مالي…الطوارق يتمردون

حركة تحرير أزواد تطالب بالاعتراف والمجتمع الدولي يتخوف من الإرهاب في سادس أبريل الجاري، أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد قيام دولة للطوارق شمال مالي، في ظل فوضى أمنية أعقبت قيام انقلاب عسكري على السلطة في باماكو. إعلان قيام دولة للطوارق جاء ليتوج تمردا عسكريا عمره ما يقارب نصف القرن، ويفتح جدلا جديدا في البلد والمنطقة حول التأثير المحتمل لهذه الحركات الانفصالية التي أخذت في الظهور في الصحراء الإفريقية الكبرى. قبيل بضعة أسابيع من انتهاء ولايته الرئاسية، أطاح أمانو سانوغو بالرئيس تومانو توري في انقلاب عسكري. أحد الأسباب التي أعلنها سانوغو حول قيادته للانقلاب العسكري، عدم حزم السلطة في التعامل مع مشكل الطوارق شمال البلاد، وهو السبب نفسه الذي دفع قبل سنوات توري إلى القيام بالأمر نفسه ضد موسى تراوري، قبل أن يسلم السلطة إلى المدنيين. سانوغو أشار بدوره إلى نيته تسليم السلطة قريبا إلى البرلمان، بعد النكسات التي واجهها الجيش المالي أمام متمردي انفصاليي الطوارق.مالي...انقلاب وانفصال رغم الانقلاب العسكري والفوضى الأمنية التي عرفتها مالي خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإن إعلان الطوارق إقامة دولة لهم شمال البلاد لم يكن ليمر دون حصد اهتمام العالم، الذي لم يلتفت يوما إلى المنطقة بالاهتمام الكافي. إعلان قيام الدولة الجديدة، أثار القلق وسط الدول المجاورة من امتداد النزعة الانفصالية إليها أيضا، خصوصا بالنسبة إلى طوارق الجزائر وليبيا، بينما عبرت دول غربية عن مخاوفها من تنامي نفوذ القاعدة في المنطقة.أقل من ثلاثة أشهر من العمليات العسكرية هو كل ما استغرقته حركة "أزواد" لإعلان تأسيس دولتها المستقلة. انطلقت العمليات في 17 يناير الماضي، وتمكنت الحركة من إعلان سيطرتها على ثلاث ولايات خلال مدة قصيرة، في الوقت الذي اثرت فيه قوات باماكو، نهج سياسة الانسحاب كتكتيك استراتيجي فرضه الوهن الذي تعانيه السلطة المركزية المنشغلة بأوضاع سياسية مضطربة، والتي اعتبرت كل ما يحدث في المناطق الشمالية من الإقليم سيناريو من كتابة تنظيم القاعدة بمساندة فلول المقاتلين القادمين من ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، من أجل زعزعة استقرار مالي الموحدة. أزواد...أرض الطوارقعلى أرض تعادل مساحتها ضعفي مساحة فرنسا بالإضافة إلى بلجيكا، أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد قيام دولتها، في منطقة شاسعة بقلب الصحراء الإفريقية الكبرى، لطالما كان نظام الحكم فيها قبليا، كما أغلب المناطق الإفريقية، مع خصوصية فرضتها طبيعة سكانها المتنوعين عرقيا، ونظام العيش المطبوع بالترحال. ويتشكل المجتمع الأزوادي من قبائل عربية شمالا وغربا، وأخرى طوارقية شرقا، بالإضافة إلى نسبة من الفلان والسونغاي جنوب الإقليم، لطالما تعايشوا في نظام اجتماعي شبه موحد، يبرز فيه التأثير الكبير للدين الإسلامي.تشكل مالي أكبر محتضن لشعب الطوارق، الذين يقارب عددهم خمسة ملايين نسمة، حوالي 80 منهم يرتكزون في إقليم أزواد، والباقي في مناطق أخرى من صحراء الجزائر وليبيا ومناطق من النيجر. حافظ شعب الطوارق على خصوصيته الأمازيغية من لغة وثقافة وهوية، بالإضافة إلى احتضانه قبائل عربية مغربية وأندلسية اندمجت بشكل متجانس في مكوناته التي جمعتها معها الإقامة في أرض الصحراء الواسعة، وصل هذا الاندماج إلى حد تبني بعض العرب اللغة الأمازيغية وحرب التيفيناغ، وأحيانا أخرى كانت تثار مشاكل ومواجهات بين القبائل من الشعبين، دون أن تتطور إلى صراع حقيقي.وبعد قرون من الحكم القبلي للطوارق، والتبعية أحيانا إلى مملكة سونغاي أو الحكم المركزي للسلاطين المغاربة بموجب عقود بيعة، ذاق الطوارق لأول مرة الاستعمار الأجنبي على يد الفرنسيين، الذين سعوا إلى إخضاع قبائل الطوارق المقاومة والعصية، فتشكلت جماعات مقاومة ذات مرجعيات دينية بشكل أساسي. وبعد اندحار الاحتلال، اتحد الطوارق مع القبائل" السودانية" لتأسيس جمهورية السودان، التي حملت لاحقا اسم "مالي"، لكن هذه الدولة الحديثة سرعان ما ستعرف ظهور نزعات انفصالية من طرف الطوارق في الشمال، بدعوى التهميش، أسفرت عن قيام حركة ثورية سنتين بعد الاستقلال، سرعان ما خمدت بعد تدخل الدول المجاورة. وظلت شرارة هذه الحركات التمردية تشتعل بين الفينة والأخرى وتدخل في صراعات مع السلطة المركزية بباماكو، التي كانت تحاول السيطرة عليها. محاولات السيطرة وإخماد النزعات التمردية لطالما كانت تنجح، خصوصا بتدخل الدول المجاورة لدى قادة الحركات الانفصالية، إلا أن تأزم الأوضاع الأمنية والسياسية مع المحاولة الانقلابية الأخيرة في باماكو، وانشغال السلطة المركزية الجديدة بالمساعي الهادفة إلى نيل الاعتراف الدولي، والتغيرات الأخيرة الحاصلة في الصحراء الإفريقية الكبرى، ساهم في التعجيل بإعلان الطوارق قيام دولتهم المستقلة، رغم المعارضة الأجنبية.أزواد...بؤرة جديدة للإرهاب؟مع سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وسيطرة الثوار الليبيين على مدينة طرابلس، كثر الحديث عن إمكانية أن يفتح هذا الانتصار الباب أمام تغلغل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في ليبيا وفي منطقة الصحراء الإفريقية بشكل عام، خصوصا مع توالي عمليات الاختطاف بالمنطقة.هذه المخاوف التي تنامت في المنطقة وفي الدول الغربية، وعبرت عنها الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية، قللت من شأنها فرنسا، إذ أكد وزير دفاعها، جيرار لونغيه حينها أن فرنسا بصدد تحديد التدابير التي ستتخذ لوقف انتشار السلاح، مشددا على اعتماد بلده على دور دول الجوار، خصوصا النيجر وموريتانيا ومالي، التي ترفض أن تتحول إلى رهائن في أيدي الإرهابيين. ورغم ذلك، فإن التخوفات قد تجد ما يفسرها في انتشار السلاح، وإمكانية وصول عناصر القاعدة إلى مخازن الأسلحة الليبية، التي قد تغير طريقة تحرك عناصر القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي ظلت عملياتها محصورة في اختطافات متفرقة، وبعض العمليات التفجيرية.وتزامن إعلان الحركة الوطنية لتحرير أزواد قيام دولة للطوارق شمال مالي مع اختطاف ديبلوماسيين جزائريين من طرف جماعة التوحيد والجهاد، الأمر الذي جعل المجتمع الدولي يبدي تخوفه من أن تصبح المنطقة بؤرة جديدة للإرهاب، خصوصا أن عملية الاختطاف ليست هي الأولى من نوعها التي تتم في منطقة الصحراء الإفريقية الكبرى، هذه المنطقة التي لطالما ظلت بعيدة عن سيطرة قوى الأمن النظامي.وطالبت جماعة التوحيد والجهاد الإرهابية الجزائر بالإفراج عن 40 عنصرا من عناصرها في الجزائر مقابل الإفراج عن الجزائريين، المحتجزين من طرف عناصر مسلحة من الطوارق مقربين من جماعة أنصار الدين الإسلامية وهو المطلب الذي رفضته السلطات الجزائرية، مجددة دعمها لوحدة مالي ورفضها ما اعتبرته تدخلات أجنبية.وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبي، من جانبه، أكد أن أنصار الدين على علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، مضيفا أن زعيم المجموعة تربطه علاقات وثيقة مع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وأضاف جوبيه "لا بد من رد إقليمي على الخطر الإسلامي الذي يمتد من ليبيا إلى نيجيريا، من خلال تعاون يضم الجزائر وموريتانيا ومجموعة دول غرب إفريقيا، بدعم من فرنسا والاتحاد الأوربي".وأكدت الحركة الوطنية لتحرير أزواد على لسان رئيسها إياد أغ علي، أن لا علاقة للحركة بالقاعدة، وأضاف في تصريح لمجلة "جون أفريك"، "لسنا مهربي مخدرات ولاعصابات، بالنسبة إلينا هي ظواهر تمس بأمن إقليمنا...لماذا في البلدان المجاورة مثل موريتانيا والنيجر ليست لهاته الجماعات مكانة؟ هذه البلدان ليست غنية ولا تملك إمكانيات عسكرية أكبر من مالي، لكن هؤلاء الناس يحظون بمساعدة أشخاص يملكون نفوذا، ونقول للمجتمع الدولي امنحونا استقلالنا وسترون... ستكون نهاية القاعدة واختطافات الغربيين وتهريب المخدرات في مالي".هذا ما يقوله أغ علي، لكن الوقائع على الأرض قد توحي بغير ذلك. فقوات جماعة "أنصار الدين" كانت أول من أعلن السيطرة على مدينة تمبكتو شمال مالي، وتخوض منذئذ حربا من أجل فرض الشريعة، والتصدي للنظام باماكو والاستقلاليين الطوارق، إلى حين تطبيقهما للشريعة. أما حاليا، فعناصرها منكبون على ترسيم حدود ولاية تمبكتو الإسلامية التي يسيطرون عليها، إلى جانب شن حملة ضد المخالفات الدينية، أسفرت أخيرا عن اعتقال أزيد من عشرين شخصا بدعوى مخالفة تعاليم الدين. إعداد: صفاء النوينو

مالي…الطوارق يتمردون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

20 فبراير تطالب برحيل شركة "سوناداك"

الإسلاميون في الحكم... بدايات التغير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات