النموذج التنموي يتطلب رئيس حكومة قويا

الشامي والجعايدي والسعداني في "نادي ليكونوميست" لاستعراض تفاصيل وصفة التنمية يواصل أعضاء اللجنة التي سهرت على إعداد النموذج التنموي لقاءاتهم التواصلية لتسليط الضوء على تفاصيل ما جاء في تقارير مهمتهم والظروف، التي اشتغلوا فيها والمقاربة المعتمدة في تشخيص الوضعية الحالية والاقتراحات، التي تضمنتها والشروط التي يتعين توفرها للنجاح في تنزيل محاور الإصلاح التي تضمنتها وصفة اللجنة. واستقبل نادي «ليكونوميست» أحمد رضا الشامي والعربي الجعايدي و يوسف السعداني، أعضاء لجنة النموذج التنموي، من أجل تسليط الضوء بوجه خاص على الإجراءات ومقترحات الإصلاحات ذات البعد الاقتصادي والمالي، والإمكانيات التي يتوفر عليها المغرب لضمان التنزيل الأمثل لمختلف محاور الإصلاحات المقترحة. عبد الواحد كنفاوي - تصوير: (أحمد جرفي) كشف التشخيص الذي باشرته لجنة النموذج التنموي عن مجموعة من الاختلالات والنواقص، التي يعانيها الاقتصاد الوطني، لكنه رصد، أيضا، الإمكانات المتاحة التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية، إذا تم استثمارها بالشكل الأمثل. وأشار أحمد رضا الشامي، بداية، إلى أنه لم يتم وضع أي حدود لعمل اللجنة، إذ كانت تتمتع بالحرية التامة في القيام بالمهام التي أنيطت بها، ولم تكن هناك أي طابوهات، ما مكن من تناول مختلف القضايا المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأكد الشامي أن دور القطاع الخاص في النسيج الاقتصادي ما يزال محدودا، بالنظر إلى غياب مجموعات اقتصادية كبرى تلعب دور القاطرة، على غرار ما هو معمول به في البلدان الناشئة والمتقدمة، مضيفا أنه يمثل بالمغرب مابين 40 في المائة و 47، في حين تصل هذه النسبة إلى 80 في المائة بتركيا، مشيرا إلى أن هناك مجموعات اقتصادية تركية يتجاوز رقم معاملاتها 10 ملايير «أورو»، ما يمكنها من لعب دور القاطرة بالنسبة إلى القطاع الخاص، في حين أن أزيد من 65 في المائة من النسيج المقاولاتي، مع ما يعني ذلك من ضعف مستوى التأطير، إذ أن الأطر العليا والمتوسطة لا تمثل سوى 8 في المائة داخل المقاولات المغربية، في حين تتراوح هذه النسبة بين 20 في المائة و 30، وترتفع إلى 80 في المائة، في البلدان المتقدمة، ما يفسر ضعف أداء القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، الذي يحتل القطاع العام داخله مكانة كبيرة، ما يؤثر على المبادرة الخاصة. كما يفتقر المغرب إلى قاطرات صناعية قادرة على إحداث بيئة أعمال حولها. وأشار العربي الجعايدي، في هذا الصدد، إلى أن الهاجس المالي والتجاري يظل مهيمنا، حاليا، على المجموعات الصناعية، عوض تغليب منطق الإنتاج والابتكار، الذي من شأنه أن يحدث تطورا نوعيا داخل النسيج الإنتاجي بالمساهمة في رفع القيمة المضافة داخل القطاع. واعتبر أنه أصبح من الضروري إعادة النظر في نمط الإنتاج الحالي، من خلال العمل على بروز قطاعات جديدة ذات قيمة مضافة عالية، وتنويع النسيج الإنتاجي، وتشجيع الابتكار، وتوظيف أمثل للسياسة الجبائية والنقدية بما يخدم التحول الإنتاجي المنشود. واعتبر أنه أصبح من الضروري وضع سياسة إرادية بين القطاعين العام والخاص لتشجيع الفاعلين الأساسيين على تعبئة قدراتهم، من أجل المساهمة بشكل فعال في التحول الإنتاجي للاقتصاد الوطني. معيقات المبادرة المقاولاتية اعتبر يوسف السعداني أن بطء عملية التحول الهيكلي يرجع إلى ضعف ريادة الأعمال في القطاعات الإنتاجية والمبتكرة القادرة على المنافسة دوليا. وأشار، في هذا الصدد، إلى أن التكاليف المرتفعة نسبيا تعيق ريادة الأعمال، ما يضعف الربحية لدى المبادرة المقاولاتية، مضيفا أن هذه التكاليف تتمثل، أساسا، في تكاليف الإنتاج بالنسبة إلى أصحاب المشاريع، إذ أن عوامل الإنتاج تعاني في المغرب ضعف جودة الخدمات، والتكاليف المرتفعة، إضافة إلى التكلفة العالية للموارد البشرية المؤهلة، بالنظر إلى ندرة الكفاءات والخبرات في سوق العمل. وتواجه المبادرة المقاولاتية، أيضا، تكاليف المعاملات، إذ أن الشروع في أي نشاط إنتاجي من شأنه أن يعرض المقاولين إلى عدد من الاختلالات التي تعرفها الإدارة والمساطر التنظيمية الجاري بها العمل، ما يؤثر سلبا على استمرار المشاريع ومردوديتها، ثم هناك تكلفة الفرصة البديلة، التي تحد من روح المبادرة الحرة لدى المواطنين، ما يجعلهم أكثر ميولا لأنشطة منخفضة المخاطرة، مثل العمل أجراء في القطاع الخاص أو موظفين في القطاع العام. بالموازاة مع ذلك، يعاني النسيج الإنتاجي نقصا في المنافسة وتقنين السوق والممارسات غير المشروعة، ما يجعل الاقتصاد الوطني يعتمد على قطاعات موجهة نحو السوق الوطنية للاحتماء من المنافسة الدولية. ويعتمد الفاعلون في هذه القطاعات لضمان استمرار نشاطهم على الحواجز المباشرة وغير المباشرة تجاه الفاعلين الجدد، وعلى المحافظة على الوضعيات المهيمنة، ما يجعلهم غير قادرين على الانفتاح على الخارج. ويمثل القطاع غير المهيكل، أيضا، منافسة غير متكافئة تجاه المقاولات المهيكلة، ما يؤخر تأهيل شرائح واسعة من النسيج الإنتاجي. واعتبر أعضاء اللجنة أن مناخ الأعمال الحالي لا يساهم في توفير الرؤية والأمان اللازمين، من أجل تطوير الدينامية المقاولاتية وجذب المستثمرين المحليين والأجانب، إذ أن المساطر الإدارية تتسم بالتعقيد وعدم الشفافية، كما أن آجال معالجة الملفات تظل غير متوقعة وتتسم ببيروقراطية مفرطة. إضافة إلى ذلك، فإن المنظومة القانونية المرتبطة بالأعمال لا تزال، رغم المحاولات المتعددة لإصلاحها، معقدة ولم يتم تحديثها بالقدر الكافي. التمويل... هيمنة البنوك أكد أعضاء لجنة النموذج التنموي أن تمويل الاقتصاد الوطني ما زال مرتبطا بشكل كبير بالنظام البنكي، إذ أن 95 في المائة من التمويلات صادرة عن القطاع البنكي، وتمثل القروض البنكية 89 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. واعتبر المتدخلون أن ارتباط بنية التمويل بشكل كبير بالوساطة البنكية، يمكن أن يشكل عائقا على المدى الطويل، إذ يمكن أن يؤدي هذا الارتباط إلى اختلالات بنيوية في توازنات الشركات ونقص مزمن في رسملتها، إضافة إلى تحمل الدولة لعبء كبير يرتبط بالضمانات الممنوحة، من قبل الصندوق المركزي للضمان، كما أن خدمات التمويل البنكي لا تصل إلى بعض مكونات الاقتصاد، مثل المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة والمقاولات الناشئة والاقتصاد الاجتماعي. وأكد أعضاء اللجنة أن الاستمرار في هذا النمط في تمويل الاقتصاد لن يكون كافيا لتحقيق طموحات النموذج التنموي. واعتبر المتدخلون أن تنشيط بورصة البيضاء سيمثل الخطوة الأولى، من أجل إبراز المغرب باعتباره مركزا ماليا في المنطقة لمواجهة تحديات التنمية والإقلاع في أعقاب أزمة «كوفيد 19»، مشيرين إلى أن أسواق الرساميل يتعين أن تلعب دورا رئيسيا في النموذج التنموي الجديد للمغرب. ويمثل تطوير بورصة البيضاء عاملا حاسما لتطوير أسواق الرساميل، لما تمثله من منفذ طبيعي للأنشطة الاستثمارية المختلفة. الاقتصاد الاجتماعي رافعة للتنمية أكدت مختلف التدخلات على أهمية الاقتصاد الاجتماعي في المنظومة الاقتصادية لارتباطه بالتنمية المحلية وبتأهيل العالم القروي. واعتبر المتدخلون أن المغرب أولى اهتماما بهذا الصنف من الأنشطة الاقتصادية، واعتمد إستراتيجية وطنية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني تهم الفترة ما بين 2010 و 2020، إضافة إلى مخططات جهوية، التي تهدف إلى وضع إطار ترابي متكامل وتحفيزي لتطوير هذه الأنشطة، لكن هذه المخططات عرفت تماطلا في التنزيل على أرض الواقع، ما جعل أثرها على الفئات المستهدفة محدودا. ورغم إدماج الدولة للاقتصاد الاجتماعي ضمن مبادراتها الإستراتيجية، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومخطط المغرب الأخضر، وإحداث هياكل مؤسساتية للحكامة تعنى بالاقتصاد الاجتماعي، فإن مساهمته في إنتاج الثروات ما تزال محدودة، إذ لا يمثل رقم معاملاته 2 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ويوفر أقل من 4 في المائة من مناصب الشغل. واعتبر المتدخلون أن تأهيل الاقتصاد الاجتماعي وتطويره يتطلبان مواصلة ربطه بالسياسات الاقتصادية الكبرى للبلاد، مع توسيع نطاق القطاعات التي تدخل في هذا المكون من النسيج الإنتاجي، بدل اقتصارها على الفلاحة والصناعة التقليدية، والعمل على إدماج قطاعات واعدة أخرى، مثل الصناعة والطاقة والتكنولوجيات الرقمية، بهدف تطوير اقتصاد محلي يستفيد من جميع الموارد المالية وغير المادية للمجالات الترابية. كما يتعين وضع نظام حكامة ملائم للطابع الإستراتيجي للاقتصاد الوطني، مع منحه الوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف المحددة، والعمل على ضمان التجانس والتنسيق بين كل القطاعات الوزارية. شروط تنزيل المخطط ما هي الشروط المطلوبة لضمان التنزيل الأمثل للنموذج التنموي؟ سؤال محوري لم يتردد أحمد رضا الشامي في الإجابة عنه دون تردد، إذ أكد أن تنزيل النموذج التنموي يتطلب رئيس حكومة قويا وفريقا حكوميا منسجما، قادرا على اتخاذ الإجراءات المطلوبة ويمتلك الجرأة على مباشرة الإصلاحات. وأشار إلى أن الدستور الحالي يضمن لرئيس الحكومة الصلاحية اللازمة لتنزيل محاور النموذج التنموي، مضيفا أن هناك هامشا كبيرا متاحا لأعضاء الحكومة للمبادرة. وأوضح الشامي، بخصوص العلاقة بين المؤسسة الملكية وباقي المؤسسات، أن الدستور حدد بوضوح العلاقة بين مختلف السلط، إلا أن تفعيل هذه العلاقة وتوزيع الأدوار في إطارها لا يزال في تصور عدد من المتابعين مبهما ويفتقر إلى الوضوح، ما يساهم في حالة من الترقب والانتظار لدى صانعي القرار العموميين، مشيرا إلى أنه يمكن معالجة هذه المسألة في إطار ما ينص عليه الدستور، الذي خول لرئيس الحكومة صلاحيات تؤهله لقيادة الفريق الحكومي، غير أن حصيلة الفترة التي أعقبت الدستور، أظهرت صعوبة في ممارسة هذه الصلاحيات.

النموذج التنموي يتطلب رئيس حكومة قويا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سقوط نصاب الانتدابات الرياضية

تطورات انتحار شاب ببوفكران

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات