ممثلو الإسلام السياسي يزعمون أنهم حماة الدين من خطر العصر اعتمد الإسلام السياسي، على الفكر السلفي لتأكيد أحقيته في تدبير الحكم من منطلق مرجعية دينية يعتبرها " خالصة" ولا تشوبها أي شائبة لإحراز الشرعية القانونية لممارسة السياسة، والمشروعية المجتمعية لإقناع المواطنين بأحقية وجود هذا التيار في مواجهة باقي التيارات السياسية، بل استغل المقدس المشترك بين المؤمنين بالديانة الإسلامية، لاتهام الآخرين المختلفين معهم بأنهم خارج الملة والدين، وشيطنة أقوالهم وقراراتهم. و حينما تظهر أي قضية مجتمعية تتطلب حلا، يرجع السلفي إلى رواية الأحاديث التي اجتهد في وضعها مجتهدون لم يعايشوا حتى فترة الرسول محمد(ص)، وإنما نقلوا الأحاديث عن رواة آخرين عن آخرين قبلهم، بعد مرور قرون على الأحداث التاريخية، ليبحثوا بعدها عن القاسم المشترك لما جرى في السابق ويقيسون الشاهد على الغائب لإنتاج حل غالبا لا يؤدي إلى حل مشاكل الحاضر، بل تسببت تلك القرارات والحلول في إحداث الفتنة، وتبادل الاتهامات بالجهل، أو الغلو والتطرف الديني، وقراءة السور القرآنية بدون ربطها بأسباب نزولها، فيتعسفون على الدين وعلى الصحابة، والأنبياء. وسقط الإسلام السياسي في استغلال الدين وتوظيفه لصالح من يتحكم في الحزب أو الحكومة، أو السلطة الحاكمة، وتبرير ما لا يبرر بدعوى المحافظة على الاستقرار، والادعاء أنه لولاهم لما استمر الإسلام يدعو إلى احترام حقوق الإنسان، ويتسامح مع المؤمنين بباقي الديانات، ويمنح الحرية لمن أراد أن يكفر بالإسلام، ويضع أصول السلام لتحقيق التعايش ب"جادلهم بالتي هي أحسن" ، ووضع حتى قواعد الحرب التي تحترم وضعية الأسرى، بعيدا عن سلوك الانتقام الذي سنته جماعات دينية متطرقة تقطع رؤوس الناس وتحرق الكتب وتدمر الآثار التاريخية، وتخرب كل شيء في طريقها. واعتقد البعض عن خطأ أن الإسلام السياسي المعاصر، ناهض سلفية جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وشيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، وأبي شعيب الدكالي، وعلال الفاسي، وعبد الله كنون، والمختار السوسي، وآخرين من علماء المغرب والمشرق، الذين ظلت كتبهم في الرفوف، تنكرها الجماعات الدينية، سواء المعتدلة أو المتطرفة، وهي الكتب التي تتطلب العناية لإحياء التراث من منظور عصري وتملكه بأدوات حداثية في التفسير حتى لا يسرق من قبل السلفيين الذين يتعسفون على التراث والدين، بتأويل خاطئ لمقاصد الشريعة الإسلامية. والدعوة السلفية في الماضي القريب ارتكزت على سؤال لماذا تأخر المسلمون، وتقدم غيرهم؟، ورددوا الجواب بكل بساطة بوجود تراخ في التمسك بالدين الإسلامي، وتعرضوا لاستلاب الغرب الذي جرهم بوعي منهم أو بدونهم إلى تبني كل مواقفه. لذلك حينما درس الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري الفلسفة المعاصرة، دعا إلى استعادة التراث باستعمال قراءة حداثية له، حتى لا يصبح بيد الغلاة من المتفقهين في أصول الدين الذين يسعون من خلاله إلى تشكيل وعي عربي مرتكز على البيان والعرفان في الفهم والتحليل بعيدا عن الفكر البرهاني اليقظ الذي يعتمد المحاججة بالعقل والمنطق ويلغي الروايات التي تم تضخيم أحداثها لخدمة تيار ديني ضد آخر، علما أن السلفية عموما تروج أنها تحارب البدع وتريد النهوض بالدين الإسلامي، من منطلق تاريخي بناء على أحداث عاشها الصحابة ولا تعرف صحة بعضها، وبناء أيضا على أحاديث يصعب التأكد من صحة الجزء الأكبر منها، لأنه تمت كتابتها من قبل أشخاص عاشوا في بلدان تبتعد بآلاف الكيلومترات عن شبه الجزيرة العربية وبقرون خلت، ما يتطلب مراجعة فكرية لها ومقارنة الوقائع والأحداث لاستنباط الحكمة من اتخاذ قرار ما ضد آخر. وتنتقد السلفية حاضر المسلمين انطلاقا من نموذج "السلف الصالح" لذلك يدعي السلفيون أنهم هم حماة الدين من خطر العصر، وهم بذلك يقررون انطلاقا من أحداث وقعت في الماضي واستنساخها لفرضها على الحاضر، بل إنهم فرضوا لباسا لم يكن في عهد الصحابة، وإنما له علاقة بمناخ كل دولة على حدة، ما يعني أن أغلب ما يروى غير صحيح، وهذا يفرض اشتغال فلاسفة ومختصين على مراجعة الأحاديث لأن مقاصد الدين الإسلامي هي المحبة وفعل الخير وليس القتل والذبح والتكفير والعنصرية. أحمد الأرقام