الداخلية بين القانون والصالح العام

قرار توقيف مجلس جهة كلميم واد نون وضرورة البحث عن توافق بين الأغلبية والمعارضة بتاريخ 16 ماي 2018 أصدر وزير الداخلية قرارا، تحت رقم 1528.18، أسسه على الفقرتين الأولى والرابعة من المادة 77 من القانون التنظيمي رقم 114.14 ، المتعلق بالجهات، قضىى بموجبه بتوقيف مجلس جهة كلميم – واد نون وتعيين لجنة خاصة، لتصريف الأمور الجارية ، بصفة مؤقتة لمدة ستة (6) أشهر، يمكن، عند الاقتضاء، تمديدها للمدة نفسها، وذلك بناء على أن هذا المجلس قد رفض التصويت بالإيجاب عل جل النقط المدرجة بجدول أعمال الدورات العادية والاستثنائية، التي عقدها خلال سنة 2017 وكذا سنة 2018، وهو ما ترتب عنه بصفة خاصة اختلال واضطراب في السير العادي للمرافق والمصالح التابعة للمجلس وتأخر في انجاز المشاريع المبرمجة من لدنه، الأمر الذي اقتضى اتخاذ ذلك القرار، اعتبارا لحالة الاستعجال التي يتطلبها إنهاء هذه الوضعية، التي تعوق، حسب نص القرار ، السير العادي لمصالح الجهة ، والتي استمرت، بعد ذلك، حيث أصدر الوزير قرارا آخر، بتاريخ 16/11/2018، بتمديد الفترة المذكورة ، لمدة 6 أشهر أخرى، وفي ما يلي قراءة قانونية في الموضوع. القانون لا يسمح بقراءة القرار المذكور، والمواد 44 و67 و75 و76 و77 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ، يمكن الخروج بخلاصة، هي مجرد رأي قابل للمناقشة، مفادها أن هذا القانون لا يسمح بإتخاذ قرار بتوقيف المجلس، وبالتالي فإن هناك قصورا في النص، ولم تحل ضرورات المصلحة العامة، دون إتخاذ ذلك القرار . فالمادة 44 تنص على أنه : " لا يجوز للمجلس أو للجانه التداول إلا في النقط التي تدخل في نطاق صلاحياتهم والمدرجة في جدول الأعمال... "يتعرض والي الجهة على كل نقطة مدرجة في جدول الأعمال لا تدخل في اختصاصات الجهة أو صلاحيات المجلس، ويبلغ تعرضه معللا إلى رئيس مجلس الجهة داخل الأجل المشار إليه في المادة 42 أعلاه، وعند الاقتضاء يحيل الوالي تعرضه إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية للبت فيه داخل أجل 48 ساعة ابتداء من تاريخ التوصل به. " لايتداول مجلس الجهة، تحت طائلة البطلان، في النقط التي كانت موضوع تعرض تم تبليغه إلى رئيس المجلس من قبل والي الجهة وإحالته إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية ولم يتم بعد البت فيها. " كل إخلال بشكل متعمد بأحكام هذه المادة يوجب تطبيق الإجراءات التأديبية من عزل للأعضاء أو توقيف أو حل للمجلس المنصوص عليها، حسب الحالة، في المادتين 67 و76 من هذا القانون التنظيمي". واضح من نص هذه المادة أن ما يستتبع "عزل الأعضاء أو توقيف أو حل المجلس" هو كل إخلال بشكل متعمد بمقتضياتها ، أي التداول في النقط التي لا تدخل في نطاق صلاحيات المجلس أو لجانه، أو التي ليست مدرجة في جدول الأعمال. وواضح من المادة نفسها أن ما هو منصوص عليه في المادتين 67 و76 هو "الإجراءات التأديبية" ، التي هي عزل الأعضاء ، وتوقيف المجلس أو حله . أخلاقيات المرفق العام بالرجوع الى المادة 67 نجد أنها تنص على أنه : " إذا ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجهة ، غير رئيسها ، أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجهة ، قام والي الجهة عن طريق رئيس المجلس بمراسلة المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى عشرة (10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل. " إذا ارتكب رئيس المجلس أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، قامت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بمراسلته قصد الإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه، داخل أجل لا يتعدى عشرة (10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل. " يجوز للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أو لوالي الجهة، بعد التوصل بالإيضاحات الكتابية المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه، حسب الحالة، أو عند عدم الإدلاء بها بعد مضي الأجل المحدد، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية وذلك لطلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجهة أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس. "وتبت المحكمة في الطلب داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالإحالة. "وفي حالة الاستعجال، يمكن إحالة الأمر على القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية الذي يبت فيه داخل أجل 48 ساعة من تاريخ توصله بالطلب. "يترتب على إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية توقيف المعني بالأمر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل". واضح من النص المذكور أن المخالفة المعاقب عنها بعزل الرئيس أو أحد أعضاء مجلس الجهة ، هي ارتكاب أفعال مخالفة للقانون والانظمة الجاري بها العمل ، وينبغي فتح قوس هنا لملاحظة أن المشرع قد اشترط في هذه الأفعال أن تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجهة ، عندما يرتكبها العضو ، ولَم يشترط ذلك عندما يرتكبها الرئيس ، ورغم كون غاية المشرع واضحة ، وهي إشتراط الإضرار بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجهة ، في الحالين معا ، فقد كان مستحسنا أن تنص الفقرة الثانية على أنه " إذا ارتكب رئيس المجلس أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجهة ..."وبعد إغلاق القوس المذكور، يلاحظ ، من جهة ، أن "التوقيف" عن ممارسة المهام ، المشار اليه في المادة 67 ، يخص العضو أو الرئيس كأشخاص طبيعيين ، ولا يخص مجلس الجهة (المطبقة بشأنه المادة 76) وأنه يطبق بصفة آلية بعد إحالة الأمر على القضاء الاداري ، فِي انتظار بته في طلب العزل ، من جهة أخرى. عقوبة الحل أما المادة 76، فتنص على أنه " إذا رفض المجلس القيام بالأعمال المنوطة به بمقتضى أحكام هذا القانون التنظيمي والقوانين والأنظمة الجاري بها العمل أو رفض التداول واتخاذ المقرر المتعلق بالميزانية أو بتدبير المرافق العمومية التابعة للجهة، أو إذا وقع اختلال في سير مجلس الجهة ، من شأنه تهديد سيرها الطبيعي، تعين على الرئيس أن يتقدم بطلب إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، عن طريق والي الجهة، لتوجيه إعذار إلى المجلس للقيام بالمتعين، وإذا رفض المجلس القيام بذلك، أو إذا استمر الاختلال بعد مرور شهر ابتداء من تاريخ توجيه الإعذار، أمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إحالة الأمر على المحكمة الإدارية من أجل حل المجلس طبقا لمقتضيات المادة 75 أعلاه ". واضح من هذا النص أن الجزاء الوحيد المنصوص عليه في المقتضى القانوني المذكور ، بعد سلوك الإجراءات المبينة فيه ، حسب ترتيبها ، هو حل المجلس ، الذي تنطق به المحكمة الإدارية ، وخلافا لما نصت عليه المادة 67 من إمكانية "توقيف" عضو المجلس أورئيسه أونوابه عن ممارسة مهامهم الى حين البت في طلب العزل ، فقد سكتت المادة 76 عن توقيف المجلس ؛ لذلك، فإن" الإجراءات التأديبية من عزل للأعضاء أو توقيف أو حل للمجلس المنصوص عليها، حسب الحالة، في المادتين 67 و76 من القانون التنظيمي " ، لا تتعدى ، من جهة ، حدود طلب عزل عضو مجلس الجهة أو رئيسه ، وتوقيفه عن ممارسة مهامه، في انتظار البت في هذا الطلب، ولا تتعدى، من جهة أخرى، طلب حل المجلس ، لكن دون إمكانية توقيفه عن ممارسة مهامه. وترتيبا على ذلك ، فإن المادة 44 تكون قد نصت على " توقيف المجلس"، وأحالت على المادتين 67 و76 ، لكن دون أن يكون لنصها هذا أي صدى فيهما، أي أن هاتين المادتين لم تنصا على" توقيف المجلس" كجزاء ذي طبيعة تأديبية أصلية أو تحفظية. سؤال ليس له جواب أما المادة 77 ، التي صدر في إطارها القرار المتخذ من طرف السيد وزير الداخلية ، فتنص على أنه : " إذا وقع توقيف أوحل مجلس الجهة أو إذا استقال نصف عدد أعضائه المزاولين مهامهم على الأقل، أو إذا تعذر انتخاب أعضاء المجلس لأي سبب من الأسباب، وجب تعيين لجنة خاصة بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وذلك داخل أجل أقصاه خمسة عشر(15) يوما الموالية لتاريخ حصول إحدى الحالات المشار إليها " ؛ بما معناه أن حالات "توقيف المجلس أوحله أو إستقالة نصف أعضائه أو تعذر إنتخاب هؤلاء الأعضاء لأي سبب"، تكون قد حصلت ، وأمام ثبوت وقوعها ، يتم تعيين اللجنة التي يرأسها الوالي ، الذي يمارس بهذه الصفة الصلاحيات المخولة لرئيس مجلس الجهة، والسؤال الذي ليس له جواب في القانون التنظيمي هو متى يتم توقيف المجلس وكيف يتم ذلك ؟ وبعبارة أخرى فإن نص المادة 77 على أنه "إذا وقع توقيف ... مجلس الجهة" يطرح السؤال المنطقي "متى؟ ، لأن التوقيف لم يأت الا في سياق"إذا" الشرطية ، لبيان الجواب ، الذي هو وجوب تعيين اللجنة، وبالتالي تكون هذه المادة قد عالجت فقط الوضعية الناتجة عن الحل أو التوقيف. وإذا كان السيد وزير الداخلية قد جعل من مبررات قراره "أن مجلس جهة كلميم واد نون رفض التصويت بالإيجاب على جل النقط المدرجة بجدول الأعمال ... و" أنه قد ترتب على هذه الوضعية ، بصفة خاصة ، اختلال واضطراب في السير العادي للمرافق ..."، فالملاحظ أن عبارة"رفض التصويت" وكلمة "الإختلال"، مأخوذتان من نص المادة 76 من القانون التنظيمي ، المبين فيما يلي : " إذا رفض المجلس القيام بالأعمال المنوطة به بمقتضى أحكام هذا القانون التنظيمي والقوانين والأنظمة الجاري بها العمل أو رفض التداول واتخاذ المقرر المتعلق بالميزانية أو بتدبير المرافق العمومية التابعة للجهة، أو إذا وقع اختلال في سير مجلس الجهة من شأنه تهديد سيرها الطبيعي، تعين على الرئيس أن يتقدم بطلب إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، عن طريق والي الجهة، لتوجيه إعذار إلى المجلس للقيام بالمتعين، وإذا رفض المجلس القيام بذلك، أو إذا استمر الاختلال بعد مرور شهر ابتداء من تاريخ توجيه الاعذار، أمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية من أجل حل المجلس طبقا لمقتضيات المادة 75 أعلاه". لذلك، فإن الوزير قد أخذ بمبررات المادة 76 ، التي لا تشير إلى التوقيف، وطبق المادة 77، التي لا تشير بدورها إلى التوقيف، إلا كإجراء سبق اتخاذه، كما تم بيان ذلك أعلاه . الإحالة على المحكمة الإدارية إن وضعية "التوقف" (Blocage) التي كان يوجد فيها المجلس، والنقص الواضح في القانون التنظيمي وغموضه ، وما تقتضيه المصلحة العامة ، وضمان استمرار المرفق العام، كلها كانت وراء إتخاذ السيد الوزير لقراره بالتوقيف، ولو خارج إطار القانون، الأمر الذي يقتضي التعجيل بالبحث عن توافق بين أغلبية المجلس ومعارضته، لإيجاد مخرج لهذه الوضعية، والا فإن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية قد تضطر الى تطبيق المادة 75 من القانون التنظيمي، بإحالة الأمر على المحكمة الإدارية، لحل المجلس، لأن "مصالح الجهة مهددة، لأسباب تمس بحسن سيره"، وهو الأمر الذي له تبعاته الإنتخابية، من جهة ، وما كان ينبغي تكريسه، من جهة أخرى، لأن الجهوية المتقدمة، كهدف من أهداف تحديث الدولة ، في إطار مبادئ الديمقراطية واللامركزية، تعتبر خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه، ثم إن جهة كلميم واد نون بها من الكفاءات البشرية، ذات المستوى العالي ، ما يمكنها من تجاوز الوضعية المشار اليها. وفي الختام ، يلاحظ أن المادة 75 الناصة على ما يلي : " إذا كانت مصالح الجهة ، مهددة لأسباب تمس بحسن سير مجلس الجهة، جاز للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية من أجل حل المجلس"، موضوعة في غير محلها ، إذ كان ينبغي أن تأتي بعد المادة 76، لأنها تتضمن أحكاما عامة تشمل الحالات المنصوص عليها في هذه الأخيرة ، وهي " رفض المجلس القيام بالأعمال المنوطة به أورفض التداول واتخاذ المقرر المتعلق بالميزانية أو بتدبير المرافق العمومية التابعة للجهة، أو وقوع اختلال في سير مجلس الجهة، من شأنه تهديد سيرها الطبيعي"، وهذا كل من شأنه أن يجعل " مصالح الجهة، مهددة لأسباب تمس بحسن سير مجلس الجهة ". ولتلافي حالة الفراغ التشريعي ، الذي لا يسمح في الوضع الحالي بإمكانية توقيف المجلس ، نقترح إضافة مادة الى القانون التنظيمي ، قد تكون هي المادة 77 مكرر، هذا نصها : "يترتب على إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية ، لطلب حل المجلس ، في الأحوال المشار اليها في المادتين 75 ( 76 الحالية) و76 (75 الحالية ، بعد إعادة ترتيبها) توقيف مجلس الجهة ، المعني بالأمر، عن ممارسة مهامه ، إلى حين البت في طلب الحل" ، وإعادة صياغة المادة 77 على النحو الذي ينسجم مع هذا التعديل ، وفي ذلك حل للوضعية التي خلقتها المادة 76 بنصها على أنه "... تعين على الرئيس أن يتقدم بطلب إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، عن طريق والي الجهة، لتوجيه إعذار إلى المجلس للقيام بالمتعين، وإذا رفض المجلس القيام بذلك، أو إذا استمر الاختلال بعد مرور شهر ابتداء من تاريخ توجيه الإعذار، أمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية من أجل حل المجلس" ، إذ أن الرئيس قد لا يتقدم بذلك الطلب لتوجيه الإعذار حتى يرفض المجلس القيام بالمتعين، والإمكانية المخولة للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية لطلب الحل ، منطلق أجلها هو هذا الإعذار، فهذه التراتبية المسطرية ، قد تجعل ، في بعض الأحيان ، تطبيق المادة 76 مستعصيا ، ولا يبقى أمام وزارة الداخلية إلا النص العام ( المادة 75 ) ، وهذه المقترحات ، قد تنطبق، عند الاقتضاء ، حتى على القوانين التنظيمية المتعلقة بباقي الجماعات الترابية. طيب محمد عمر * محام بهيأة البيضاء

الداخلية بين القانون والصالح العام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لمستثمر اتهم الدرك بالرشوة

أب يقتل ابنه المخمور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات