المتشوق... الرعب الذي لم ينته حكاية المتشوق سفاح الأطفال التي عرفت في سبعينات القرن الماضي، شكلت لغزا حقيقيا استدعى شهورا قبل أن يتم الكشف عن المجرم فيها، خاصة بعد تنفيذه جرائم قتل بشعة في حق ضحاياه الذين كانوا يختفون ولا يعرف مصيرهم. أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم التقوا في طريقهم بالسفاح الذي اختار سلك طريق اختطاف الأطفال والمطالبة بفديات مالية لذويهم، قبل أن يجهز عليهم، مخافة أن يتم التعرف عليه إن هو أطلق سراحهم، حكايات أرعبت عائلات بيضاوية وظلت ترددها لسنوات لبشاعتها. كريمة مصلي الحلقة الخامسة اعترف باستدراج 400 فتاة تتراوح أعمارهن بين 9 سنوات و13 انتهت المسيرة الإجرامية للمتشوق في 23 فبراير 1978، إذ انطلقت محاكمته وشريكه، بالقاعة الأولى بالمحكمة الإقليمية بالبيضاء، وسط حضور جماهيري كثيف وإنزال أمني كبير، مساء يوم الجمعة 24 فبراير 1978 الموافق لـ 16 ربيع الأول 1398، برئاسة محمد مستور، الذي كان يقام ويقعد له بالنظر إلى الحنكة التي يتمتع بها، وله حس خاص في معالجة القضايا الجنائية، فبالأحرى ملفا من هذا النوع. شرع القاضي في مناقشة الملف والاستماع إلى المتهمين، قبل أن يصدر حكمه التاريخي في قضية مصطفى المتشوق وبوشعيب الزياني المتابعين بتهم «ارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في حق أبرياء وقاصرين، وتكوين عصابة إجرامية، وارتكاب اختطافات مع نيل فديات مالية، وقتل القاصرين المختطفين، ومحاولة قتل شرطي ورجل تابع للقوات المساعدة، والسرقة الموصوفة، واستعمال السلاح، والمس بعرض قاصرين بالعنف، وإخفاء الجثث». وكان دفاع الطرف المدني تقدم بمطالب مدنية شفوية، أثناء الجلسة، حددت في سنتيم رمزي لفائدة كل من والد الطفل عبد الرحيم صابر وكفيلة الطفل محمد الشدادي. وجاء الحكم حاسما، لينهار بوشعيب الزياني بعد النطق به، بينما ظل مصطفى المتشوق صامدا ولم يبدر عنه أي رد فعل، وكأن الأمر لا يعنيه ولن يؤدي به إلى الإعدام. أو ربما لأنه كان متيقنا من أن تلك هي النهاية الحقيقية لسفاح مثله أرهب المجتمع المغربي في العديد من المدن. فالنتيجة الحتمية لمثل تلك الجرائم كانت هي الإعدام، لا من حيث بشاعتها ولا حتى من حيث الغضب، الذي صاحبها وجعل البيضاويين يعيشون رعبا على امتداد شهور. وربما كانت المقولة التي كان يرددها أمام هيأة المحكمة «السارق إما أن يفلت أو يموت»، تبرير من سفاح أطفال البيضاء، لنزوعه الدموي أمام المحكمة، قبل أن يستطرد القول «لست سفاك دماء كما تدعي الشرطة، فمنذ 1970، ابتدأت باختطاف الأطفال، وهكذا استدرجت حوالي 400 فتاة صغيرة، تتراوح أعمارهن بين 9 سنوات و13 سنة، وسلبت منهن أساورهن، فلو كنت سفاك دماء حقيقة، لقتلت على الأقل 50 طفلة من بينهن، لكنني لم أفعل ذلك». فهل كان يظن أن مثل تلك المقولة من شأنها أن تغير مجرى المحاكمة؟ فالخوف الذي رسمه في مخيلة الأسر، التي كانت تحرص على مرافقة أبنائها إلى المدرسة، وتتشدد في منعهم من اللعب خارج البيت، أو الاقتراب من أي شخص مجهول مخافة يأن صبحوا جثثا هامدة مجهولة، كان كفيلا لرسم الصورة الحقيقية لسفاح البيضاء، الذي شكل هاجسا حقيقيا للمسؤولين الأمنيين، الذين كانوا في مأزق حقيقي أمام انتشار جرائم متشوق دون أن يتمكنوا من إلقاء القبض عليه، إلا بعد مدة وبعد أن ارتكب مجموعة من الجرائم، التي راح ضحيتها أبرياء، منهم من تم التعرف عليهم ومنهم من ظلوا مجهولي الهوية والمصير.