الربـاط… نهضـة غيـر مسبوقـة

طائرات ״درون״ لوضع خرائط العاصمة وأوراش كلفت 942 مليارا أصبحت الرباط، مدينة الأنوار، بفضل التعليمات الملكية الصارمة لإعادة تأهيل العاصمة كي تنافس العواصم العالمية، بعد تهيئة وتثمين مجالات خضراء شاسعة، وتأهيل البنيات التحتية، والنسيج العمراني في إطار برنامج مندمج رعاه الديوان الملكي وولاية الرباط سلا والنواحي، ومجلس العاصمة. ومر على ولاية الرباط، كل من عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية الحالي، ومحمد المهيدية، ومحمد اليعقوبي، كلهم اشتغلوا بفكرة محاربة الكسل والتقاعس في الإدارة، إذ تمت الاستعانة بطائرات "درون" لوضع خرائط العاصمة، ومعالجة كل النواقص، التي تعرفها عبر وضع مشاريع تنموية. وأصبحت العاصمة الرباط جوهرة الأنوار، بفعل تسريع وتيرة الأوراش التي كلفت 942 مليار سنتيم عند انطلاق هذا البرنامج، وأضيفت إليها ملايير أخرى لتغطية مشاريع أخرى، وتم إنهاء مدن الصفيح، وإعداد التراب بطريقة عصرية إلى حد ما، تختلف عما جرى سابقا. 1036 هكتارا للحزام الأخضر وللرباط مكانة استثنائية لسحر معالمها الأثرية الهامة، وغنى موروثها الحضاري والثقافي على مر العصور، ما جعلها قبلة للزوار لاكتشاف جمالها من خلال التجول عبر دروبها وأحيائها العتيقة، كما القديمة التي شهدت إعادة تأهيل شاملة، غيرت من المنظور السابق. وعرفت الرباط نهضة غير مسبوقة تهم المجالات الخضراء، بعد تهيئتها، على مساحة 260 هكتارا، الأمر الذي جعل العاصمة تسر الناظرين، وتحبس أنفاسهم، وهم يتجولون بين ظهرانيها، كما تفتخر بحزامها الأخضر الذي يمتد على مساحة 1063 هكتارا، متجاوزا المعدل العالمي للفضاءات الخضراء لكل فرد، حسب مقياس منظمة الصحة العالمية والمحدد في 10 أمتار، وتهيئة كورنيش الرباط بالطريق الساحلية، ومداخل الرباط. أسطول نقل متطور وأعيدت تهيئة حدائق "حسان" و"التجارب" و"المجد" و"الكفاح" و"ابن رشد" و"ابن تومرت"، وإحداث أكبر حديقة تمتد على مساحة 15 هكتارا، تربط بين مستشفى ابن سينا ومسجد لالة سكينة، وإحداث مضامير خاصة بالدراجات النارية والهوائية، وأخرى للأنشطة الرياضية، ومسالك للتنزه، وملاعب القرب، ومسبح عمومي، ومسرح جديد بمواصفات معمارية عالية الجودة. وارتدت الرباط حلة جديدة أكثر جمالية بفضل تزيينها بالفوانيس والأشجار وأعمدة الإنارة المثبتة بمعظم الشوارع، وتحديث قطاع النقل الطرقي والسككي، عبر إحداث محطتين طرقيتين وتمديد خطي "الطرامواي" رقمي 1 و2، إضافة إلى تعزيز أسطول النقل الحضري وتطوير بنياته وخدماته. عاصمة بدون أزبال وتأتي تهيئة محطة القامرة بطريقة معمارية فريدة، لتيسير حركة المرور بالمدينة، وخفض معدل التلوث والتدبير الأمثل لنقل المسافرين، وتحسين الخدمات المقدمة والاستجابة لانتظار السكان والزوار. وتنفس سكان الرباط الصعداء بعد الانتهاء من بناء أربعة مرائب جديدة في السنتين الأخيرتين، وإنجاز النفق الطرقي "باب لحد" للتخفيف من الاكتظاظ والازدحام، وتأهيل مرافق السوق المركزي البلدي وإدماج قيسارية واد الذهب بالنسيج العمراني. وتقوم شركة النظافة، التابعة للجماعة، تحت رئاسة لحسن العمراني، نائب عمدة الرباط، بتنظيم معظم شوارع الرباط قبل طلوع الفجر، سعيا من المسؤولين إلى جعل العاصمة دون أزبال. البيضاء... مدينة الظلام وإذا كانت الرباط تعرف بعاصمة الأنوار، فإن البيضاء، بالمقابل، مدينة الظلام بامتياز. إذ تعيش العاصمة الاقتصادية وضعا سيئا، بسبب تأخر إنجاز المشاريع التنموية، ليس لكثرة عدد