرة دراهم و 11 للكيلو غرام الواحد، فإن الأسر فضلت اقتناءها بثمنها المبالغ فيه والاكتفاء بالتعليق “واغالية بزاف هذي راها ولات تصلاح دار فوق الديسير»،.
تقضية شهر فنهار
إذا كان نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من المواطنين في الواقع، قرروا الاستغناء عن الطماطم تحت شعار “خليها تخماج» وعدد من المنتوجات المرتفعة الثمن، في انتظار تراجع أسعارها الملتهبة، فإن عددا من الأسر اختارت العكس، ففي مختلف المدن والقرى خرج الأزواج وربات البيوت وأرباب الأسر للتسابق على اقتناء كميات تتجاوز أكثر ما يحتاجونه.
وليس هذا فحسب، فأينما وليت وجهك إلا وتجد الازدحام الشديد، فبسوق السمك والدجاج ومحلات الجزارة، تتحلق نساء مصحوبات بأزواجهن وأخريات بأبنائهن للتسابق على اقتناء كيلوغرامات وأصناف متعددة من المنتوجات المعروضة لم تستثن الفواكه والسمك، وعدم الاكتفاء بما تحتاجه، بل اقتناء كميات وفيرة يمكن وصفها ب “تقضية شهر فنهار”.
وفي مشاهد توحي أن هناك تخوفا من المجاعة أو إغلاق له ارتباط بحجر صحي مرتقب، قبل أن يتبين أن ما يجري لا علاقة له بجائحة أخرى ستظهر أو الخوف من نفاد السلعة، ارتباطا بالغزو الروسي لأوكرانيا واحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، وإنما ب”اللهطة» التي تسيطر على عقلية مغاربة مهما بلغ مستواهم الثقافي ومركزهم الاجتماعي.
إن عكسنا
ظاهرة “اللهطة» التي أصبحت سلوكا لا محيد عنه في حياة المجتمع المغربي، جعلت عددا من الباعة يعلقون عليها ب»الخوف من الجوع»، و»بنادم معكس»، إذ تساءل أحد التجار «ما فهمتش علاش المغاربة عزيز عليهم الضد؟ السلعة ملي كانت موجودة وبثمن رخيص ما كان يديها فيها تاواحد ودابا ملي غلات كلشي كيتخاطف عليها”. وارتباطا بممارسات “الضد”، عاينت “الصباح” إقبالا غير عاد على اقتناء المواد الغذائية والمنتوجات الاستهلاكية، فرغم غلاء الأسعار في ظل الأزمة الاقتصادية، التي خلفتها جائحة كورونا والجفاف والغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن المتسوقين كانوا يتهافتون على اقتناء الخضر والفواكه واللحوم الحمراء والدجاج، حيث لم يستثن البيض الذي قفز ثمنه إلى مستويات قياسية بسعر درهم ونصف، إلى درجة التدافع لاقتناء مواد غير ضرورية، فالأهم بالنسبة للأسر اقتناء أي شيء تفاديا لنفاد السلع في الأسواق، وخوفا من شبح الجوع الذي يبقى بعيدا.
الأسواق الكبرى…الوضع مشابه
«مع هاد التخاطيف اللي موجود، كيبان ليا الفقر فالمغرب إشاعة”، “فيناهو هاد الغلا اللي كيهدروا عليه وا الهربة مع هاد المغاربة”، عبارات استعان بها أحد الشباب وسط مراكز التسوق الكبرى، وهو يحاول تفادي الاصطدام بامرأة كانت تقود عربة “الشاريو».
بعدد من مراكز التسوق الممتازة والأسواق الكبرى بالمعاريف وأنفا و 2 مارس بالبيضاء، يتأكد أن الوضع بها لا يختلف عن الأسواق والمحلات التجارية بالأحياء الشعبية، إذ لا بد أن يثير انتباهك التسابق بين الزبناء نحو المكان المخصص لبيع المنتوجات الغذائية، قبل نفادها من الرفوف المرتبة فيها.
تركت “الصباح” مراكز التسوق الكبرى بالمناطق الراقية، لتحل بالحي الحسني والألفة التي تجمع بين أحياء شبه راقية وأخرى شعبية، لتتفاجأ بخروج الزبناء، محملين بأكياس وعربات مجرورة ممتلئة عن آخرها، وهو المشهد الذي يكشف الإقبال الكثيف للمواطنين على الأماكن المخصصة للمواد الغذائية، رغم غلاء الأسعار، قبل التأكد بعد الولوج إلى الداخل أن “اللهطة» فعلت فعلتها إلى درجة اقتناء بعض الحاجيات غير الضرورية، عملا بالحكمة المغربية “دير كما دار جارك ولا حول باب دارك”.

محمد بها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.