المتشوق... الرعب الذي لم ينته حكاية المتشوق سفاح الأطفال التي عرفت في سبعينات القرن الماضي، شكلت لغزا حقيقيا استدعى شهورا قبل أن يتم الكشف عن المجرم فيها، خاصة بعد تنفيذه جرائم قتل بشعة في حق ضحاياه الذين كانوا يختفون ولا يعرف مصيرهم. أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم التقوا في طريقهم بالسفاح الذي اختار سلك طريق اختطاف الأطفال والمطالبة بفديات مالية لذويهم، قبل أن يجهز عليهم، مخافة أن يتم التعرف عليه إن هو أطلق سراحهم، حكايات أرعبت عائلات بيضاوية وظلت ترددها لسنوات لبشاعتها. كريمة مصلي قتل الأطفال خنقا بربطة عنق ورمي الجثث في بئر بعد حوالي عشرين يوما من تتبع الأطفال بحي الأندلس، اختار المتشوق الطفل (ع. ص)، بعدما حصل على بعض المعلومات من طفل آخر حول مهنة وممتلكات أبيه. ناداه باسمه وسأله إن كان أبوه بالمنزل، فأجابه بالنفي، ثم أخذ يسأله عن المدرسة التي يدرس فيها ومدى عنايته بدروسه إلى أن كسب ثقته وانصرف، أخبر المتشوق شريكه بنجاح الخطوة الأولى. وفي 17 مارس 1977، توجها لاختطاف الطفل، وكان مقررا أن يختطفاه من باب مدرسته، غير أنهما تأخرا عن موعد خروجه، فذهب المتشوق لانتظاره بباب منزله، وترك رفيقه الزياني في انتظاره قرب مسجد عين الشق، وبمجرد خروج عبد الرحيم من منزله ناداه المتشوق، وبسهولة استدرجه بدعوى إحضار مبلغ من المال مدين به لوالده من دكانه. وفي الطريق، انضم إليهما الزياني، فتوجها معا بالطفل إلى مكان يبعد بمائتي متر عن البئر المقرر إلقاؤه فيها، وبعد تناولهما الخمر، حلت الساعة العاشرة ليلا، فأخذاه إلى البئر، نزعا ثيابه وألقياه على بطنه أرضا، عصبا عينيه ووضعا ربطة العنق حول عنقه، وسحب كل منهما إلى جهته طرفي الربطة، إلى أن لفظ عبد الرحيم أنفاسه الأخيرة، فألقيا به في البئر عاريا بعدما نزعا الربطة من عنقه. في اليوم الموالي، أرسل إلى والد الضحية رسالة أولى يخبره فيها بأن الطفل مختطف، ثم اتصل به هاتفيا ليؤكد له ذلك، قبل أن يوجه إليه رسالتين، الأولى من الرباط والثانية من البيضاء، وأوضح في الأخيرة قدر الفدية المحددة في عشرة آلاف درهم، ومكان تسليمها الذي كان قرب محل لبيع العقاقير، وتاريخ التسليم، وأوصاف الشخص الذي سيتولى تسلم الفدية. وقبل ذلك هيأ متشوق الطفل امبارك، الذي كان في الخامسة عشرة من عمره، كي ينجز مهمة أخذ الفدية من والد صابر، وتسليمها له. بعد مرور بضعة أشهر، اتصل متشوق مجددا بوالد الطفل، إذ هاتفه أولا ثم أرسل إليه رسالة يطلب فيها فدية إضافية قدرها خمسة آلاف درهم، لكن والد الضحية اشترط بعث صورة حديثة لابنه تطمئنه على أنه مازال على قيد الحياة، وأمام هذا الشرط، قطع متشوق كل اتصال وأخذ يبحث عن ضحية أخرى. واصل السفاح عملياته الإجرامية، بخطف الأطفال وقتلهم، وفي يوم 23 أكتوبر 1977، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف صباحا، حين خرج (م. ش)، البالغ خمس سنوات من متجر كفيله بقيسارية الحفارين، لكنه لم يعد. حرص المتشوق، هذه المرة على أن يأخذ عدة صور لضحيته، وبعدها أخذ محمد إلى المكان نفسه الذي قتل فيه عبد الرحيم، ليلقى هو الآخر المصير نفسه، الخنق بواسطة ربطة عنق «القريعة» ورمي الجثة في بئر سيدي عبد الرحمان، لكن الربطة، هذه المرة، بقيت عالقة بعنق الطفل. في اليوم الموالي، بدأ السفاح في الاتصال هاتفيا وعبر الرسائل، بعائلة الطفل طالبا فدية بمبلغ عشرة آلاف درهم، وحصل عليه من قبل عمة محمد، التي سلمت المبلغ للطفل عبد القادر الذي وظفه المتشوق لهذه الغاية.