السكان، ولكن بسبب استمرار سياسة عشوائية طبقت منذ عهد إدريس البصري، الوزير الراحل، والتي ترتكز على سياسة " ترييف" المدن، أي توسيع المجال الترابي بالبناء العشوائي، واستغلال أي بقع أرضية لاحتلالها والتلاعب فيها. واعتقد كبار مسؤولي الداخلية على عهد الراحل إدريس البصري أن أحسن طريقة لمواجهة مرشحي أحزاب الكتلة الديمقراطية، هو السماح للنازحين من القرى الهاربين من الجفاف، ببناء " البراريك" بضواحي البيضاء، وفي أحسن الأحوال منازل عشوائية، لمنح أصواتهم إلى المرشحين المنتمين إلى أحزاب الإدارة بسهولة لضمان توازن سياسي في البرلمان. ولم ينتبه مهندسو الانتخابات، لتداعيات توسيع هوامش البيضاء، من إنتاج ثقافة البؤس والفقر وخرق القانون، من خلال الاستيلاء على الملك العمومي، واستعمال وسائل نقل البوادي "لكراول"، التي ستتحول في ما بعد إلى سيارات الأجرة الكبيرة، التي تم اقتناؤها من سوق المتلاشيات الدولي "لا فيراي"، واحتلال الأزقة لبيع الخضر، وتحكم حراس السيارات دون قانون. وحتى حينما فاز مرشحو السلطة، استولوا على المساحات الخضراء وحولوها إلى عمارات، وخربوا المستوصفات التي تركها الاستعمار الفرنسي في أبهى حلتها، ورفضوا حتى جمع الأزبال، وتنظيف الشوارع الرئيسية، لأن الآلات التي كانت في مستودع البلديات تم بيعها. وبما أن الجميع اتفق على توزيع الغنائم في إطار "إنا حلفنا القسما" في الجانب المالي، تم تحويل المؤسسات إلى خراب، ورغم المحاولات الجارية في السنوات الأخيرة بعد الغضبة الملكية على من دبر المدينة الغول، سابقا، فإن التغيير مع المجلس الحالي، يظل بطيئا ولا يرقى إلى مستوى ما يطمح إليه سكان العاصمة الاقتصادية. شهادات وحلة المدينة تجربة وحدة المدينة التي تم اعتمادها، في عهد تجربة العدالة والتنمية يمكن تسميتها ب»وحلة المدينة». البيضاء غنية جدا بإمكانياتها المادية والبشرية، لكن مع الأسف تجربة وحدة المدينة لم تأت بالنتائج المرجوة منها، بحكم أن مجلس البيضاء أغلبيته يتحكم فيه الحزب الأغلبي. كان بودنا أن تكون البيضاء بوجه آخر مشرق، غير الذي توجد عليه حاليا. للأسف حتى المشاريع التي رصدت لها أموال كبيرة، ناهزت حوالي 3360 مليار سنتيم، التي وقعت في إطار اتفاقية أمام الملك في 2014، عدد كبير منها لم يخرج إلى الوجود، بسبب غياب التتبع والمراقبة اليوميين. ولا ننسى مشكل النظافة الذي زاد تأزيم وضعية البيضاء وجعل صورتها تزداد قتامة يوما بعد آخر، ففي عهد منتخبي «بيجيدي» اكتشفنا أن عمال النظافة محرومون من أجرتهم الشهرية، رغم أنه تم رصد الملايير لشركات النظافة. باستثناء الأحياء الراقية يمكن القيام بإطلالة صغيرة لمعاينة مطارح عشوائية ونفايات متجمعة، وهو ما جعل البيضاويين يحملون هما واحدا، هو كيف يحاربون الأزبال بمدينتهم؟ في الوقت الذي يجب أن تفكر الفعاليات السياسية والأطر في برامج تنموية تجعل البيضاء مدينة بمعنى الكلمة. نتمنى في الاستحقاقات المقبلة أن تفرز لنا بعض النخب القادرة على إقامة تحول كبير بالمدينة المليونية، سيما أن تقرير النموذج التنموي الذي قدم أمام الملك يقتضي وجود فعاليات يمكن أن تواكب التطور المأمول في أفق 2035. المفروض اليوم إرجاع الثقة للبيضاويين وتنمية مدينتهم لأنها لا تستحق هذا الظلم الذي تعيشه في الوقت الحالي، ولهذا نطالب المواطنين خلال الاستحقاقات المقبلة باختيار الأشخاص القادرين على الاستجابة لمطالبهم المشروعة ومحاربة أصحاب «الرشوة» والإحسان الانتخابي والاهتمام بالكفاءات الحاملة لهم العاصمة الاقتصادية والطامحة لتطويرها وتنميتها. سوء اختيار تحولت البيضاء، بسبب منتخبين لا تهمهم سوى مصالحهم الخاصة، وبفعل مرض الكراسي وتصفية الحسابات السياسية والإيديولوجية، من عاصمة اقتصادية إلى قرية كبيرة، بل الأكثر من ذلك أصبحت حياتها اليومية سوداوية، رغم مساحيق التجميل التي تُوضع لها. لكن إذا أصبحت البيضاء تلقب بـ «كازا نيكرا»، نظرا للصورة القاتمة التي صارت عليها، فكل شيء سوداوي وفوضوي، سواء تعلق الأمر بالنظافة أو وسائل النقل أو الازدحام المروري أو المشاريع الموقوفة التنفيذ والعشوائية، المتمثلة في انتشار البناء العشوائي و»التريبورتورات» واستغلال الملك العمومي والأزبال والتلوث السمعي، فإنه لا يمكن أن نلقي باللوم على المنتخبين فقط، لأن المسؤولية مشتركة بين مسيري الشأن العام والمواطنين، الذين اختاروا أشخاصا غير أكفاء في مناصب أكبر من حجمهم. أشخاص لا يغارون على مدينة مليونية يسيرونها رغم أنهم يقومون بزيارات إلى الخارج للاستفادة من تجارب الغرب. ما يقع بالبيضاء من ترد في جل القطاعات، نتيجة لسوء اختياراتنا وسلوكات بعض المستهترين بالعيش المشترك، لذلك لا يجب علينا في الوقت الراهن البكاء لأننا ندفع ثمن اختيار أشخاص غير غيورين على مدينة احتضنتهم، في انتظار أن يستفيق المواطن في المرحلة المقبلة ويختار المسؤول المناسب في المكان المناسب. مسؤولية مشتركة لا يمكن القول إن البيضاء فشلت في التطور أو التنمية، إذ أن هناك عدة أوراش كبرى قائمة في المدينة، ودائما ما أقول إن العاصمة الاقتصادية ستكون جاهزة لاحتضان الأجيال المقبلة في أحسن الظروف، لكن رغم ذلك هناك عدة مشاكل تقف عائقا أمام تنمية المدينة. صحيح أن هناك تخاذل بعض المنتخبين الذي يعرقلون التنمية، ويوظفون السياسة في المشاريع والبرامج التنموية من جهة، أو نجد بعضهم غير متفرغ لخدمة الصالح العام وتنمية المدينة، بقدر تفرغه لمشاريعه الخاصة، لأنه فقط يمارس السياسة «خضرة فوق طعام» كما يقال، وهذا أحد أبرز المشاكل التي تعرقل عملية التنمية. لكن ليس المنتخب وحده من يتحمل المسؤولية، بل مختلف الفاعلين، وعلى رأسهم المواطن الذي لا يعمل على الحفاظ على البنيات التحتية على سبيل المثال ويساهم نوعا ما في «الفوضى»، التي تعرفها المدينة، بسبب أزمة القيم والأخلاق الحاصلة. ونجد كذلك بعض الفاعلين الذين يساهمون في عرقلة تنمية المدينة، كمثال على ذلك المتهربون من أداء الواجبات الجبائية المفروضة عليهم، والتي تحمل ميزانية المدينة خسائر مالية ضخمة تتجاوز حسب بعض المسؤولين 900 مليار سنتيم، وهو المبلغ الذي يمكن أن تنشأ به جماعة البيضاء عدة مشاريع تنموية، وعدة فضاءات ويمكن أن يساهم في تهيئة البنيات وتجويدها. أعتقد أن المسؤولية مشتركة بين المواطن والمنتخب، لذلك وجب على الأول انتخاب ممثلين أكفاء قادرين على السير قدما بالمدينة وتنميتها، والانخراط في ضمان جودة واستمرارية المشاريع والمنجزة من خلال التزام أخلاقي، وإظهار سلوك حضاري يليق بقيمة القطب الاقتصادي للمملكة، ويجب لزوما على الثاني (المنتخب) احترام المواطن الذي انتخبه وإحداث برامج ومشاريع تساهم في تطوير وتنمية المدينة والسهر على إنجاز هذه المشاريع والابتعاد عن ممارسة السياسة، في ما يتعلق بتدبير الشؤون المحلية، المرتبطة أساسا بالمواطن. استقاها : محمد بها

الربـاط… نهضـة غيـر مسبوقـة

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اكتساح نقابي للاستقلال في الصحراء

100 قاض يتدربون على حقوق الإنسان

مقالات ذات صلة