مسنة تدهورت صحتها بعد أن كشف عنها طبيب قال لها إن الفيروس مجرد لعبة سياسية ترك فيروس "كورونا"، الذي انتشر في العالم قبل أكثر من سنتين تقريبا، ندوبا وجروحا بادية وخفية في نفوس العديد من الناس، نساء ورجالا، كما خلف وراءه دمارا في الأرواح والأنفس، وأتى على الأخضر واليابس، ولا زالت تبعاته مستمرة إلى اليوم. قصة نعيمة جديرة بالمتابعة، لأنها عاشت تجربة صعبة طيلة شهر تقريبا ممددة فوق سرير الموت، إلى درجة أن العديد من أهلها ومعارفها لم يكونوا ينتظرون عودتها بينهم. بدأت حكاية نعيمة، وهي أرملة وأم لتسعة أبناء، في عقدها السابع، عندما أصيبت بحرارة مفاجئة، اضطرت معها إلى التردد على طبيبين، اعتادت زيارتهما كلما أحست بألم أو مغص. حرر الأول لها وصفة طبية واشترت الدواء ولم تتحسن حالتها، بل تفاقمت واشتد السعال الجاف والحرارة ليلا. وزارت الطبيب الثاني واستشارته وتساءلت هل الأمر يتعلق ب"كورونا"، فأكد لها أن الفيروس غير موجود وأن الأمر لا يعدو مجرد مؤامرة أو لعبة سياسية. ناولها عدة أدوية، شربت ما يشرب وحقنت ما يحقن، ولم تغادر الفراش. وتفاقم وضعها ونقلها أهلها عند شخص يدعي مداواة "السخانة"، وخز جسمها بحقنة غير معروف محتواها وعادت إلى بيتها وهي أشد ألما. واستمر الوضع هكذا، قبل أن تخضع لمسحة طبية سريعة، أكدت أنها غير مصابة بفيروس "كورونا". اضطرت أسرة نعيمة لنقلها إلى المستشفى الإقليمي بالجديدة، حيث خضعت لاختبار جديد وسريع، أكد إصابتها بالفيروس وأنها في وضعية حرجة، إذ لم تعد قادرة على التنفس طبيعيا. تم إخضاعها للتنفس الاصطناعي، في انتظار إفراغ بعض الأسرة بالقسم المخصص لمرضى "كورونا". وبالكاد تم إيجاد سرير لها، ليتم نقلها ومنع أهلها من رؤيتها، في حين تكلفت نساء "الميناج" بالوساطة، يقدمن لها طعام الغداء والعشاء في أوقات معينة، بعد أن تعرضت للإهمال من الممرضات. تمكنت إحدى قريبات نعيمة من التسلل إلى الجناح المخصص للمرضى، وأصيبت بالغثيان بعدما اطلعت على حالتها وآلمها وضعها، وبكت كثيرا واتصلت بالمسؤول الطبي وطلبت منه السماح لها بإخراجها من هذا الجناح، الذي اعتبرته بؤرة للمرض. وبعد تدخل الحارس العام والطبيب المداوم، سمح لإحدى قريباتها بالمكوث معها، لأنها لم تكن في وعيها. وبفضل العناية التي أولتها لها، بدأت حالتها تتحسن تدريجيا، سيما أنها كانت تسهر على ضبط مواعيد الدواء وحصص التنفس الاصطناعي والنظافة والأكل في وقته. وكان الطبيب المداوم والمكلف بهذا القسم يزورها في إطار جولة يومية ويتتبع حالتها عن قرب. وبعد أكثر من عشرين يوما، اتفق مع أفراد أسرتها على إخراجها من المستشفى شريطة توفير آلة التنفس الاصطناعي. وبدأت رحلة البحث عن هذه الآلة العجيبة، التي ارتفع سعرها من 3 آلاف درهم إلى 22 ألفا. ومكن بحث مضن، من العثور على واحدة بمدينة أزمور تم عرضها على الطبيب المختص، الذي اطلع عليها، وتأكد من سلامتها، قبل أن يوقع على ورقة السماح بخروج نعيمة، التي تم نقلها إلى منزلها وهي لا تستطيع الوقوف، بل كانت تصاب باختناق حاد، وشرح الطبيب وضعيتها لأهلها وأكد أن الفيروس اللعين استوطن رئتيها وترك ندوبا بها ويستلزم ذلك علاجا قد يمتد لخمسة أشهر. خضعت المرأة لعلاج مكثف وتنفس اصطناعي مستمر، وبدأت تسترجع حيويتها تدريجيا، وأصبحت اليوم، بعد حوالي أربعة أشهر، قادرة على قضاء بعض حوائجها معتمدة على نفسها، علما أن الحشرجة وضيق التنفس يعاودانها من حين إلى آخر. تتذكر الأيام التي قضتها بالمستشفى وتشكر الله وتحمده على أنه شفاها من المرض اللعين، علما أنها لم تخضع للتلقيح الصحي، لأن طبيبها لم يسمح لها بذلك. أحمد ذو الرشاد (الجديدة)