أمي حليمة… تعذيب نفسي

نساء كسرن جدار الصمت مأساة ابنها المعتقل في درب مولاي الشريف جعلت منها مناضلة (2/1) خمس نساء كشفن، في شهاداتهن لهيأة الإنصاف والمصالحة، عن العنف المباشر الذي طالهن والتهجير والإقصاء من الحياة والمعاناة والتعذيب وسوء المعاملة، باعتبارهن زوجات ومن عائلات خصوم الدولة. نساء كسرن جدار الصمت، حسب ما أكده المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في كتاب "نساء كسرن جدار الصمت.. مرويات نساء سنوات الرصاص"، أصدره، بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، ليكشفن عملية احتجازهن واستجوابهن وتعذيبهن ومضايقتهن وإذلالهن... تذكر أمي حليمة، تفاصيل الماضي والسنوات التي عاشتها، سيجعل، كل شخص منا، يشعر بالألم والعذاب والحزن الذي كان يعصر قلبها. سيجعل كل واحد منا، يحس بحجم المعاناة التي تخبطت فيها لسنوات طويلة قبل أن تتسلم جثة ابنها وسط كفن، دون أن تقوى على رؤية وجهه. ذكريات أمي حليمة، مليئة بالحزن والدموع والقهر. ذكريات تحولت إلى وقود يشعل فتيل حبها لابنها في كل مرة خمدت نيران حبها له. تقول أمي حليمة، إن ابنها البكر كان يحب القراءة والتعلم، ومحاطا على الدوام بالكتب، وغالبا ما كان يدخل في حوارات طويلة وجدية مع الكثير من أصدقائه، مؤكدة أنها لم تكن تعلم بالضبط ما الذي تورط فيه، لكني تعلم أن الأمر له علاقة بالسياسة. وتأكدت من الأمر، بعدما انتقلت رفقة عائلتها للعيش في البيضاء، إذ في الوقت الذي طلبت من ابنها البكر، الذي كان يعيش ويعمل في المدينة، الانتقال للإقامة معهم من أجل تفادي دفع إيجار منزلين اثنين، رفض العرض وفضل أن يستمر في تقاسم إحدى الشقق مع بعض أصدقائه "فأدركت لاحقا أنه لم يشأ أن يعرض الأسرة للخطر في حالة عيشه معها". تذكرت أمي حليمة اليوم الذي بدأت تتأكد من شكوكها إذ قالت "في أحد الأيام، جاء لرؤيتي وكان يبدو متضايقا. كنت منهمكة في غسل ثيابه حين طلب مني أن أجمعها جميعا وأضعها في كيس، أخذها ثم غادر المنزل. ولمدة ثلاثة أيام، لم يتصل بي ولم يعد. بدأت أشعر بالقلق وطلبت من زوجي الذهاب للبحث عنه. كان هو الآخر قلقا عليه. لم يتأخر في البحث، فقد ذهب وسأل الجيران الذين أخبروه أن رجال الشرطة جاؤوا قبل ذلك بيوم، وضربوه وألقوا القبض عليه وعلى جميع أصدقائه". أدركت أمي حليمة، بعد مدة، أنها ليست الوحيدة التي تجهل مكان فلذة كبدها، إذ تأكدت أن الكثير من الأسر تعاني المأساة نفسها. ومنذ ذلك اليوم، "انضممت إلى مجموعة من الأشخاص مثلي ممن تعرض ذووهم للاعتقال. قدمنا لأنفسنا الدعم والتضامن والمساعدة. لقد أصبحت هذه المجموعة بمثابة أسرتي الثانية". اكتشفت أمي حليمة بعد حيرة طويلة، أن ابنها كان محتجزا في درب مولاي الشريف، وهو مركز اعتقال سري البيضاء "احتجز هناك بصورة غير شرعية لمدة ستة أشهر في ظروف غير إنسانية، خضع خلالها لتعذيب وحشي. لم أتمكن بطبيعة الحال من رؤيته خلال كل تلك أشهر. ثم تناهت إلى أسماعي في أحد الأيام شائعات مفادها أنه نقل إلى مركز للأمراض العقلية في الرباط، تعرف عليه أحد أقربائنا الذي يعمل هناك، إلا أنه كان يصعب معها التأكد من هويته. إذ كان يبدو مشوّها بدرجة كبيرة من جراء جميع أصناف الضرب والتعذيب الذي تعرض له. اكتشفنا بعد ذلك أنه قد تم نقله إلى السجن المركزي بالقنيطرة. لقد تغيرت حياتي بعدها. تصوروا كيف سأعيش وفكرة أن ابني يتعذب لدرجة التشوه تؤرقني وتمنعني من الأكل. ما الذي جعل شابا مستقيما مستقرا في عمله يسجن ويعذب، بل ويحرم من حياته بهذا الشكل الهمجي...؟ هنا بدأ مسار حياتي يتغير باتجاه اكتشاف الحقيقة". تقول أمي حليمة إنها بدأت بعد ذلك تسافر بانتظام إلى الرباط حيث تلتقي بعائلات أخرى لسجناء سياسيين، وبدأت تشارك في الاحتجاجات وغيرها من أشكال التعبئة، كما بدأت تشارك في المسيرات والمظاهرات جنبا إلى جنب مع سائر الأمهات اللواتي تعرض أبناؤهن للاعتقال بصورة غير قانونية. و"في إحدى المرات، اقتحمنا مكتب القنصلية الأمريكية، كما وجهنا رسائل إلى مختلف المنظمات المعنية بحقوق الإنسان و إلى الصحف، ونفذنا وقفات احتجاجية أمام مكاتب الوزارة وقدمنا عرائض وملتمسات. لقد تعرضنا جراء ذلك وفي كثير من الأحيان للمضايقات والتعنيف والاعتقال، بل وقضينا ليلة كاملة في مركز للشرطة رهن الاعتقال حيث تم استجوابنا وإذلالنا وترهيبنا". إعداد: إيمان رضيف

أمي حليمة… تعذيب نفسي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الدرك يطيح بصانعي قوارب "الحريك"

سقوط أغبى لص بالجديدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات