الابتزاز والتلصص الافتراضي

أكرم القصاص (*) قلنا من قبل ونتأكد كل يوم، إن العالم قبل الكاميرا والسوشيال ميديا يختلف عما بعده، ولن يتوقف النقاش، بحثا عن طريقة للتعامل مع هذه الأدوات بميزاتها وعيوبها، ومثل كل مفردات العصر، الكاميرا وأدوات التواصل أو غوغل، لها ميزات ووظائف كثيرة ومعها أعراض جانبية. نقول هذا بمناسبة ما يثار كل فترة حول الخطوط الفاصلة بين الخاص والعام، وكيف يمكن مواجهة من يعتدون على الخصوصية أو يوظفون التكنولوجيا في التلصص والابتزاز والجريمة. أدوات يمكن أن تكون وسائل ترفيه وحوار وتسلية وقراءة أو أي شيء، تتحول إلى شيطان عندما يتم توظيفها في الشر، فهي قادرة على القتل المادي والمعنوي، وآخر حوادث العدوان الفتاة التي لم تتحمل الابتزاز من قبل مجرمين تلاعبوا بصورها ليضغطوا عليها، وأنهت حياتها خوفا من فضيحة ليست مسؤولة عنها. طبعا هذه الواقعة تتكرر كثيرا، وبعض الفتيات يمتلكن شجاعة التبليغ ومطاردة المجرمين، والبعض الآخر يصمتن أو يخضعن خوفا من فضيحة، لكن حالة الفتاة هي الأكثر صعوبة، لأنها لم تجد من تلجأ إليه لحمايتها واتخذت قرار الهروب. الكاميرا ومعها كل وسائل التواصل واقع يفرض نفسه وأدوات لها مزايا وعيوب وليس لها مشاعر، تحكمها مشاعر الناس ورغباتهم ونياتهم، البشر من يوظفونها ويستعملونها، الكاميرا مطلوبة في الشوارع والمحلات والأماكن والميادين العامة، وفاعلة في العمل الصحافي والإعلامي ورصد الموضوعات وصناعة القصص والحكايات والتسلية والأخبار، بشرط أن يكون هذا علنا وبرضاء الأطراف وموافقتهم، وإذا انحرف سلوك مستخدم الكاميرا عن هدفه أو اتجهت نيته للابتزاز أو الاصطياد أو التلصص، أو تحقيق مكاسب بأي ثمن، هنا تبدأ مرحلة أخرى حيث تصبح الصورة والفيديوهات جرائم محتملة وفضائح قابلة للانتشار. ولا تخضع سلوكات المستخدمين جميعا لمواثيق الشرف أو احترام الخصوصية، هناك الأخيار والأشرار، ومستهلكو النميمة، والمجرمون، الذين يمارسون النصب أو الابتزاز أو التشهير، وهم موجودون دائما وفي كل العصور، لكن أدوات التقنيات وأدوات التواصل منحتهم المزيد من الأسلحة التي يمكن أن تكون قاتلة وخطرة. الكاميرا والموبايل وشبكات التواصل، ثالوث يصنع سيولة معلوماتية ويضاعف من صعوبة التحكم في النشر أو السيطرة عليه. الصور أو الفيديوهات ما إن تغادر مكانها إلى الشبكة تصبح مشاعا للتبادل والمشاركة والتعليقات والتفاعل، ويمكن في حالة التشهير أن تتجاوز قوة رصاصة. كثير من جرائم التشهير تحدث بسبب صورة أو فيديو في احتفال أو مناسبة عامة أو مهرجان، أو رحلة قد تكون طريقا للنجومية والظهور، أو تتحول إلى رصاصة في القلب، أو أداة ابتزاز ونصب واغتيال نفسي ومعنوي. وينقسم الناس بين إدانة أو دفاع، بينما الكاميرا ليست طرفا في المسؤولية، لأنها أداة محايدة ليست شريرة ولا طيبة، ليس لها عقل، والمسؤولية على من يستخدمها، ونيته في ما يفعل. ولن يتوقف الجدل حول الخصوصية وكيفية الحفاظ عليها، في زمن التدفق المعلوماتي، والكاميرات في كل مكان، ما تلتقطه كاميرات عامة في الشوارع لا يثير الجدل، لكن الأمر يتفجر عند التعامل مع احتفال في مكان عام، أو ناد، أو مركب، يجد طريقه للنشر من طرف ثالث، متلصص ينشر خصوصيات الآخرين، وما يجري في مكان عام يصعب في زمن "الكاميرات الذكية" أن يظل خاصا، وهي جرائم قد يفلت فاعلوها أو عقوبتها أقل من نتائجها مثلما جرى مع فتاة الغربية، ولهذا يظل الجدل مستمرا، متنوعا تنوع المجتمع الافتراضي الذى هو انعكاس أكثر تركيزا للعالم الطبيعي. (*) كاتب مصري

الابتزاز والتلصص الافتراضي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ضبابية المشهد الجزائري تعزل قيادة "بوليساريو"

حفظا لما تبقى من ماء الوجه

مقالات ذات صلة