مخاوف من تحول مراكز إلى بؤر وعادات مواطنين تعقد الانتصار على الوباء قبل أيام كانت جل المراكز الصحية، المخصصة لحقن المواطنين بجرعات اللقاح، فارغة وتقفل أبوابها قبل الخامسة عصرا، بسبب قلة الوافدين عليها، إلا أنه بعد تخفيض سن الفئات المستهدفة إلى 25 سنة، تحولت المراكز إلى أسواق مفتوحة، حج إليها حشد غفير من الراغبين في تلقي الجرعات، خاصة بعد تحذير الوزارة غير الملقحين، بأن الموت وغرف الإنعاش تتربص بهم، ما دفع الذين لم يتلقوا جرعات التطعيم، إلى حجز مكان لهم، في وقت تسجل فيه المملكة أعلى معدلات الإصابة في تاريخ الوباء وسلالاته. كانت عقارب الساعة تقترب من الثالثة بعد الزوال، حينما حلت "الصباح" بمركز تلقيح محاذ للملحقة الإدارية مولاي يوسف بالمدينة العتيقة للبيضاء، وهو مركز مخصص في الأصل لتأهيل ذوي الإعاقات الذهنية. في بوابة المركز يقف رجل أمن وعنصر من عناصر القوات المساعدة، أشعل أحدهما سيجارته، والتي كان يدخنها بشره، إذ ضاقت به المشاهد التي تجري بالداخل، ولم يكن يمنع أو يسمح بالدخول للوافدين، بل أدار وجهه نحو الباب، دون أن يولي أهمية لما يجري من حوله. هي فوضى هناك مسار طويل بعد تجاوز بوابة المركز، إذ بعد التقدم لما يقارب عشرة أمتار، تجد بعض الكراسي البلاستيكية، يبدو أنها كانت مخصصة للأطفال، فرغم حجمها الصغير وهشاشتها، إلا نساء المدينة القديمة اتخذن منها مكانا للجلوس، بعضهن أقعدن أطفالهن فوق أردافهن، وجلسن يتبادلن أطراف الحديث. الغريب في مشاهد النسوة، أن جلهن تجاوزن عقدهن الرابع أوالخامس، لكن من يدري أين كن طيلة الأشهر الماضية؟، التي خصصت لاستقبالهن، كما أن جزءا منهن جئن فقط من أجل الترويح عن نفوسهن، إذ عاينت "الصباح" بعضهن جئن لأخذ استشارة معينة، وبعد ذلك يصادفن إحدى صديقاتهن، فينزوين في مكان لتبادل أطراف الحديث داخل المركز. وأما بالنسبة إلى مصلحة التسجيل، فحدث ولا حرج، إذ عمتها الفوضى، بين من وقفوا في طابور من الصباح ينتظرون دورهم للتسجيل، وآخرون سجلوا أسماءهم، لكن دورهم لم يأت بعد، كما أن جزءا آخر، دخل إلى منطقة التلقيح وقضى فيها ساعات طويلة، إذ كرر كثيرون أن من دخلوا قبل أربع ساعات لم يخرجوا بعد. وتسود أجواء السوق داخل هذا المركز، إذ بين الفينة والأخرى يخرج شخص مجهول الهوية، فلا هو يرتدي لباس الأطر الصحية ولا زي السلطة، يصيح في الناس بأرقام المسجلين بصوت جهوري، ويدخل من هم في المكان، أما الذين غادروا بسبب الاكتظاظ فلن يتمكنوا من الدخول حينما يعودون، إذ يفرض على المواطنين الانتظار في بوابة مصلحة التلقيح ساعات، قبل أن ينادي عليهم هذا الشخص. "جونسون" المخيف لعل أكثر الأسئلة المتكررة داخل المركز، أي نوعية من اللقاحات تستخدم لحقن المواطنين؟، إذ انتشر خبر وفاة فتاة مراكش بين الراغبين في التلقيح، انتشار النار في الهشيم، إذ لا تمر سوى بضع دقائق، حتى يردد أحدهم السؤال، أو يفاتح من بجانبه في موضوع الفتاة، وما إذا كان مستعدا لحقن لقاح "جونسون أند جونسون". ورغم أن الأطر الصحية والوزارة تقومان بعمل كبير، إذ تمكنت المملكة من حقن قرابة نصف مليون شخص في 24 ساعة، إلا أن تواصلها لا يرقى إلى المستوى المطلوب، إذ تركت إشاعة وفاة فتاة مراكش تنتشر بين الناس، دون أن توضح الأسباب الحقيقية، وظروف وملابسات الوفاة، ما زرع الخوف في نفوس المواطنين. طوابير من جحيم يشترك المواطنون وأجهزة وزارة الصحة في حجم الفوضى، التي تعرفها هذه الأيام مراكز التلقيح، فإذا كان الهدف من تسريع وتيرة التلقيح، محاصرة الفيروس ومنع انتقاله، فإن عادات بعض المواطنين وتساهل الأطر الصحية والسلطات المحلية المشرفة، سيؤدي دون شك إلى ظهور بؤر وبائية، في طوابير طويلة، ينعدم فيها التباعد، ووضع الكمامة وباقي التدابير. وعاينت "الصباح"، طوابير طويلة في معظم مراكز التلقيح، إذ أن نقطة التلقيح بعين الدياب بدورها، تعرف توافد حشود كبيرة، ساهمت في الاكتظاظ إلى درجة يمتد فيها الطابور إلى الشارع، ويقف المواطنون مرغمين في الشمس الحارقة، ولا أحد يأبه لمعاناتهم. وانتقد المواطنون خطوة الوزارة الأخيرة، خاصة في ما يتعلق بعدم الالتزام بالمواعيد، من أجل تلقي الجرعة، فإذا كانت الوزارة ترغب في منح غير الملقحين فرصة استدراكية، فإن هذا الأمر يضاعف الضغط على بعض المراكز، ويساهم في إنهاك الأطر الصحية، التي تضيع طاقتها فقط في تنظيم المواطنين، وما بالك بتسجيلهم وحقنهم والعناية بهم بعد ذلك. عصام الناصيري