مطعم ״الشينوا״ في مهب الريح

أسسه الفيتنامي نغويين قبل 71 سنة وتحول إلى قبلة ״لكازاويين״ بفضل جودة الخدمة ولذة الأطباق استيقظ البيضاويون، قبل أيام، على هدم معلمة من معالم مدينتهم، تشكل جزءا مهما من تاريخهم وذاكرتهم. يتعلق الأمر بمطعم «الشينوا» الشهير بالعاصمة الاقتصادية، الذي تأسس سنة 1950 من قبل رجل أعمال فيتنامي عاشق للمغرب، واكتسب، على مر السنين، شهرة كبيرة، بفضل أطباقه الآسيوية الكلاسيكية، وجودة خدمته ومعقولية أسعاره، إضافة إلى أجوائه الساحرة والرومانسية. ورغم أن المكان ليس مصنفا ضمن تراث المدينة، ويحق لعائلة نغويين التي تملكه أن تبيعه في أي وقت شاءت، إلا أنه جزء مهم من ذاكرة البيضاء، توارثت أجيال من «الكازاويين» حبه، ولم تستسغ اليوم أن يتم هدمه لتبنى مكانه عمارة أو بناية سكنية أو تجارية. «الصباح» تكرم ذاكرة هذا الفضاء الجميل، الذي سيفتقده الكثيرون، في الورقة التالية: ن . ف جنـازة معلمـة تم هدمها بجرة توقيع من مسؤول لم يعرف أنه ساهم في قتل جزء من ذاكرة وتاريخ ״بيضاوة״ لم يكن العمال الذين كلفوا بدك مطعم "أونيديرونديل" الشهير بالبيضاء، ثم وقفوا متفرجين على آثار الدمار التي خلفتها "بلدوزوراتهم"، يعرفون أنهم قضوا بذلك على جزء مهم من ذاكرة البيضاويين وذكرياتهم. ولم يكن المسؤول عن توقيع قرار الهدم، يعرف أنه وقع بذلك على شهادة موت معلمة حقيقية من معالم العاصمة الاقتصادية، كان يجب الحفاظ عليها، على الأقل إكراما ل"وليدات كازا". ويبدو أن مرتكبي هذه الجريمة الفظيعة، سيستغربون هذه "القيامة" التي قامت في مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، على مجرد مطعم قديم، اهترأ بنيانه وبهتت صباغته. إنهم لم يأكلوا من طعامه، ولا ارتووا من نعيم مشروبه الساحر المصنوع من الأرز، ولا قضوا لحظات رومانسية أو عائلية بين جدران فضائه الأحمر الساحر، المطعّم بالأسود، وكأنه مشهد من رواية "لو روج إي لو نوار" لستاندال. لا يعرف هؤلاء المسؤولون، الذين ابتلانا بهم الله في هذه المدينة "القرية"، ماذا يشكل هذا الفضاء بالنسبة إلى البيضاويين الذين يسمونه "ريسطوران الشينوا"، رغم أنه فيتنامي في الأصل. فمنذ فتح المطعم أبوابه في الخمسينات، وهو شاهد على قصص العشق والغرام واحتفالات الزواج وأعياد الميلاد وأعياد الحب، أجيالا بعد أخرى. لقد كان الوجهة المفضلة لكل من أراد أن يسرق لحظة سعادة مع قريب أو حبيب أو صديق، ويستمتع بلذة أطباق "الشوبسوي" و"الكانتوني" و"النيمز" والدجاج باللوز أو الكاجو، دون الحديث عن حسائه الشهي وسلطته المميزة التي لا يمكن أن تجد مثيلا لها في جميع مطاعم البلد. في مطعم "الشينوا"، لم يكن بالإمكان أن تجد مكانا لك مساء الجمعة أو في نهايات الأسبوع بسبب الإقبال الكبير عليه. كانت العائلات تقف متراصة أمام مدخله في شارع الزرقطوني، متلهفة لوصول دورها من أجل الحصول على طاولة. سيدة المكان، وهي امرأة قصيرة القامة قوية "الكاريزما"، كانت تقف بنفسها على الطلبات. تقدم قائمة الطعام وتسجل الاختيارات في دفترها بكل دقة وصرامة، وكأنها في مهمة خطيرة، قبل أن تغادر بابتسامة صغيرة لتسليمها إلى "الشيف"، ثم تنتقل إلى طاولة أخرى إلى أن تستنفد آخر زبون لها مع انتهاء منتصف الليل. جميع الفئات الاجتماعية كانت تقصد مطعم "الشينوا". فهو، إلى جانب جودة الخدمة ووفرة الطعام، كانت أسعاره معقولة وفي متناول الجميع. هناك، كان يمكن أن تلتقي القضاة والمحامين والصحافيين والمهندسين ورجال الأعمال والمقاولين والفنانين، أو أصدقاء قدامى. كان يقصده الشيب والشباب وأطفال كبروا وأورثوا أبناءهم عشقهم للمكان ووفاءهم له، قبل أن يأتي هذا اليوم الأغبر الذي قررت معاول القبح أن تهدمه، وتقضي، بجرة توقيع، على تاريخ طويل من الحب والحنين والذكريات الجميلة لأجيال من "الكازاويين". إنه ليوم حزين، يحق فيه لأبناء البيضاء أن يذرفوا دموعا ويعزوا أنفسهم، في موت رفيق درب لا ينسى. يحق لهم، أن يعلنوا الحداد ويقيموا صلاة الجنازة على مطعم ليس كالمطاعم. إنه مطعم "الشينوا" يا ناس. نورا الفواري

مطعم ״الشينوا״ في مهب الريح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

21 لاعبة في تجمع المنتخب

استعمالات انتخابية للمناصب العليا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات