فهموني: الانسلاخ عن القيم… محاولة لإثبات الذات

مراهقون يرون أنهم أصبحوا مستقلين عن الأسرة بسلوك مظاهر التمرد "هاد جيل ولى باغي اعيش بلا حكام الوالدين"، "ولاد اليوم ولاو كيديرو شي حوايج لا علاقة ليها بثقافتنا ودينا وعاداتنا غير الله احفظ"، "المراهق باغي إعيش السيبة ولكن بفلوس والديه فهم تصطى"....من بين العبارات التي صارت متداولة يرفعها الآباء وكبار العائلة بالمجتمع المغربي، تعبيرا عن غضبهم من سلوكات أحد المراهقين من أفراد الأسرة. وإذا كان الآباء وكبار السن في العائلة والإخوة والجيران الذين تجاوزوا فترة المراهقة، يعتبرون شباب اليوم الذين يمرون من مرحلة المراهقة التي تتميز عن الجيل السابق بعنفها وتمردها على القيم إلى درجة الانسلاخ عن هوية العائلة والثورة على قانون رب الأسرة، فإن المعنيين بالأمر يوضحون ضمن زاوية "فهموني" أن الشخص المراهق يرغب من خلال سلوكاته غير السوية نيل الاعتراف بشخصيته المستقلة عن قيم الأسرة بعدم الخضوع لتعليمات الأب ونصائح الأم وتقريعات الأخ الأكبر وتوجيهات الأخوال والأعمام والجيران التي صارت عقدة يحاول تجاوزها بأي طريقة كانت. وكشف عدد من المراهقين أن من مظاهر التمرد التي يقومون بها تتمثل في نوعية اللباس وحلاقة الشعر التي يعتبرها الآباء والآخرون نوعا من "التشرميل" و"التشمكير"، إنما يتم تبنيها رغبة في التأكيد على أنهم أصبحوا مستقلين عن قرارات العائلة، قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى وهي التغيب عن بعض حصص الدراسة، والعودة في وقت متأخر من الليل إلى البيت، قبل إعلان دخوله مجال "البلية" بمختلف أصنافها بشكل رسمي بعدما كان يمارسها في تخف عن الأبوين والجيران. إسقاط رمزية رب الأسرة ومن الأمور الخطيرة التي أصبح شباب اليوم ينهجونها خاصة الذين يمرون من فترة مراهقة، محاولتهم إسقاط رمزية الأب، باعتباره رب الأسرة وضامن استقرارها والساهر على أمنها وراحتها سواء من ناحية المأكل والمشرب والملبس أو التطبيب والترفيه وضبط إيقاع سلوكات أفرادها. هنا يحاول علاء شاب يبلغ 18 سنة، الذي مازال يعيش المراهقة في مراحلها المتأخرة، الدفاع عن الطرح الذي يسقط رمزية الأب ولا يقيم له وزنا داخل الأسرة، بالقول "بالنسبة إلي لا أنكر التضحيات الجسام التي بذلها والدي من أجل تربيتي وباقي إخوتي والسهر على توفير كل ما نحتاجه في حياتنا اليومية، لكن أعتقد أن وظيفته السلطوية لا يمكن أن تستمر في محاصرة حياة الابن عندما يصل مرحلة المراهقة ويجتاز فترة الشباب التي هي مؤشر على نضجه". وأضاف علاء في تصريح ل"الصباح"، "بالنسبة إلي وعدد من أقراني ورفاقي لم يعد للأب أي دور في البيت سوى المساهمة في توفير الوقت ومواجهة أعباء الحياة اليومية وتربية باقي إخوتي الأطفال"، متسائلا "ما معنى أن تتعرض للضرب والعنف الرمزي والمادي من قبل والدك وأنت في مرحلة حساسة بعلة أنه يخاف عليك؟ ما نكدبش عليك واجهت الدار بالصداع ليل ونهار باش نحصل على استقلاليتي لأن القيم والعادات ديالهم ماشي هما ديالي وديال هاد الوقت". وكشف علاء أنه تمكن بعد شهور عصيبة من مقاطعة الأكل والمبيت خارج البيت عند العائلة أو أحد الأصدقاء، من فرض ذاته بعدما تعرض للتعنيف والضغط من قبل والديه اللذين رفضا أن يصير مدمنا على التدخين والعودة متأخرا إلى البيت، مشيرا إلى أنه استطاع بعد اتفاق مع الأسرة استئناف دراسته وحياته العادية التي صارت تتميز بالاستقلال عن سلطوية البيت، لأنه في اعتقاده أن جميع أفراد العائلة مساهمون في تكوين مفهوم العائلة وبالتالي لا يمكن الخضوع لأهواء وأفكار رجعية يؤمن بها الأب أو الأم أو الأخ الأكبر. التمويل الذاتي...الاستقلالية الناقصة في الوقت الذي يسعى فيه الشاب المراهق إلى محاولة إثبات أنه صار قادرا على تحمل مسؤولية تداعيات كل القرارات التي يتخذها سواء كانت إيجابية أو سلبية مثل "البلية" أو الدخول في علاقات غرامية مع شخص لا يحظى بالاحترام كعنوان للاستقلالية عن الأسرة وترديده لازمة "راني عارف أش كندير مابقتيش صغير باش تخافوا علي"، سرعان ما يصطدم بصخرة "الاستقلالية المالية" التي تتمثل في عجزه عن توفير حاجياته التي لا يمكن الحصول عليها دون موافقة الأبوين. واعترف عدد من المراهقين بأن الاستقلالية عن الآباء يعتريها النقص، عندما لا يتوفر الشخص المتمرد على مدخول شهري قار، لأن الذي يتحكم في تدبير شؤون الأسرة المالية هو الذي يفرض رأيه على الجميع. محمد بها الضغط يولد الانفجار بخلاف المثل المغربي الذي يردده الآباء وكبار أفراد العائلة "ربط تلقى ما تسيب" تعبيرا عن صحة ثقافة "التزيار" في تربية الأبناء، فإن المعنيين بالأمر خاصة المراهقين يرون عكس ذلك، مشيرين إلى أن كثرة الضغط تولد الانفجار وأن العصا لم تكن يوما حلا سحريا لتقويم اعوجاج المتمردين وإقناعهم بأشياء لا يرغبون فيها. وأجمع عدد من الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي على أن صراع القيم وسط الأسرة الذي يشتد عند دخول أحد الأبناء مرحلة المراهقة، يتسبب في تداعيات وخيمة عكس الأهداف المخطط لها من قبل الأبوين، فعوض تقويم سلوك المراهق خوفا عليه من الوقوع في سلوكات محظورة، من بينها الإدمان والهدر المدرسي والإجرام، يتم تحويله إلى شخص أناني لا يهمه إلا نفسه إلى درجة استعداده لترك البيت والارتماء في أحضان المنحرفين الذين يصيرون هم قدوته في العيش بحرية، بالقول "ومال فلان عايش حياتو واش أنا باقي صغير؟".

فهموني: الانسلاخ عن القيم… محاولة لإثبات الذات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البرلمان يطرد المسؤولين "الأشباح والعاطلين"

تتويج مغربي في السينما الفرنكوفونية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات