نجح في إيقاف مناورات الأعداء وحقق مكاسب إفريقية ودولية بقلم: الدكتور خالد الشرقاوي السموني (*) شكل يوم 31 يناير 2017 منعطفا في تاريخ البلاد، بعودة المغرب للاتحاد الإفريقي، قرار كان صائبا، حقق نجاحات متتالية. ففي غضون خمس سنوات مضت منذ العودة لهذه المنظمة، أصبحت المملكة فاعلا رئيسيا داخلها و مؤثرا في سياساتها وتوجهاتها، فبعدما غادر المغرب منظمة الوحدة الافريقية (الاتحاد الافريقي حاليا)، في نونبر 1984، وذلك ردا على انضمام جبهة البوليساريو أو ما سمي "الجمهورية الصحراوية العربية"، نظرا لعدم توفرها على شرط "الدولة المستقلة وذات السيادة"، ترك مقعده الشاغر منذ ذلك الحين وإلى حدود انعقاد الدورة السابعة والعشرين للاتحاد الإفريقي في العاصمة الرواندية كيغالي عام 2017، حيث وجه الملك محمد السادس إلى هذه القمة رسالة بخصوص رغبة المغرب في العودة للاتحاد الإفريقي، مذكرا في رسالته بأن الملك محمد الخامس، أحد أقوى رموز تحرر الوعي الإفريقي، وواحد من الرواد الملتزمين، إلى جانب الرؤساء جمال عبد الناصر، وفرحات عباس، وموديبو كايتا، وسيكو توري، وكوامي نيكروما، صناع قمة البيضاء التاريخية، سنة 1961، التي أعلنت عن انبثاق إفريقيا متحررة، وأسست للاندماج الإفريقي و في تعزيز روابط الأخوة والصداقة، مع مجموعة من الدول الإفريقية. عودة موفقة ورغم انسحاب المغرب من المنظمة الإفريقية لما يقرب عن ثلاثة وثلاثين عاما، إلا أنه لم يقطع علاقاته الاقتصادية مع القارة الإفريقية، وظل مرتبطا بجذوره وهويته الإفريقية، غير أن الرؤية المتبصرة للعاهل المغربي ارتأت ألا يظل المغرب خارج منظمة، هو جزء منها بحكم الواقع. ولهذا، قدمت المملكة المغربية طلبا إلى مفوضية الاتحاد الإفريقي، في يوليوز 2016، من أجل العودة إلى المنظمة في صيغتها الجديدة، والذي حظي بقبول الأغلبية الساحقة للدول الأعضاء في القمة الإفريقية الثامنة والعشرين للاتحاد المنعقدة يومي 30 - 31 يناير في أديس أبابا، العاصمة الإثيوبية للاتحاد الإفريقي. هذه العودة التاريخية عكست وعي المغرب بأهمية العمل من داخل الاتحاد الإفريقي لمواجهة السياسات، التي تضر بمصالحه، حيث إن سياسة دولة الجزائر في القارة الإفريقية، على الخصوص، هدفها محاصرة المغرب إقليميا، وإقناع الدول الإفريقية بعدالة قضية جبهة "البوليساريو"، وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. كما تمكنت الجزائر بالتنسيق مع جنوب إفريقيا من التأثير على عدد من دول الاتحاد ليصبح طرفا في نزاع الصحراء المغربية في وقت سابق، تجلى ذلك في القرار المتعلق برئاسة موريتانيا للاتحاد الإفريقي سنة 2015 وتعيين الرئيس السابق للموزمبيق، جواكيم شيصانُو، مبعوثا خاصا إلى الصحراء ومطالبته بإعداد تقارير حول الصحراء لمفوضية الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي، الذي كان يرأسه وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة، علما أن هذا المجلس أداره على التوالي ثلاث شخصيات جزائرية، وهم سعيد جنيت ورمطان لعمامرة وإسماعيل شرقي، وتم استغلاله لغرض وحيد، هو خدمة مصالح وأجندة النظام الجزائري. وضع حد لمناورات الجزائر فعودة المغرب للاتحاد الافريقي، يمكن اعتبارها بالقرار الناجح لعدة اعتبارات سياسية واقتصادية. فالعديد من دول إفريقيا غيرت موقفها حيال قضية الصحراء، ودول أحدثت قنصليات ديبلوماسية لها بمدينتي العيون والداخلة بالأقاليم الصحراوية، فضلا عن الحضور الوازن للمغرب بالقارة الإفريقية والعلاقات القوية، التي أصبحت تربطه مع العديد من الدول الإفريقية، ساعده ذلك على الدفاع عن مصالحه وحقوقه المشروعة، والتصدي لمناورات الخصوم لجعل الاتحاد الإفريقي يتبنى النزاع الإقليمي حول الصحراء، الذي يبقى اختصاصا حصريا لمنظمة الأمم المتحدة. كما أن الاتفاقيات الاقتصادية التي عقدتها المملكة مع عدد مهم من دول القارة، والتي شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية، ساعدت المغرب على توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة وامتلاك نفوذ عبر استثماراته الضخمة في إفريقيا، وتمكينه، كثاني مستثمر بإفريقيا بعد جنوب إفريقيا، من الدخول إلى جميع الأسواق الإفريقية وتسريع وتيرة الانتشار الاقتصادي والمالي، في ظل سياسة جنوب-جنوب، بعد أن ظل يشتغل المغرب لعقود بمنطق النظرية الأحادية المرتكزة على السوق الأوربية. وبحكم تجربته في مجال السلم والأمن وخبرته الطويلة في عمليات حفظ السلام، وكذا تدبير الصراعات وبناء السلام بعد إنهاء الصراع، فضلا عن الدبلوماسية الوقائية، صار المغرب يتقاسم هذه التجربة داخل القارة، مما قد يساهم في الأدوار الرئيسية لمفوضية الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن. فمجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي يعتبر من بين المؤسسات الإفريقية الأشد عداء للمغرب، أما الآن وبعد عودته إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي، صار صعبا على خصوم المغرب القيام بالمناورات وتمرير مشاريع القرارات المعادية لمصالحه ولوحدته الترابية، بل أصبح المغرب يطالب بإصلاح مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، وخاصة في مجالات الحكامة الجيدة والدبلوماسية الوقائية والسلم والاستقرار، وهي أسس تعتبر عناصر أساسية ليكون لإفريقيا منظور واضح وشمولي في مجال عمليات الأمن والاستقرار. (*) أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالرباط