رهان الجماعة بعد ياسين… من العقائدية إلى الواقعية

الرامي: محورية ومركزية الشيخ في بنية الجماعة يضعها اليوم أمام المحك في غيابه حتى لو قالت "السياسة بعض شأننا" فإن جماعة العدل والإحسان جعلت من السياسة كل شأنها، خاصة بعد أن تقوت صفوفها بأتباع مرشدها العام. وحتى لو ركزت في سياق بسط أهدافها وغاياتها على التداول على السلطة وسيادة الشعب والتعددية ومحورية العلاقات، فإن الجماعة بنيت وتنامت حول نقطة مركزية وهي الإنتاج الإيديولوجي للشيخ ياسين، وهذا ما يجعل غياب المرشد يفرز مجموعة من الإكراهات والتحديات على التنظيم. "الأكيد أن الجماعة ستواجه عدة إكراهات وتحديات، وأولها مرتبط بطبيعة بنية الجماعة التي تعتمد أساسا على الحضور المهيمن للشيخ، بحكم أن حضوره كان محوريا في الجماعة وهذا الحضور فرضته كاريزميته، فهو المؤسس والمرشد والموجه والمهيمن الإيديولوجي، وكان يحتل مركزا مهيمنا وطاغيا في التنظيم ككل"، يقول الباحث السياسي والمتخصص في الحركات الإسلامية عبد الله الرامي، مضيفا أن الاعتبار المركزي سيترك "فراغا كبيرا" في بنية الجماعة وهذا ما يشكل المحك الأساسي والتحدي الذي سيواجهه مسار الجماعة ومستقبلها.الحديث عن مشروع فكري يشكل مناعة أمام تفجر الجماعة بعد وفاة مؤسسها ومرشدها وموجهها ومنتجها الإيديولوجي، لا يعتبره الرامي ذا أساسا ، "لا يمكن الحديث عن مشروع فكري للجماعة، بالعكس هذا المشروع منبني على أفكار الشيخ ومؤلفاته، والمنظومة الإيديولوجية للجماعة هي الأدبيات التي وضعها الشيخ، وليست من إفرازات أو الإنتاج الفكري للجماعة ككل، وهو ما سيصعب معه قراءة نخبتها ومستواها من خلال الإنتاج الإيديولوجي، لأن هذا الأخير كان مرتبطا بالمؤسس فقط، ومؤلفاته شكلت المحور، وهذا دليل آخر على محورية ومركزية الشيخ في بنية الجماعة، لأن الشيخ ياسين لم يكن كما في المنظومات الصوفية، الموجه، بل هو المنتج الإيديولوجي والمؤطر السياسي".الصعوبة نفسها، يقول المحلل السياسي، تعترض الحديث عن السيناريوهات الممكنة أمام القيادات الجديدة للتنظيم، "يصعب التكهن والحسم في هذا الأمر. الأكيد أن الموقع المركزي للشيخ يطرح تحديات في ما يخص استمرارية الجماعة وأهم تحدي هو "مدى قدرة الجماعة على التخلص من النسق المشيخي لصالح صيغة التنظيم الحديث للقيادة، والانتقال من المشيخة إلى المأسسة، ومدى إمكانية تجاوز الشخصنة إلى المؤسسة". كل ذلك لا يرسم أفقا ورديا للجماعة، لذلك يسجل الرامي، "لا أتوقع أن تتجاوز الجماعة هذا الحدث بسهولة، بل يمكن أن يحدث تشظ في الجماعة كما حدث في مسار الشبيبة الإسلامية نتيجة مركزية القيادة، في شخص مطيع".التداول على السلطة شعار رفعته جماعة العدل والإحسان في شوارع الاحتجاج، لكن المفارقة أنها لم تجربه داخل هياكلها التنظيمية، "الحركة لم تجرب آليات وصياغة تداول السلطة، بل إنها تحرم الديمقراطية، ولم تراكم رصيدا في هذا الجانب، وهذا أكبر محك يهدد استمراريتها، قد تضمن ذلك على المدى القريب، لكن في المدى البعيد لن يحدث ذلك إلا بشروط".التطور أهم هذه الشروط، يقول الباحث في الحركات الإسلامية، ليضيف أن على الجماعة أن تغلب الجانب المؤسساتي والديمقراطي في الحركة، للحفاظ على استمراريتها وصيانتها، أما من الجانب الإيديولوجي، فيؤكد الرامي أن الحركة لا تستطيع أن تحافظ على الآصرة الإيديولوجية التي أنتجها الشيخ، "الواقع يتغير باستمرار وبإيقاع سريع، وبالتالي فالمنظومة الإيديولوجية للشيخ ستشكل عائقا كبيرا للتنظيم أمام مطلب الاستجابة إلى التطورات، وحركية الواقع سواء على المستوى الوطني أو المحيط العربي والإقليمي، وبالتالي فإن لم تستطع الجماعة التخلص من الإيديولوجية الغارقة في أغلال الغيبيات فمن المؤكد أنها ستنفجر". الطريق إلى بقاء الجماعة وعدم موتها بموت مرشدها تمر عبر التطور وتجاوز الانغلاق والاستغراق الإيديولوجي لصالح الواقعية السياسية والنزعة الواقعية، هذا ما يلح عليه الرامي، مضيفا أنه إذا تجاهلت الجماعة ذلك، فإن الواقع سيتجاوزها و"ستنفجر، وهذا لا يعني أنه لا يوجد داخل قواعدها اجتهادات وتوجهات خاصة وسط الشباب، لكن إذا لم يسلم التنظيم بالمرونة والحركية فهو يسير نحو الانقسامات والانشطارات".إذا أخذت الجماعة المحظورة كل ذلك بعين الاهتمام، فإن تحولها إلى حزب سياسي غير مستبعد، "يمكن أن تتخلص الجماعة من الاستغراق، وهذا سيجعلها منفتحة على الساحة السياسية، وهذا ما فعلته الحركات الإسلامية في العالم العربي التي تتصدر اليوم المشهد السياسي وتمارس الحكم، فالعدل والإحسان هي من الجماعات القوية تنظيميا والمتجذرة شعبيا، وبالتالي فمن الصعب أن تبقى بعيدةعن ممارسة العمل السياسي، في حين أن باقي الحركات الآن تختبر الحكم وتوسع نفوذها وتتلمس ممارسة السلطة، وتحقق إنجازات، ومن الصعب بقاء العدل والإحسان بعيدة عن هذا المربع بفعل النزوع الإيديولوجي المغلق".خلاصة القول عند الباحث والمتخصص في الحركات الإسلامية أن وفاة الشيخ ياسين تعني زوال العائق والحاجز دون تحقيق عملية انتقال من العقائدية إلى الواقعية، "اليوم بوفاة الشيخ أزيح هذا العائق فالعدل والإحسان مقبلة على عملية الانتقال من النسق المشيخي إلى النسق التنظيمي الحديث". ضحى زين الدين

رهان الجماعة بعد ياسين… من العقائدية إلى الواقعية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قوة الجماعة في المواجهة المباشرة

يـاســــيـــن... مســـار وطـــفــــــرات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات