ضبابية المشهد الجزائري تعزل قيادة “بوليساريو”

شنقريحة سخر كل أبواق إعلامه للتسويق لحرب مزعومة مع المغرب بقلم: الفاضل الرقيبي ليس الوضع في مخيمات تندوف إلا انعكاس لما يعيشه النظام الجزائري من تقلبات، وليست الحياة تحت الخيام إلا رجع صدى للوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي العام بالجزائر. فكلما تعاظمت أزمات نظام العسكر، وجد صحراويو لحمادة لذلك أثرا على معيشهم اليومي. فمنذ أن تواطأت عصابة «بوليساريو» مع عرابيها من حقبة بومدين، وأنشؤوا المخيمات في ظلمة ليل، لا تستطيع أن تخرج عن طوع من صنعوها قيد أنملة، وهي ملزمة بالتبليغ عن كل صغيرة وكبيرة تهم سير الأمور داخل المخيمات، وانتظار التعليمات حول كيفية التعامل مع الوضع. لذلك كلما نشب صراع الأجنحة بين العسكر، الذين يتحكمون في القاطن بقصر المرادية، تدخل قيادة الرابوني في مسلسل من التخبط وتصاب بالشلل إلى أن يتجدد الدم في عروق الاستبداد المزمن بالجزائر. منذ أن فشل الجنرالات في تحضير خليفة لبوتفليقة في أكتوبر 2018، دخلت الجزائر نفقا سياسيا مظلما قد يؤدي بالبلاد إلى عواقب وخيمة، خصوصا أن الصراع لا زال على أشده بين الأجنحة العسكرية المتطاحنة تحت أنظار تبون، الذي لا يفوت أي فرصة ليغازل من جلبه إلى المرادية، لعله يبقى رئيسا لعبة، ينسج أساطير الجزائر العظيمة، بينما التقارير الدولية تُنذر بقرب الانهيار الكبير لبلاد الجنرالات، آخرها تقرير البنك الدولي الذي قض مضجع مساعدي شنقريحة، لأنه يدق ناقوس الخطر الذي يوشك أن يعصف بالجزائر. ومع توالي الهزات داخل دواليب الحكم الجزائري، تفقد «بوليساريو» بوصلتها. فقرار الخروج من مخطط السلام الأممي والتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار، لم يكن قرارا نابعا عن إرادة عصابة غويلي، بل كان تنفيذا لتعليمات صدرت عن جناح شنقريحة، لتسريع وتيرة تصفية جناح خصمه بن علي، الذي أزيح نصف منتسبيه، بحجة التحضير لحرب محتملة ضد المغرب، كما ورد على صفحات جريدة الجيش الجزائري. وها هي «بوليساريو» تجد نفسها مرة أخرى، رهينة لخلافات بين عرابيها، وهي تدفع اليوم ضريبة قرار صدر في إطار حرب تصفية الحسابات بين الجنرالات، لا تملك القدرة على تحمل كلفته السياسية والمادية في المستقبل، إذ أدخلها دوامة لن تستطيع أن تجد لنفسها منها خلاصا، في ظل غياب أي هامش للمناورة، فهي لا تستطيع التفكير أو صناعة الفعل خارج صندوق الأمن الجزائري، الذي يمسك بزمام كل الأمور، بما في ذلك التحركات الخارجية لقادة التنظيم، التي تسير وفق جدول تشرف عليه مؤسسة الاستعلامات العسكرية ببن عكنون، وهو ما ينذر بفشل مساعي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي مستورا، لاستئناف مسلسل التسوية. لكن التخبط والارتباك اللذين تبدو عليهما جل قيادات التنظيم السياسي لـ «بوليساريو»، وحتى عسكرييها، هما في الواقع أوضح برهان على أن النظام بالعاصمة الجزائر، يعيش هو الآخر ارتباكا أكبر، من بين مؤشراته إلغاء ما يسمى «ملتقى الجيشين»، الذي كان مزمعا عقده منتصف هذا الشهر، وتحييد رمطان لعمامرة عن المشهد، بعد أن فشل بدوره في مواجهة المغرب، مثلما فشل في ذلك بوقادوم قبله، بالإضافة إلى إلغاء الجولة الإفريقية التي كان غويلي سينعم بها، بعد احتجازه سنة كاملة في الجزائر، وحرمانه من خرجات كان يسوقها على أنها انتصارات تتقاطر على الرابوني. كل هذه التراكمات جاءت نتيجة لما تعيشه بن عكنون من تحولات، فأغلب الجنرلات الذين كانوا على علاقة مباشرة بقيادات «بوليساريو»، هم الآن بسجن البليدة العسكري، من أمثال قايدي وبولعظام واللواء ياسين مختارية، مسؤول الميزانية بوزارة الدفاع، واللواء بوسطيلة، قائد سلاح الدرك السابق، بالإضافة إلى اللواء حسام، المكلف بقاعدة تندوف، والصديق، المقرب من مصطفى سيد البشير، الذي جلبت عليه تصريحاته الأخيرة بباريس غضب شنقريحة، وهو اليوم يقضي مدة عقوبته بالمخيم، إلى أن يستعيد رضا من انتقدهم في حديثه أمام الصحراويين بفرنسا، بعد أن تم توبيخه في مبنى عنتر، عشية عودته للجزائر. وفي ظل هذا التطاحن بين جنرالات الجزائر، باتت جبهة «بوليساريو» تعيش حالة ترقب شديد، مخافة حدوث زلزال سياسي في الجزائر يقلب عليهم الطاولة، خصوصا بعد بروز أقلام صحافية تطرح المقترح المغربي للحكم الذاتي على مشرط التحليل، من أمثال سعد بوعقبة، صاحب جريدة «الخبر»، الذي قال صراحة إن على الجنرالات الاختيار بين حكم ذاتي واقعي أو مجموعة من عجائز «بوليساريو»، تُصرف عليهم الملايير، دون أدنى نتيجة على الأمن القومي الجزائري. فالتخوف الكبير القائم لدى غويلي وزبانيته، هو أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها الجزائر، إلى تنامي الضغط المجتمعي على النظام العسكري، للتخلي عن دعم «بوليساريو»، الشيء الذي قد يبرر القرار الذي صدر قبل أيام عن الرابوني، يلزم الصحراويين بالتقشف، وعدم المطالبة بتوفير المواد المعيشية الأساسية، وتوقع الأسوأ في مقبل الأيام، بشكل يعكس قلقا لدى غويلي من سير الأمور في اتجاه الانفجار بالجزائر، ما قد يهدد الاستقرار بالمخيمات، التي تعيش في ظل ظروف اجتماعية متأزمة. كل شؤون المخيم مجال محفوظ للاستخبارات العسكرية الجزائرية، ولا دخل فيها للسياسيين أو لباقي أطياف الحياة المدنية بالجزائر. فهؤلاء ليسوا إلا خُدام من ينتصر في صراع الأجنحة بين الجنرالات. ولأن شنقريحة هو الذي يقبض بين يديه كل خيوط لعبة الحكم، فقد تأثرت قيادة الرابوني برعونته العمياء تجاه المغرب، حيث فقدت أوراقا كثيرة أمام المنظومة الأممية، خصوصا بعد القرار الأممي الأخير الذي كان حازما تجاهها، وضرب عرض الحائط كل ما تحمله رسائل غويلي من مناشدات موجهة لغوتيريش. شنقريحة، الذي يحمل معه نفسية المنهزم منذ معركة أمغالا، سخر كل أبواق إعلامه، للتسويق لحرب مزعومة مع المغرب، بينما غويلي يدرك أن تلك ورطة يسعى للخروج منها مهما كلفه ذلك من ثمن.

ضبابية المشهد الجزائري تعزل قيادة “بوليساريو”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سفينة كوكايين "مغربي" تحير "أنتربول"

الابتزاز والتلصص الافتراضي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات