مشاريع جديدة بـ2700 مليار عجزت عن فك عقدة الاكتظاظ بعاصمة المال والأعمال لم يعثر مسؤولو البيضاء (في وزارة الداخلية والجماعة الحضرية وشركات التنمية المحلية)، بعدُ، على وصفة مدينة سلسة وجذابة ومُيسرة، رغم ملايين الدراهم التي صرفت على مدار 15 سنة على مشاريع مهيكلة في النقل والتنقلات والطرق والقناطر والأنفاق والمدارات والأثاث الحضري والكاميرات. في تجارب مماثلة، كان يمكن لهذه الترسانة الضخمة من المشاريع أن تجعل من أعتى المدن كثافة، طيعة أمام حركة السير والجولان، إلا البيضاء التي كلما انتهى مشروع، كلما اختنقت أكثر، علما أن سبعة ملايين مغربي الذين يتجولون، يوميا، في عاصمة المال والأعمال، هم سكان زقاق في شنغهاي الصينية. قبل 2010، كان مسؤولو البيضاء يشهرون آلاف الأعذار، من قبيل التوسع العمراني وقلة الإمكانيات المالية وضعف الحكامة وعسر المساطر الإدارية وإكراه نظام لوحدة مدينة في بدايته، لكن يصعب اليوم أن يقبل منهم البيضاويون نصف عذر، نظرا للسخاء المالي الهائل الذي حظيت به البيضاء في السنوات الأخيرة، والاهتمام الكبير بمشروع انطلاقها المسنود بإرادة قوية من أعلى سلطة في البلد. إن ما وقع في رمضان الماضي، وعلى مدى 30 يوما، فضيحة بكل المقاييس، وتضع جميع مسؤولي المدينة في قفص الاتهام دون استثناء، وكان من المفروض أن تبادر النيابة العامة إلى فتح تحقيق في الأضرار الجسيمة التي كان يتعرض لها ملايين الصائمين المحاصرين في النقاط الطرقية السوداء، وتبحث في الآثار النفسية والاجتماعية والأسرية، لكن لا شيء من ذلك حدث، إذ لم يكلف أي مسؤول نفسه عناء شرح ما كان يقع يوميا، كأن الأمر يتعلق بجحافل من الجرذان. وكي نعرف حجم الكارثة، فإن ما صرف على منظومة النقل والتنقلات بالبيضاء في السنوات، يساوي ميزانية البيضاء لعشرين سنة، دون أن يحدث أي فارق في الواقع، باستثناء الخطين الأول والثاني للطرامواي اللذين وصلا إلى مرحلة الملء الكلي، ويخيل لك أحيانا أنك تمتطي" كار عريبات» من شدة الازدحام، حتى في عز فورة فيروس كورونا. فمن أصل 33.6 مليار درهم المرصودة لمخطط تنمية البيضاء الكبرى الموقع أمام جلالة الملك في أكتوبر 2014، خصصت 27 مليار درهم إلى المحور الثاني، الخاص بتعزيز الحركية، وتمديد خطوط الطرامواي وتعزيز أسطول الحافلات وتهيئة الطرق الحضرية والإقليمية والطرق السيارة وإنجاز المنشآت الفنية والأنفاق. واشتغل مسؤولو المدينة على كل هذه المحاور، خصوصا بالنسبة إلى البنية التحتية التي استنزفت مشاريع بملايين الدراهم، عبارة عن أنفاق وقناطر وممرات وطرق وتهيئة وتوسيع شوارع، دون أن يحصل أي فارق يذكر. وعلى مستوى وسائل النقل العمومية، فسخ المجلس الجماعي العقد الذي كان يربط الجماعة مع شركة "مدينة بيس" من جانب واحد، والتعاقد على أرضية دفتر تحملات جديد ونوعي مع شركة "ألزا" الإسبانية، أسفر عن جلب أكثر من 400 حافلة جديدة في انتظار وصول دفعات أخرى. وبموازاة مع تتبع أشغال استغلال الخط الأول الذي بلغ عدد مستعمليه خلال ثلاث سنوات 106 ملايين راكب، أطلقت الجماعة الخط الثاني للطرامواي الذي يبلغ طوله 17 كيلومترا، بتمديد الخط الأول، الذي وصل 5.23 كيلومتر لربط شارع أنوال بحي البرنوصي بغلاف مالي بلغ 3.4 ملايير درهم. ومن المقرر، أن تشرع المدينة في استغلال الخط الثالث والخط الرابع والحافلات عالية الجودة في الأشهر المقبلة، لربط باقي المناطق ببعضها، لتسهيل عمليات التنقل في مختلف الاتجاهات بوسائل مختلفة وولوج سهل لنظام التذاكر. كل هذه المشاريع والأوراش لم تخرج المدينة من نفق الإكتظاظ المقيت، الذي لم يحرق أعصاب المواطنين فحسب، بل يحرق فرصا ذهبية للاستثمار تضيع، يوميا، وسط الزحام. يوسف الساكت تعليق: الاكتظاظ اليومي يحرق أعصاب المواطنين (أرشيف)