بعد الباك… “الدوخة”

الحصول على الشهادة بداية جهاد أكبر في ولوج للتكوين بالتعليم العالي غير متاح للجميع يشبه التلاميذ الحاصلون على شهادة الامتحان الوطني الموحد للباكلوريا جنود طارق بن زياد الذين وقفوا في منطقة وسطى بين البواخر المحترقة القادمة من المغرب، وبين مدافع الجنود الإسبان المصوبة ناحيتهم، فلا حل لهم سوى القتال، أو الموت. هكذا تبدو مرحلة ما بعد الشهادة الكبرى، إذ ينتهي عمليا الجهاد الأصغر ويبدأ الطواف الأكبر على الجامعات والمعاهد والمدارس العمومية والخاصة في المغرب وخارجه، من أجل ضمان موطئ قدم في المستقبل. في السابق، لم يكن سؤال الشغل مطروحا في اختيارات الطلبة الذين كانوا يسجلون أنفسهم في التعليم الجامعي بدافع التحصيل والفضول المعرفي واستكمال المسار الدراسي، أما اليوم، فأضحى هاجس الحصول على عمل بعد التكوين، مؤطرا حاسما، بل يكاد يكون الموجه الأساسي في عمليات الاختيار. وفي وقت تبدو الاختيارات سهلة والفرص متوفرة أمام التلاميذ الحاصلين على معدلات مرتفعة، فإن تكسير الجماجم يبدأ مباشرة بعد إعلان النتائج بالنسبة إلى غير المحظوظين الذين يحصلون على معدلات بين 12 و15/20، أما دون ذلك، فلا مكان لهم إلا الجامعات ذات الولوج المفتوح، أو التوجه إلى معاهد ومدارس خاصة تقايض الشهادات الجامعية النهائية بكيلوغرامات من الأوراق النقدية. يوسف الساكت مواكبة المشروع الشخصي للتلميذ زبادي المفتش التربوي قال إن التوجيه هو الجسر نحو النجاح يطرح مشكل التوجيه أسئلة عميقة على التلاميذ الناجحين في الباكلوريا، بالنظر إلى حالة الارتباك التي تصيب أغلب التلاميذ وأسرهم، بشأن تحديد الاختيارات والحسم في نوعية المؤسسات العليا التي يمكن ولوجها حسب المعدلات المحصل عليها. ولأن الموضوع يشكل أحد الأسس التي ترتكز عليها المنظومة التربوية، فقد أولته الوزارة أهمية كبرى، من خلال تكليف الأساتذة بدور المواكبة طيلة السنة وخلال الدورة الأولى والثانية، في عملية مواكبة تربوية تعتمد القرب من التلاميذ. ويرى عادل زبادي، مفتش التوجيه التربوي، أن هذه المهمة تمكن التلاميذ من معلومات أولية حول المؤسسات الجامعية والمدارس العليا التي يمكن الولوج إليها بعد النجاح في الباكلوريا، والتعريف بالتخصصات التي تتطلبها، مشيرا إلى أن الحديث في هذه الفترة عن المباريات سابق لأوانه، في انتظار الإعلان عنها من قبل الوزارة، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الدورة الأولى. وأوضح زبادي في حديث مع «الصباح» أن هناك آلية أخرى تتمثل في المراكز الجهوية للتوجيه المدرسي والمهني، والتي توجد في الأكاديميات، وتؤدي خدمات للتلاميذ، يسهر عليها مستشارون في التوجيه، على شكل معلومات واستشارات مدعمة ببعض الوثائق، وهي مراكز تنضاف إلى تجربة «نوادي الموجه» التي تكون داخل الإعداديات والثانويات، والتي تندرج في إطار مشروع المؤسسة، وتعنى بالتوجيه، يؤطرها أساتذة وأطر في التوجيه. وحرصا على إعطاء أهمية لمسألة التوجيه، فقد حرصت الوزارة على إحداث مهمة «الأستاذ المواكب» للتلاميذ في قسم أو أربعة أقسام داخل المؤسسة، للجواب على الخصاص الكبير في مجال التوجيه والمواكبة، إيمانا بإمكانيات الأستاذ وقدراته على التفاعل أكثر مع حاجيات التلميذ، واضطلاعه بمهمة المواكبة التربوية، على أساس تكليف إطار التوجيه بالمواكبة المتخصصة. وأكد زبادي أن أهمية المواكبة تكمن في مساعدة التلميذ على بناء مشروعه الشخصي، انطلاقا من ميولاته وكفاءاته، من خلال توفير المعلومات الكافية التي تساهم في بناء ذلك المشروع، مضيفا أن هذه العملية لا تخلو من أهمية، بالنظر إلى الطرق العلمية والعقلانية التي تتطلبها عملية التوجيه. وأوضح مفتش التوجيه التربوي، أن الوزارة طورت عملية الرقمنة، في منظومة التوجيه، من خلال إحداث مسطحة لفائدة المتمدرس، تمكنه من التعبير عن اختياراته ورغباته في التوجيه، وتقديم طلبات الولوج إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، وهي العملية التي تم توسيع العمل بها، منذ الموسم السابق مع تداعيات جائحة كورونا، والتي فرضت العمل عن بعد، ووسعت الخدمات الرقمية في العديد من القطاعات. ويرى الخبير في قضايا التوجيه أن ارتفاع معدلات النجاح في الباكلوريا، زاد من متاعب المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من التلاميذ التي تتقدم إلى مباريات الولوج، وهي العملية التي تفرض توفير إمكانيات لوجيستية وتربوية لإنجاز الامتحانات وتصحيحها، وهو الأمر الذي يفسر رفع العتبة ومعدلات الولوج إلى عدد من المؤسسات. وأوضح زبادي أن تخفيض معدل المشاركة في مباريات كليات الطب، بقدر ما وسع شروط التباري لأوسع فئة من التلاميذ، بقدر ما طرح تحديات كبرى على أطقم تلك الكليات، في تنظيم المباريات التي يتقدم لها آلاف الطلبة. وجوابا عن سؤال حول مشكل توجيه الآباء لأبنائهم إلى نوع محدد من المؤسسات، دون احترام ميولاتهم وكفاءاتهم، أكد زبادي أن طموح الأسر في ولوج أبنائها لمدراس المهندسين أو كليات الطب، يبقى طموحا مشروعا، إلا أن المشروع الشخصي للتلميذ، هو الذي يحدد شروط النجاح، انطلاقا من المؤهلات والميولات التي يتوفر عليها التلميذ، مؤكدا على أهمية توفير توصيف دقيق للمهن والاختيارات، وتوفير كل المعلومات الخاصة بكل تخصص، لمساعدة التلميذ عند التوجيه. ورغم الخصاص المسجل في جهاز التوجيه، يضيف زبادي، فإن جهودا كبرى تبذلها أطر التوجيه على قلتها، مقارنة مع عدد التلاميذ، إذ يصل معدل التغطية إلى واحد على كل خمسة آلاف تلميذ، وهي وضعية وعت بها الوزارة أخيرا، وحاولت تدارك الخصاص المسجل في أطر التوجيه، بفتح الباب أمام تكوين 350 إطارا ومستشارا في التوجيه، لتعزيز الموارد البشرية في هذا المجال. ويبقى المشروع الشخصي للتلميذ، في رأي الخبير في التوجيه، هو الحل لمشكلة التوجيه التي تعترض التلاميذ بعد النجاح في الباكلوريا. برحو بوزياني

بعد الباك… “الدوخة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العربة والحصان

إدانة متهم بالسرقة وترويج مخدرات

مقالات ذات صلة