الوخز بالإبر… العلاج بتوازن الطاقة
طبيبان متخصصان في التخدير والإنعاش يسعيان إلى إثبات فعاليتها وتعميم استعمالها في أوساط الطب الحديث
في الوقت الذي شرعت فيه العديد من الدول الغربية في اعتماد تقنية الوخز بالإبر الصينية، شكلا من أشكال العلاجات المعوضة والمتكفل بها، لا يزال العديد من المغاربة يشككون في قدرتها على علاج العديد من الأمراض والمشاكل الصحية. ولعل أحد أبرز عوامل التشكيك في نجاعة هذه التقنية، ممارستها في غالب الأحيان من قبل دخلاء من غير أهل الاختصاص، لا يتوفرون على تكوين طبي يؤهلهم لتشخيص حالة المريض بدقة،
أو تحديد البروتوكول العلاجي المناسب، بغض النظر عن خدمة الوخز التي يقدمونها. لتقريبكم أكثر من حقيقة هذا النوع من العلاجات التكميلية، قابلت “الصباح” طبيبين متخصصين في الإنعاش والتخدير، تلقيا تكوينا مهنيا حول الوخز بالإبر في فرنسا، وشرعا في ممارسته وإجراء دراسات لإثبات فعاليته، وتعميم استعماله في أوساط الطب الحديث بالمملكة.
إنجاز: يسرى عويفي – تصوير: (أحمد جرفي)
تعتبر الإبر الصينية إحدى تقنيات الطب الصيني القديمة، التي شقت طريقها مجددا ضمن العلاجات المطلوبة في عدد من الدول كالولايات المتحدة وأغلب الدول الأوربية والآسيوية، بعدما أثبتت فعاليتها في علاج الأمراض والآلام بصفة عامة، إلى جانب تنشيط وإثارة أماكن ردود الفعل بالجسم.
وتقوم هذه التقنية، المعتمدة منذ أزيد من 3000 سنة، على إثارة نقاط معينة في الجسم، ذات علاقة بالأعضاء الداخلية، من خلال تحفيز الأعصاب والعضلات والأنسجة الضامة لها، ما يزيد من جريان الدم وإنتاج المواد الطبيعية المسكنة والمحققة للعلاج أو التخدير الجزئي.
تخفيف الألم
يعرف الدكتور محمد سمير بنشقرون، اختصاصي في التخدير والإنعاش والوخز بالإبر، هذا النوع من العلاجات الصينية القديمة (حسب تعريف الطب الصيني التقليدي)، بأنه طريقة لموازنة تدفق الطاقة، التي يقول بأنها تتدفق عبر مسارات معينة (خطوط طولية) في الجسم، عبر إدخال الإبر في مناطق محددة بامتداد الخطوط الطولية المذكورة، معتبرا إياها إحدى الطرق القديمة الحديثة في المعالجة، بعدما لوحظ أن تدليك نقاط معينة في جسم الإنسان يحدث تأثيرا إيجابيا في تخفيف الألم.
من جهته، يفسر الدكتور يونس الشروقي، اختصاصي في التخدير والإنعاش والوخز بالإبر، إقبال الغرب على هذه التقنية الصينية التقليدية، المصنفة علاجا بديلا أو تكميليا للأدوية، بالنتائج العلمية الإيجابية التي حققتها، وجعلت منها أداة طبية معتمدة في شفاء عدد من الأمراض، وتسكين آلام ما بعد الجراحات.
وبدوره، يؤكد الشروقي إجراءه، رفقة الدكتور محمد سمير بنشقرون، أبحاثا على المرضى الذين يخضعون للوخز بالإبر لديهما بالمصحة، من أجل إثبات فعاليته في صفوف دكاترة الطب الحديث بالمملكة، من خلال مقارنة حالاتهم بأخرى لم تخضع للوخز، وثبوت أثرها الإيجابي عليهم على مستوى تحقيق الارتياح وتخفيف الآلام بدرجة كبيرة، دون الحاجة إلى أخذ مسكنات قوية ذات أعراض جانبية مقلقة كالمورفين والباراسيتامول، خاصة لدى أولئك الذين خضعوا لعمليات جراحية.
التشخيص قبل العلاج
يقول الدكتور الشروقي إن وظيفة الوخز بالإبر الصينية لا تتجسد فقط في تخفيف الآلام وعلاج الأمراض، بل أيضا تقوية المناعة وتقييم الوضع الصحي للمريض، وتشخيص كافة المشاكل الصحية التي يعانيها، بما فيها تلك التي لا تكون لها أعراض ظاهرة، موضحا أن “إدخال الإبرة في إحدى النقط الخاصة بالوخز، وتحسس هذه النقطة أكثر من غيرها دليل على وجود مشكلة في العضو المرتبط بها”.
ويتابع الشروقي حديثه قائلا “عكس بعض ممتهني الطب البديل، من غير أهل الاختصاص، نتوفر على تكوين طبي وتجربة تفوق 17 سنة، إلى جانب تدريب احترافي في الوخز بالإبر، ما يخولنا طلب الفحوصات والتحاليل الضرورية لتقييم حالة المريض بدقة، قبل علاجها”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “الطب الصيني مبني على الوقاية، وكشف أي نقص موجود بالجسد قد يتطور في ما بعد إلى مرض”، مذكرا بأن المهم في هذا النوع من العلاجات، أن يؤمن المريض بقدرة الوخز على علاج علته.
أدوات خاصة
أفاد الشروقي أن الأدوات المستعملة في الوخز تتجسد أساسا في “الإبر الصينية، وهي إبر رفيعة معقمة ذات استعمال وحيد، قطرها صغير جدا مقارنة بإبر الحقن تحت الجلد (أقل إيلاما)، لأنها لا يجب أن تكون جوفاء لأغراض الحقن، وغير متوفرة بالمغرب، “نأتي بها من فرنسا”، على حد قوله.
وأردف الدكتور المتخصص في الوخز بالإبر قائلا “بعد الانتهاء من الحصة وإزالة الإبر، يتم تثبيت ملصقات صغيرة في مكان الوخز، تحوي إبرا قصيرة جدا (0.6 ملليمتر) ورفيعة تكاد ترى بالعين المجردة، الهدف منها الحفاظ على تأثير الوخز في تلك النقط لوقت أطول، إذ تبقى مثبتة لأيام إلى أن يقوم بالاستحمام ، ويكفي أن يقوم المريض بتدليكها أو الضغط عليها مرة أخرى، لكي يشعر بالراحة”.
وتابع المتحدث ذاته “قد نعتمد أيضا على العلاج عن طريق تدفئة نقطة الوخز بالإبر، من خلال حرق مجموعة من الأعشاب (غالبا أحد أنواع الشيح) وتثبيتها في رأس الإبرة، لتبدأ العشبة في الاحتراق دون لهب لعدة دقائق (حسب كمية العشب)، ما يسمح بإيصال الحرارة إلى الأنسجة المحيطة بالإبرة في جسم المريض، لإرخاء العضلات وإزالة الألم”.
أمراض مزمنة وحصص مختلفة
عن الحالات المستفيدة من هذه التقنية، ذكر الشروقي “كل الأشخاص يمكنهم الاستفادة من هذا العلاج الصيني التقليدي، عبر حصص مختلفة، لكن درجة الشفاء تختلف بين شخص وآخر حسب الشخص وحالته الطبية”، مشيرا إلى أن الأمراض التي ثبتت فعالية الإبر في علاجها تشمل “عرق النسا (السياتيك)، وآلام الظهر بعد الولادة القيصرية، وآلام الرقبة والكتف (المزمنة)، والتهاب المثانة، والشقيقة (آلام الرأس)، والأعراض الجانبية للعلاج الكيماوي لمرضى السرطان، واستفراغ مابعد العمليات الجراحية، والصداع المزمن، وأعراض ما بعد انقطاع الطمث، من خلال تحفيز إنتاج الهرمونات التي توقف الرحم عن إنتاجها، وأساسا الأستروجين عبر الكبد والشحوم، والأرق والتوتر والاكتئاب (علاجا تكميليا إلى جانب الأدوية)، ثم الآلام الناتجة عن حادث رياضي أو التواء في الكاحل، وآلام المفاصل المزمن”.
أما المدة اللازمة للعلاج فأكد الدكتور المتخصص أنها “تختلف حسب كل حالة، إذ هناك الحالات التي تتطلب حصتين فقط للتعافي، وأخرى أربع حصص، أو أكثر، مضيفا “حينما يتعافى المريض، قد نباعد بين الحصص، كأن نخضعه لحصة واحدة في الشهر بدل واحدة في الأسبوع، ثم واحدة كل ستة أشهر، أو نتوقف بعد ذلك، ولكن بعض المرضى يأتون بعد تعافيهم دون موعد، بحثا عن مفعول الارتياح الذي يتحقق لديهم بعد كل حصة”.
استغلال قدرات الجسم
يؤكد الشروقي أن التداوي بالوخز بالإبر “خال من الأعراض الجانبية، عكس الأدوية، إذ يمكن للأشخاص الذين يأخذون جرعات كبيرة من الأدوية المسكنة للألم من تقليصها، وتفادي الأعراض الجانبية الشائعة لها كالتهاب المعدة والكبد، بل حتى الاستغناء عنها بعد علاج دوافع أخذها”، مضيفا “هناك أماكن معينة في الأذن تتحكم في الخوف لدى المرضى المقبلين على إجراء عمليات جراحية، والتي يؤدي وخزها إلى تلاشي شعور القلق والمسببة للقيء كالمورفين”.
وشدد المصدر ذاته على أن “هذه التقنية تتركز على استغلال قدرات الجسم نفسه في الشفاء من المرض، دون اللجوء إلى الأدوية الكيماوية، مع إمكانية تطبيقها على الأطفال والشيوخ والحوامل (وخز مناطق غير البطن)، فضلا عن أن استعمال الإبر يتم لمرة واحدة فقط”، على حد قوله.
علاج آلام ما بعد الجراحة
أفاد الدكتور بنشقرون، أن الدراسات التي يجريانها (هو والدكتور الشروقي) حاليا، تشمل المرضى الذين يخضعون للوخز على يديهما، ومعظمهم المقبلون على عمليات جراحية بالمصحة التي يشتغلان فيها، ممن رحبوا باقتراح تجربة هذا النوع من العلاجات التكميلية بشكل مجاني، مؤكدا أن النتائج المسجلة إلى حدود الساعة “تثبت بدقة فعالية هذا النوع من العلاجات التكميلية في علاج آلام ما بعد الجراحة”.
وأبرز المتحدث نفسه، أن عملية الوخز تتم “بعد الفحص السريري للمرضى المذكورين، من خلال وخز نقط معينة في الأذن ثم اليد والرجل، لها علاقة (النقط) بالأعضاء الداخلية التي ستخضع للجراحة، بغرض إزالة ألم ما بعد العملية، وتقليل حاجة المريض للأدوية الخاصة بتسكين الألم كالمورفين مثلا”، معربا بافتخار عن النتائج الإيجابية التي حققتها دراساتهما، والتي يسعيان إلى تعميمها ونشرها في مجلات طبية متخصصة، لتعميم استعمالها في أوساط متخصصي الطب الحديث.