“الهضرة الخاسرة” في السينما… جرأة صادمة

مخرجون يعتبرون أنها في خدمة الإبداع ومطالب بالاستغناء عنها للرقي بالسينما أثار "برومو" الإعلان عن الفيلم السينمائي المغربي الجديد "زنقة كونطاكت" للمخرج المغربي اسماعيل العراقي المقيم بفرنسا، ، جدلا واسعا، عقب نشره وتداوله على صفحات موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام". ففي الوقت الذي نشر فيه أبطال الفيلم الذي يحكي علاقة بين عازف سابق لموسيقى الروك و"عاهرة" ذات صوت ذهبي في البيضاء، الإعلان، قبل عرضه في القاعات السينمائية،وجهت لفريق العمل انتقادات كثيرة، بسبب الاعتماد على بعض الكلمات النابية. هذا الجدل أعاد إلى الأذهان الجدل الذي رافق عرض العديد من الأعمال السينمائية، بسبب جرأة الكلمات التي تتضمنها، فهل "الهضرة الخاسرة" إكسسوار أم ضرورة؟ إنجاز: إيمان رضيف عرفت الساحة السينمائية، على مر السنوات الماضية، نقاشات حادة بسبب أفلام اعتبرتها فئة من الجمهور "صادمة"، سواء بالنسبة إلى طريقة معالجتها لبعض المواضيع والتي كانت مبالغا فيها، حسب تعبير المعارضين لها، أو بسبب الاعتماد على "الهضرة الخاسرة"، لينضم فيلم "زنقة كونطاكت"، والذي لم يعرض بعد، إلى قائمة الأفلام المثيرة للجدل. رافضون ومؤيدون يبحث كل مخرج في فيلمه، عن المشاهد المميزة، لتكون جزءا من "البرومو الاعلاني" للعمل السينمائي، إلا أنه غالبا ما يقع الاختيار على المشاهد "الصادمة" والجريئة، من أجل محاولة إثارة انتباه الجمهور. ففي الكثير من الأحيان يمكن أن يكون توظيف الكلمات النابية، مجانيا، وأنه كان من الممكن الاستغناء عنها، باعتبار أن ذلك، لن يؤثر على سرد أحداث العمل، لكن إصرار صناع الفيلم على اعتماده، يثير الجدل. وفي هذا الصدد، قالت، منال، متقاعدة، إنه لا يمكنها مرافقة أبنائها لمشاهدة فيلم سينمائي تعلم مسبقا أنه يتضمن كلمات خادشة للحياء أو مشاهد مخلة بالذوق العام، "لأن ذلك سيجعلني في موقف محرج أمامهم، وسيكون بمثابة تناقض كبير لما كنت دائما أحاول تلقينه لهم من مبادئ بعد أن نجد أنفسنا جميعا نشاهد ونسمع عبارات وكلمات مرفوضة". وأوضحت المتحدثة نفسها، أنه تفاديا لمثل هذه المواقف والتناقض "أتفادى ارتياد القاعات السينمائية وأكتفي بمشاهدة الأفلام التي تعرض على القنوات التلفزيونية الوطنية"، مسترسلة "لهذا لابد على المخرجين والمنتجين التفكير في تقديم أفلام ذات مضمون يراعي أن الجمهور ضمنه عائلات، وبالتالي تكون مواضيعها "نظيفة" إن صح التعبير". وتابعت حديثها بالقول إنه من حق المخرجين تناول كل المواضيع التي يرون أنها مناسبة لأفلامهم السينمائية حتى "الطابوهات"، إلا أن رؤيتهم الإخراجية لابد أن تأخذ بعين الاعتبار اختلاف المتلقين سواء في أفكارهم أو فئاتهم العمرية. في المقابل، نجد أن فئة مهمة من المجتمع المغربي، تعتبر أن السينما ابداع، وأن فرض مجموعة من القيود عليه، يعتبر أمرا غير مقبول. وقال حمزة، مستخدم، إنه لا يعقل أن يحذف مخرج مشاهد تتضمن كلمات نابعة من الواقع من فيلمه السينمائي، لمجرد أن هناك مطالب باعتماد سينما نظيفة، مسترسلا "أتساءل كيف يمكن أن يكون إبداع في ظل محاولة فرض نوع من الرقابة على مخرجين يكون الهدف من أعمالهم نقل الواقع ومحاكاته دون مبالغة، كما يرى البعض، مادامت السينما هي مرآة كل شعب؟". وأضاف المتحدث ذاته، أنه غالبا ما يرفض البعض الذهاب إلى القاعات السينمائية ويصدرون عليها أحكاما جاهزة، على أساس أنها تعرض أفلاما جريئة على حد قولهم، وأعمالا تتضمن عبارات تخدش الحياء، وهي العبارات نفسها التي نسمعها تقريبا بشكل يومي في الشارع، والتي يتلفظ بها أشخاص من شتى الفئات العمرية، قبل أن يضيف أن استعمال كلمات توصف بـ"الخادشة للحياء" يكون الهدف منه إبداعيا محضا، كما يقتصر على بعض المشاهد وليس كلها، و"بالتالي ينبغي على فئة من الجمهور تغيير نظرتها لمجال السينما لأنه حقل إبداعي يعتمد بالدرجة الأولى على الصورة والصوت، إذ تكون بارزة بشكل أكثر مقارنة مع رواية تتضمن العبارات ذاتها وتلقى انتشارا واسعا، لكنها لا تثير الجدل نفسه للفيلم السينمائي". باي: لا رقابة على حرية التفكير من الأسماء التي أثارت، أكثر من مرة، الجدل، بسبب أدوارها السينمائية، وتجسيدها لشخصيات تعتمد على "الهضرة الخاسرة"، سعيد باي. هذا الممثل الذي فرض اسمه في الساحة الفنية بأدوار مميزة، وأخرى جرت عليه الكثير من الانتقادات، عاد مرة أخرى لإثارة الجدل مباشرة بعد الإفراج عن إعلان ترويج الفيلم السينمائي "زنقة كونطاكت". البرومو أعاد الكلمات النابية في السينما، إلى الواجهة، لتوجه، مرة أخرى، فوهة المدفعية صوب باي. ورغم أن باي تحفظ عن الرد على الضجة التي أحدثها "برومو" الفيلم، قبل عرضه في القاعات، ومتابعته من قبل الجمهور، قال إنه من غير المعقول انتقاد عمل لم يعرض بعد في القاعات. وأوضح باي في حديثه مع "الصباح"، أن الفيلم رخص له من أجل عرضه في المغرب، والأكثر من ذلك استفاد من الدعم الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي، بعدما اطلعت على تفاصيله لجنة خاصة، وتعرفت على ما يتضمنه والموضوع الذي يناقشه، وأبدت رأيها حوله. وكشف باي أن "زنقة كونطاكت" فيلم سينمائي، وليس تلفزيونا يفرض على مشاهدي القناة الوطنية، قبل أن يضيف "للأسف، ورغم أننا في سنة 2021، مازلنا نتحدث عن هذه الموضوع". وردا على الذين يعتبرون أن بعض المخرجين يلجؤون إلى استعمال الكلمات النابية، لإثارة الجدل وانتباه الجمهور، قال باي إن كل شخص مسؤول عن تفكيره وعن اعتقاداته "يمارس كل شخص حرية التفكير والتعبير"، مشيرا إلى أن ما يجب التركيز عليها هو الجوائز التي تحصدها الأعمال المغربية في مهرجانات دولية كبيرة و"بالنسبة إلى "زنقة كونطاكت" فقد نالت خنساء بطمة عن دورها في الفيلم ذاته، جائزة أحسن دور نسائي في مهرجان البندقية في دورته الأخيرة، كما حصد جوائز أخرى مهمة". الخماري: الكلمات النابية تعكس الواقع يعتبر المخرج نور الدين الخماري، من المخرجين الذين تجرؤوا وقدموا أعمالا سينمائية اعتبرها المشاهد المغربي"جريئة"، سيما أنه اعتمد فيها على كلمات نابية وخادشة للحياء، من بينها فيلم "كازا نيكرا"، الذي أثار عند عرضه في القاعات السينمائية، ضجة كبيرة والشيء ذاته بالنسبة إلى فيلم "زيرو". وقال الخماري في حديث في "الصباح"، إنه كان من الصعب والمستحيل إنجاز عمل سينمائي يركز على تفاصيل ليالي مدينة البيضاء دون استعمال اللغة التي تتحدث بها الفئة المعنية بالأمر، "لم يكن ممكنا استعمال اللغة العربية الفصحى لعكس واقع المدينة ليلا". وأوضح الخماري أن السينما تعكس واقع المجتمعات ولا تعالجها، مؤكدا أن فيلم "كازا نيكرا"، عكس واقع البيضاء ونقل بعض تفاصيلها دون أن يعالج المشاكل، قبل أن يضيف أن المخرج ليس سياسيا له الصلاحية لمعالجة المشكل، إنما هو فنان يعكس ما يراه مشاكل المجتمع. ولأن الخماري تعرض لهجوم كبير بسبب فيلمه "كازا نيكرا"، قال إنه في تلك الفترة، كان أمام خيارين، أولهما الرد على الانتقادات بشكل مباشر، وهو الأمر الذي كان من الممكن أن يرهقه ويكون سببا في شن هجوم آخر عليه، أو الرد على الانتقادات بطريقة غير مباشرة، والتوضيح أن الفيلم يعكس مجتمعا لا يتحمل مسؤولية واقعه. وتابع الخماري حديثه بالقول، إن فئة كبيرة من المغاربة كانت تتخوف من لغتها "الدارجة"، رغم أنها جزء منها، إلا أنها، خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت تتأقلم مع الوضع وصارت تتقبل نسبيا بعض الخيارات السينمائية، وبأنها جزء من المجتمع "النقطة المهمة أن الأعمال السينمائية تعرض في القاعات تفرض على الجمهور، مقارنة مع الأعمال التلفزيونية"، حسب تأكيده. نرايس: النقاش انطـلق منذ سنوات طويلة من جانبه، قال الناقد حسن نرايس، إن الجدل الذي غالبا ما يرافق الأعمال السينمائية والتي توظف فيها الكلمات النابية والتي تعتبرها فئة من الجمهور خادشة للحياء، انطلق قبل سنوات طويلة، وفي كل مرة يتجدد. وأوضح نرايس في حديث مع "الصباح"، أنه في الوقت الذي عرض المخرج نور الدين الخماري، أشهر أفلامه السينمائية "كازا نيكرا"، اشتد النقاش والشيء ذاته بالنسبة إلى أعمال أخرى من توقيع المخرج نبيل عيوش "لكن النقاش انطلق قبل هذه التجارب السينمائية، وبشكل خاص عند عرض فيلم من توقيع المخرج عبد القادر لقطع، ويتعلق الأمر بفيلم "بيضاوة"، قبل أن يتساءل عن أهمية الموضوع والانتقادات التي توجه لبعض الأعمال السينمائية؟". جدل "السينما النظيفة" بدأ النقاش حول ما عرف باسم "السينما النظيفة"، في مصر نهاية التسعينات من القرن الماضي، إلا أنه وصل إلى المغرب على يد فاعلين في المجال الفني، محسوبين على التيار الإسلامي. هذا النقاش أثار جدلا كبيرا في المغرب، إلى درجة أن البعض استخدمه لتمرير خطابات سياسية، إذ ذهب البعض إلى الترويج إلى هناك مذكرة رسمية تشير إلى ضرورة التقيد بـ"الثقافة أو السينما النظيفة". واعتبر العديد من المخرجين أنه في عهد حكومة العدالة والتنمية، وفي بداية توليها الحكومة، عملت وزارة الاتصال على تطبيق توجه "بيجيدي"، الدعوة إلى الاعتماد على السينما النظيفة، من خلال رفض مشاهد في أعمال داخل حانات مثلا، ورفض أعمال تناقش مواضيع لا تتماشى مع توجهاتهاـ إلا أن هذه الممارسات قوبلت بالرفض القاطع، واندلعت شرارة الحرب بين الرافضين لـ"السينما النظيفة" والمؤيدين لها.

“الهضرة الخاسرة” في السينما… جرأة صادمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبار

مخفر "حديقة العشاق" بتطوان يقلق السكان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات