زيارة البابا … الغرايب : حضور مسيحي

< تطرح زيارة البابا سؤال تعدد النسيج الديني بالمغرب. كيف تنظر إلى حضور المسيحية في تاريخ المغرب؟ < اعتبرت المسيحية مكونا دينيا في تاريخ المغرب الأقصى لاعتبارات من بينها الوجود الفعلي للديانة بالوسط الحضري آنذاك. وشكلت المدن قاعدة للاستقرار مقابل الترحال المعتمد من قبائل عدة، والاستقرار بحد ذاته فرض علاقة متعددة مع الجيران بالضفة الشمالية للبحر المتوسط، خاصة من كان بغالياوبيتيكا أو من كان بموريطانيا القيصرية ونوميدياو البروقنصلية. وارتبط التمدين في الفترة الأولى بالرومنة، وبعد ذلك أصبح ملازما لما تدين به السلطة السياسية في المدن التي تمحورت وحدتها الاجتماعية حول مكونها الإثني، المستمد قوته من التعدد الفكري الذي كان للمسيحية فيه الدور الرئيسي. فالحضور المسيحي نتيجة حتمية لتفاعل الإرث المشترك لمكون المدينة الاجتماعي، إذ اعتبر من المميزات الأساسية لبقاء المدن في الفترة السابقة على الإسلام، في حضن الكنيسة رغم انقسامها. إن المسيحية التي عرفتها بلاد «المغارب» اختلفت من حيث ولائها المرتبط بنوعية الإجابة عن المشاكل الطارئة بالمجتمع، وهو ما دفع بمسيحيي بلاد المغارب إلى تبني «مسيحية ثورية»، ممثلة في الدوناتية المناهضة للمسيحية الرسمية بروما، وأثر ذلك في ما بعد على بقائها مع بداية ظهور الإسلام في الجوار ببلاد بيزاكينا. < هل يمكن القول إن حضور المسيحية في المغرب تراجع مقارنة مع العصر الوسيط؟ < لا يمكن الحديث عن تراجع للمسيحية إلا بمعرفة أسبابها، خاصة أن الإسلام دخل المغرب الأقصى في فترة عانى فيها السكان عسف السلطة السياسية الرومانية المسيحية، ومعاملتها بتمييز مرتبط بالانتماء لروما أولا، وعدم وجود «مفهوم المواطنة» القادر على جعل الفرد في منأى عن جور الحكام ثانيا، وهذا ما عانته كل القبائل المشكلة للنسيج السكاني بالمغرب الأقصى. فوجود قبائل تدين بالمسيحية أو باليهودية أمر عاد، لأن الانتماء بالعقيدة للحاكم، هو ما يعطي القدرة على مقاومة الانمحاء. إن دخول الإسلام أرض «المغارب» في فترة الصراع الديني المسيحي جعل من الديانة الطارئة على السكان ملاذا ضد عسف الحكام والقساوسة، وهو ما أعطى زخما للقبائل البربرية لاعتناق ديانة مخلصيهم والدخول في صفوف جند يحاربون مضطهدهم. فدخول قبائل بعينها في دائرة المعتقد الديني الإسلامي قلص من عدد المسيحيين، إضافة إلى الحروب المتتالية «للدول» التي تعاقبت على حكم المغرب من عصر الولاة حتى ظهور الأدارسة. < ارتفع عدد المسيحيين مع انفتاح المغرب على إفريقيا. هل يمكن الحديث عن صحوة مسيحية لأقلية دينية نشيطة على غرار اليهودية؟ < المغرب بلد منفتح منذ القديم، ووجود مسيحيين أفارقة لا يمكن أن يشكل فارقا في الوضع، بل بالعكس، لأن العمق الثقافي للشعب المغربي متأصل في جذوره الإفريقية. إن مقارنة الوجود اليهودي بغيره من الديانات أمر لا يستقيم، لأن الديانة اليهودية صمدت أمام المد الإسلامي الكاسح فترة الفتوحات، واستطاعت التقوقع على نفسها، خالقة ملاذا لها في هذا الانزواء الذي استطاع أن يجنبها الانقراض. فالإقبال على الكنائس أمر عاد لمسيحي وجد تسامحا في ممارسة طقوس ديانته، وهذا لا يمكن اعتباره صحوة، لأن الصحوة هي نتيجة وجود خمود في المعتقد، وهو ما لا وجود له بين المغاربة رغم القول إن هناك من اعتنقها وهو أمر بعيد. *باحث في التاريخ الوسيط أجرى الحوار: برحو بوزياني

زيارة البابا … الغرايب : حضور مسيحي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وكلاء تسويق المشاريع العقارية ... "الفهلوة"

جون بنعبد الجليل ... راهب من حملة القرآن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات