مسرح البيضاء … المبني للمجهول

جاهز وينتظر افتتاحه في أكتوبر وفاعلون ثقافيون يتساءلون عن برمجته السنوية ونوعية جمهوره لا يزال البيضاويون ينتظرون الإفراج عن مسرحهم الكبير "كازا آرت"، الذي سيباهون به سكان المدن والعواصم العالمية الكبرى، والذي انطلقت الأشغال به قبل 5 سنوات ولم ير النور بعد. المسرح، الذي يقع في قلب ساحة محمد الخامس الشهيرة، محاطا بالعديد من المعالم العمرانية والهندسية الجميلة التي ورثتها العاصمة الاقتصادية عن فرنسا الاستعمارية، أريد له أن يكون صرحا يساهم في التنمية الثقافية للمدينة الغول، في ظل انعدام المسارح بها منذ هدم المسرح البلدي الأسطوري، قبل سنوات، لكن يبدو أن تحقيق الهدف ما زال بعيدا، في ظل العديد من الإكراهات التي يعرفها هذا المشروع الملكي الهام، والتي حاولت "الصباح" رصدها من خلال هذا "الزووم"، في ظل تغييب المعلومة من قبل المسؤولين والمشرفين عنه. إنجاز: نورا الفواري - تصوير: (عبد الحق خليفة) مرت سنتان تقريبا على التاريخ، الذي كان من المفترض أن يفتح فيه المسرح الكبير للبيضاء أبوابه في 2017، وما زال البيضاويون اليوم في انتظار افتتاح معلمتهم الثقافية الكبرى، التي حدد لها تاريخ آخر هو يونيو 2018، دون أن يتم الالتزام به بدوره، مع العلم أن دفتر التحملات حدد مدة إنجاز المشروع الملكي، الذي انطلقت أشغاله في 2014، في 36 شهرا (3 سنوات). وفي الوقت الذي كشفت البيضاء للتهيئة"، الشركة المنتدبة التي تشرف على إنجاز المشروع، عبر موقعها الرسمي على الأنترنت، أن الأشغال تقدمت بنسبة 97 في المائة، مشيرة إلى ترقب انتهائها في شتنبر الجاري، أكد مصدر مسؤول من داخل جماعة الدار البيضاء، التي موّلت المشروع ب180 مليون درهم، أن المسرح أصبح اليوم جاهزا بجميع مرافقه، ولا ينتظر سوى أن تسمح الأجندة الملكية بتحديد تاريخ لافتتاحه من قبل الملك محمد السادس، مرجحا أن يكون ذلك في أكتوبر المقبل. جاهز منذ 4 شهور مصدر آخر، على اطلاع جيد بما يجري وراء كواليس إنجاز المشروع، أكد بدوره، في لقاء مع "الصباح"، أن المسرح جاهز منذ أربعة أشهر تقريبا، لكن ليس وفق ما جاء في دفتر تحملاته، بما في ذلك "الباركينغ" الذي يتسع ل600 سيارة والمقاهي والمتاجر، إضافة إلى قاعات العروض التي من المفترض أن تسع آلاف المقاعد، وهو ما نفاه مصدر من "البيضاء للتهيئة"، رفض الكشف عن هويته، مضيفا أن البيضاويين سيكتشفون بأنفسهم، عما قريب، "الشكل الإبداعي الجميل" الذي خرجت به معلمتهم إلى الوجود، وهو السبب الذي أدى إلى تأخر الأشغال، لأن الهاجس الأكبر كان هو الجودة. ولامست "الصباح"، في جولة حول الموقع الذي يوجد بساحة محمد الخامس الشهيرة والأسطورية بالبيضاء، غياب المستخدمين في الورش رغم وجود آلات الاشتغال، التي ما زالت منتشرة في المكان، إلى جانب حراس الأمن الذين يمنعون كل من سولت له نفسه الاقتراب، من الدخول أو الاستفسار. من جهة أخرى، لم تتمكن "الصباح" من التحدث إلى مولاي رشيد ادريس، المدير العام لشركة البيضاء للتهيئة"، الذي ظل هاتفه يرن دون مجيب، كما أنه لم يجب عن رسائلنا الهاتفية القصيرة. عيوش والدبوز و"لاغاردير" وإذا كان موعد الافتتاح يشغل بال العديد من المسؤولين والمشرفين من قريب أو بعيد على هذا المشروع الذي أراده الملك صرحا ثقافيا مشعا، ليس فقط على الصعيد الوطني، بل الدولي أيضا، فإن العديد من الفاعلين الثقافيين والفنانين والمبدعين يطرحون السؤال حول الجدوى من افتتاحه إذا كان لا يتوفر على إدارة ولا برمجة سنوية، جديرة بالمسارح العالمية الكبرى. وفي الوقت الذي تداولت الأخبار اسم الكوميدي الفرنسي من أصل مغربي جمال الدبوز، ليتولى منصب مدير المسرح، وقبله رجل الأعمال والإشهار نور الدين عيوش، الذي تصدى له "البواجدة"، بحكم سيطرتهم على مجلس المدينة، وأبعدوه عن الإدارة، أكدت مصادر متطابقة، في لقاء مع "الصباح"، أن تدبير وإدارة المعلمة الثقافية الجديدة أوكل إلى المجموعة الفرنسية "لاغاردير"، التي ستتكلف أيضا بالجانب الخاص ببرمجة العروض والحفلات والورشات التكوينية، وغيرها من الأنشطة الثقافية الأخرى. لماذا "لاغاردير"؟ ووفق أي معايير تم اختيار هذه المجموعة الفرنسية؟، مع العلم أنه لم يسبق لها أن وضعت ملفها ضمن طلبات للعروض. يؤكد مصدر مطلع ل"الصباح"، في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، أن المجموعة الشهيرة لم تقدم ملفها ضمن طلبات عروض، بل تم التفاوض مع مسؤوليها من قبل المهدي قطبي، الفنان التشكيلي ورئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، الذي يرتبط بعلاقات صداقة مع شخصيات ثقافية وسياسية مهمة في فرنسا، بعد أن لم تسفر طلبات العروض التي تم إطلاقها، خلال السنوات الماضية، عن نتيجة مقنعة بالنسبة إلى المسؤولين. "المسرح ها هوا... البرنامج فينا هوا" وإذا كانت الأشغال اقتربت من نهايتها وأوشك المسرح على فتح أبوابه للعموم ووقع الاختيار على إدارته، يبقى السؤال الأهم الذي سيظل يطرح نفسه باستمرار هو: ماذا بعد؟ طرحنا السؤال على عادل السعداني، الفاعل الجمعوي والثقافي الذي خبر الكثير عن المشروع وكواليسه، بحكم مشاركة جمعيته "جذور" (التي تم حلها أخيرا)، في العديد من الأوراش المتعلقة به، فأجاب، في اتصال مع "الصباح": "الإشكالية الكبرى التي تعترض افتتاح المسرح الكبير للبيضاء، ليست هي انتهاء أشغاله، بل غياب رؤية مسبقة وبرمجة قبلية للعروض، وإلا، فلماذا سيفتح أبوابه إذا لم يتمكن من تقديم عروض في المستوى؟"، وأضاف "يجب أن يتوفر القائمون على شؤون هذا المسرح على خطة للتنشيط، فالمسارح التي تحترم نفسها، عبر العالم، تعد برمجة عامة تمتد لسنة على الأقل، حتى تمنح لنفسها الوقت والمساحة الزمنية الكافية للتواصل مع مختلف الفنانين والفرق المسرحية والتفاوض معهم حول الأسعار والتواريخ وأجندة العمل... إنها مهنة قائمة الذات تتطلب الكثير من العمل والجهد، لكن، للأسف، في المغرب، لا توجد لدينا لا رؤية مسبقة ولا هم يحزنون. خلاصة القول، إنها الأخطاء نفسها التي تتكرر دائما، وفي جميع المجالات". أرقــــام: - تبلغ ميزانية المشروع 140 مليار سنتيم. - يمتد على مساحة 24 ألف متر مربع. - يتوفر على قاعة للعروض الفنية تتسع ل 1800 مقعد. - به قاعة للعروض المسرحية تتسع لـ600 مقعد. - يضم قاعة للموسيقى الحديثة تتسع ل300 شخص. - يتوفر على باركينغ يتسع ل600 سيارة - مجهز بـ4 قاعات اجتماعات إضافة إلى المقاهي والمطاعم ومحلات بيع التحف الفنية. - انطلقت أشغاله في أكتوبر 2014. - كان من المنتظر افتتاحه في يونيو 2018. عن أي جمهور تتحدثون؟ سؤال الإقبال على المنتوج الثقافي يطرح نفسه بإلحاح أيضا. فأين هو الجمهور الذي من شأنه ملء آلاف المقاعد التي يتسع لها المسرح؟ وما هي نوعيته؟ وهل المغاربة يتمتعون بثقافة حضور المسارح و"الأوبرا" والعروض الفنية؟ بعض الفنانين المسرحيين الذين اتصلت بهم "الصباح"، ورفضوا الكشف عن هويتهم، تحدثوا، بنبرة تشاؤمية، عن "لا جدوى" هذا الفضاء الذي صرفت عليه الملايير، في ظل الفوضى الفنية المنتشرة اليوم وفساد الذوق، معتبرين أنه لا يعدو كونه مجرد "ديكور" لتأثيث الفضاء العام، ولنقول للعالم "تا حنا زعما راه عندنا المسرح". الرأي نفسه يشاركه السعدني، الذي قال، في الاتصال نفسه مع "الصباح"، إن البيضاء تتوفر على حوالي 14 مركزا ثقافيا والعشرات من دور الشباب ودور الثقافة التي يتم تدشينها، لكنها لا تشتغل بعد ذلك، لسبب بسيط، هو أن المدينة والبلد بأكمله لا يتوفر على سياسة ثقافية، إضافة إلى انعدام حرية التعبير، التي تشكل عائقا أمام أي انبعاث أو نهضة ثقافية. سياسة "تخراج العينين" وعودة إلى المسرح الكبير للبيضاء، تساءل السعداني عن الكيفية التي سيشتغل بها في غياب تقنيين ومهنيين مكوّنين. وقال "المغرب لا يتوفر على معاهد تكوينية تخرّج تقنيين في الصوت والإنارة وغيرها من المهن المتعلقة بالخشبة، وهو الجانب الذي أغفله المسؤولون عن هذا الصرح الثقافي الكبير، واكتفوا، كعادتهم بتخراج العينين وسياسة كور وعطي للعور". ورجح السعداني، أن يتحول المسرح إلى قاعة مؤتمرات كبيرة، تدر الربح، من خلال كراء قاعاتها للشركات والمقاولات الكبرى، مقابل مبالغ مالية محترمة، في حين يجب أن يدخل المشروع ضمن سياسة ثقافية للمدينة، الهدف من ورائها الترويج للفنون وتشغيل موسيقيين وفنانين وتقنيين... وأوضح، في اتصاله مع "الصباح"، "أي عرض يمكن أن تستقبله قاعة تتوفر على 1800 مقعد؟ خاص تجيب فيها نجوم شباك غاليين، والتذكرة والأسعار غا تكون تا هيا غالية بالضرورة. غا يجيو غير المرفحين وسيتم إقصاء الناس الدراوش والجمهور العادي". واعتبر الفاعل الثقافي والجمعوي، أن الميزانية التي خصصت للمسرح الكبير للبيضاء، والتي تناهز ميزانية أوركسترا باريس، لن تحقق الهدف المرجو من ورائها، وهو الإسهام في التنمية الثقافية للعاصمة الاقتصادية وجعلها عاصمة إفريقية للفنون والثقافة، وتشجيع الفن والتبادل الثقافي مع الفنانين والمبدعين القادمين من مختلف بلدان العالم من خلال تنظيم الإقامات والورشات. "بغينا نقولو راه المغرب عندو مسرح كبير وصافي... هذا ما كان"، يقول السعداني، مختصرا الكلام، داعيا إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة.

مسرح البيضاء … المبني للمجهول

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الطاقات المتجددة في خدمة إفريقيا

الدخول المدرسي ... الضيف الثقيل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات