المغرب وإفريقيا… روابط الدين والسياسة والأمن

الرباط تعوض غيابها عن منظمة الوحدة الإفريقية بتعزيز علاقات ثنائية شاملة شكل محور طنجة- دكار محور السياسات الأمنية الخارجية بالنسبة إلى المغرب، فالرباط ظلت حريصة على تأمين هذا الخط، لقطع الطريق أمام كل محاولات الاختراق الجزائرية. تأمين هذا الخط الإستراتيجي الممتد بين شمال المغرب والعاصمة السنغالية، فرض الحفاظ على علاقات متوازنة مع موريتانيا، وإن كانت هذه الأخيرة تخضع، في علاقتها مع الرباط، لمزاج السلطة السياسية وتفاوت درجات تقاربها مع الأجندة الجزائرية في المنطقة . طنجة دكار... محور السياسة الخارجية لقد سعى المغرب إلى الحفاظ على هذا المحور، من خلال تعزيز عدد من بلدان إفريقيا، وكان الدور الذي لعبته الدبلوماسية المغربية في حسم التدخل العسكري في شمال مالي لتحريره من فلول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تأثير على مواقف الكثير من البلدان الإفريقية في منطقة الساحل والصحراء، فالتأثير الذي مارسته الدبلوماسية المغربية، من استصدار قرار التدخل العسكري في مجلس الأمن إلى توفير الدعم السياسي والعسكري لتأمين العمليات العسكرية في شمال مالي، شكل دليلا قاطعا على الدور الإستراتيجي الذي تلعبه الرباط في المنطقة، وإن من خارج منظمة الوحدة الإفريقية، التي تعالت الأصوات من داخلها تطالب بعودة المغرب إلى مقعده الشاغر منذ 1984.جولة الملك في ثلاثة بلدان إفريقية تؤكد أن المغرب «الذي انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية، يجد البديل للعلاقة مع المنظمة الإفريقية، من خلال تعزيز العلاقات الثنائية مع باقي البلدان الإفريقية»، وبذلك، فإن «إقامة علاقات ذات طبيعة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، تتجاوز القطيعة التي نشأت مع منظمة الوحدة الإفريقية، أو مع الاتحاد الإفريقي بعد تأسيسه لاحقا». هذه الحقيقة السياسية تؤكد لغة الأرقام الدبلوماسية أيضا، ذلك أنه من «أصل 53 دولة إفريقية هناك 17 دولة لم تكن قط معترفة بالجمهورية المزعومة و12 دولة سحبت اعترافها بجبهة بوليساريو، في حين جمدت ست دول اعترافها أي أن حوالي 70 في المائة من الدول بالاتحاد الإفريقي لا تعترف بالجمهورية الوهمية»، ما يعني أن المغرب يبذل جهودا كبيرة في تعويض غيابه عن منظمة الوحدة الإفريقية. ورغم الحروب التي تخوضها بعض الدول الإفريقية، بالوكالة عن بوليساريو والجزائر، وداخل هذه المنظمة. التهديدات الأمنية... تحديات الساحل الملف الأمني، أحد المحاور الرئيسية التي تؤطر العلاقات المغربية الإفريقية، وقد تأكد هذا التوجه، حينما طلبت مالي رسميا من الرباط، من خلال عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن، بالتحرك لتخليص الأراضي المالية من التهديدات الأمنية واستعادة وحدتها الترابية. وهكذا فإن التحرك المغربي بـ»النسبة إلى الأزمة المالية والتدخل العسكري الفرنسي لمواجهة الجماعات المسلحة المتشددة التي تسيطر على شمالي مالي»، كان يحمل رسالة مفادها أن الرباط، التي عانت استعداء دول في إفريقيا لوحدتها الترابية، ستقف ضد كل محاولة للمس بالوحدة الترابية لبلدان إفريقيا، وهو ما ذهب إليه وزير الخارجية والتعاون، سعد الدين العثماني، حينما قال إن المغرب «يدعم استقلال مالي ووحدتها واستقرارها السياسي، وقام بمبادرات على المستوى التنموي والإنساني لشعب مالي، وبالتالي فإن أي مشكل يقع في المنطقة يهم المغرب مباشرة، نظرا إلى عمق الروابط التاريخية والاجتماعية والشعبية ذات الأبعاد الحضارية والدينية القوية».هذا التوجه لتجسيد مقاربة أمنية تشاركية بين البلدان الإفريقية، لمحاربة الإرهاب وكل أشكال التهديدات الأمنية، تضمنتها الكلمة التي ألقاها جلالة الملك، بحضور الرئيس السنغالي، ماكي سال، فقد جدد جلالته التأكيد على وضع «إستراتيجية حل شامل لكافة التهديدات الأمنية في المنطقة برمتها، ولمتطلبات التنمية المستدامة، إستراتيجية يجتمع حولها كل الفاعلين المعنيين». الزوايا... إمارة المؤمنين في إفريقيا عاد المحدد الديني إلى تدعيم علاقة المغرب بكثير من الدول الإفريقية، في عهد الملك محمد السادس. فقد أعاد الأخير صياغة علاقة الرباط بالتيجانيين الذين ينتشرون في مختلف البلدان الإفريقية، على امتداد منطقة الساحل والصحراء، ودفع في اتجاه بناء علاقة جديدة تقوم على تمكين أتباع الزاوية التيجانية من أدوار دبلوماسية تساهم في تقوية الروابط بين المغرب وبلدان إفريقية. وفي السياق ذاته، يرى الباحث عبد الإله الشباكي، في تحليله لدور المحدد الديني في العلاقة المغربية الإفريقية، أن الزوايا والطرق الصوفية تمكنت «من خلال توظيفها للعامل الديني الإسلامي من القيام بمد قنوات الحوار والتواصل وصيانة نسيج العلاقات الحضارية والسياسية بين المغرب وإفريقيا، إذ وجد هذا الأسلوب الديني قبولا من طرف الأفارقة، ساعد على تغلغل طقوس الزوايا المغربية وتعاليمها الصوفية في الجزء الجنوبي والغربي لإفريقيا بشكل خاص».بالمقابل، تتوفر الطريقة التيجانية، تحديدا، على أنصار كثر في بعض الدول الإفريقية يشكلون رقما صعبا في المعادلة السياسية في هذه البلدان، وبذلك، فإن الرهان على هذه الجماعات التي تلعب دورا انتخابيا، يشكل إحدى الأوراق المربحة في العلاقات المغربية الإفريقية، بالنظر إلى «الدور الدبلوماسي الذي تقوم به الزاوية التيجانية في تكييف علاقة إفريقيا بالمنطقة المغاربية، خاصة مع المغرب وبدرجة ثانية الجزائر، إذ يمكن القول إن هذه الزاوية تلعب دورا هاما ومحددا لا يستهان به في توجيه هذه العلاقات الإقليمية».اليوم، يراهن المغرب على الدور الدبلوماسي الذي يمكنه أن تلعبه الزاوية التيجانية، فقدرتها على التأثير السياسي والانتخابي في بلدان إفريقيا يجعل الدور الديني أكثر قدرة من الأدوار السياسية والاقتصادية والدبلوماسية في تقوية الروابط بين هذه البلدان والرباط، وهي الرسالة التي حملها استقبال الملك لرجال الزوايا الدينية خلال زيارته إلى السنغال.إحسان الحافظي

المغرب وإفريقيا… روابط الدين والسياسة والأمن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أزيد من500 اتفاقية تعاون بين المغرب ودول إفريقيا

الاحتفاء بتجربة 40 سنة من إبداع المهدي قطبي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات