صرخة ضد الرعي الجائر

توجه نحو تدويل القضية بعد عجز الحكومة عن حل المشكل أمام تصاعد حدة انتهاكات الرعاة الرحل في حق سكان عدة قبائل في مناطق جهة سوس ماسة، ونظرا لتنامي وتكرار حالات الاعتداءات التي يتعرض لها الأمازيغ، واستباحة أراضيهم الزراعية من قبل مجموعة من الرعاة الرحل، توافد عدد كبير من المواطنين من قبائل مختلفة بمنطقة سوس ماسة الجمعة الماضي على الرباط، ونظموا وقفة احتجاجية طالبوا فيها الحكومة والسلطات المسؤولة بالتحرك العاجل لحمايتهم من بطش عصابات إجرامية منتظمة تحت مسميات "الرعاة الرحل". إنجاز : محمد بها رفع المشاركون في الوقفة الاحتجاجية، شعارات تندد بالهجومات التي تتعرض لها ممتلكاتهم من قبل الرعاة الرحل، مطالبين الدولة برفع الضرر عنهم وتوفير الحماية لهم، باعتبارهم مواطنين يتمتعون بكامل شروط المواطنة عوض القيام بموقف المتفرج والإبقاء على سياسة الصمت تجاه القضية التي يتناحر فيها الأمازيغ مع الرعاة القادمين من الصحراء، معتبرين صمت الدولة والجهات المسؤولة يثير أكثر من علامة استفهام ويوحي بأن هناك سياسة مقصودة قوامها العنصرية لاستهداف الأمازيغ في ثرواتهم وحياتهم التي يكفلها القانون والدستور والأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وصدحت حناجر سكان وجمعيات المجتمع المدني بمناطق سوس والمتضامنين معهم من كافة المناطق الأمازيغية في الوقفة الاحتجاجية بشعارات تستنكر الموقف الرسمي للحكومة "هذا عار هذا عار، سوس في خطر"، "لا لإفساد ونهب أملاك سكان سوس ماسة من قبل الرعاة الرحل". واتهمت جمعيات المجتمع المدني المدافعة عن الشأن الأمازيغي وكذا عن ملف سكان سوس ضحايا انتهاكات الرعاة الرحل، السلطات المحلية والوطنية بالتقاعس عن حمايتهم من الهجمات التخريبية التي ينفذها الرعاة الرحل، خاصة في ظل تماطل الدولة عن وضع حد للرعي الجائر الذي يخالف القانون ويعتبر تعديا واضحا وسطوا على ممتلكات الناس. الرعاة والسيبة تشهد منطقة أزغار أمسليتن بإدوسكا أوفلا أجواء مكهربة منذ أشهر، عقب تجدد الاعتداءات التي تطول سكان المنطقة على أيدي الرعاة الرحل، أسفرت عن جرح أحد سكان المنطقة، عقب تعرضه لهجوم بالحجارة، أدى إلى إصابته في الرأس والكتف والمرفق. ويأتي الاعتداء على الرجل بعد أن كان يهم بالدخول في حوار مع الرعاة الرحل، قبل أن يتفاجأ برد فعل عنيف من لدنهم، في منطقة تيمغاط التابعة لدائرة إغرم بإقليم تارودانت، حسب ما رواه في مقطع فيديو، حيث قال "أنا غير جيت مع الناس، ما هزيت لا حجرة ما ضربت حد". وأصدر سكان المنطقة بيانا تنديديا ضمنوه شكاية إلى الجهات المسؤولة، يطالبون فيها بتوفير الحماية من "جُور الرعاة الرحل الذين يطلقون العنان لقُطعان الإبل والأغنام والحمير التي تتلف أراضي السكان ومزارعهم وتستهلك بكثافة المياه التي يستعملونها للشرب"، مناشدين الجهات المسؤولة بتوفير الحماية لهم من "بطش الرعاة الرحل". احتجاز وتعرية تعيش مناطق جهة سوس ماسة منذ سنوات على وقع سيطرة الرعاة الرحل، إلا أنه خلال الشهور الماضية ازدادت حالات الاعتداءات التي يستهدف فيها الرعاة ممتلكات السكان المحليين، بل نتج عن الرعي الجائر تجرؤ مجموعة من الرعاة على الانتظام في شكل عصابات إجرامية والاعتداء على الرافضين لممارساتهم غير القانونية، ولعل ما شهدته نواحي تارودانت قبل أسابيع، حين عمد رعاة رحل إلى تعنيف مواطنين بمنطقة إدوسكا أوفلا، وتجريدهم من ملابسهم واحتجازهم وتوثيق الاعتداء والاحتجاز في مقطع فيديو خير دليل على أن الوضع يعرف تسيبا خطيرا. سنوات الصمت قال إبراهيم لشكر، رئيس جمعية نكني دواركان أيت علي من أجل التنمية المندمجة، إن سكان العالم القروي بجهة سوس ماسة يعيشون على وقع المعاناة مع الرعي الجائر، معتبرا أنه على مدى سنوات طويلة وجه السكان نداءات متكررة ونظموا وقفات احتجاجية لدق ناقوس الخطر إلا أن السلطة المحلية والإقليمية والجهوية والمركزية لم تحرك ساكنا. وأضاف الفاعل الجمعوي، وعضو تنسيقية سكان جهة سوس ماسة المتضررة من الرعي الجائر، في تصريح ل"الصباح"، أن هناك عددا من القضايا التي تعج بها محاكم المملكة وتخص ملف الرعي الجائر وتداعياته، كما أن سكان جهة سوس ماسة سئموا من مناشدة السلطة للتحرك من أجل إنصافهم إلا أنهم يقابلون بصمت مريب من المسؤولين. تحركات الجمعيات قبل قرار الأمازيغ الالتقاء في الرباط لتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان ضد الرعي الجائر وانتهاكات الرحل، نظمت جمعيات المجتمع المدني التابعة لجماعة تومليلين بإيدوسكا أوفلا، قيادة أيت عبد الله بإقليم تارودانت، قبل أشهر بتمارة، لقاء تواصليا حول موضوع الرعي الجائر والرعاة الرحل. وأعلن خلال اللقاء أن هذه الجمعيات تجد نفسها مضطرة بعد دراسة جميع النقط الواردة في جدول أعمال اللقاء واستنفاد كل الجهود والمحاولات السلمية الرامية إلى الحد من أضرار الرعي الجائر، ومن الاعتداءات الجسدية المتكررة للرعاة الرحل على سكان منطقة إيدوسكا أوفلا التي تضم 29 دوارا بإقليم تارودانت، وعلى ممتلكاتهم، مضطرة إلى التحرك للتصدي لممارسات الرعاة. ناقوس الخطر شدد رئيس جمعية نكني دواركان أيت علي من أجل التنمية المندمجة، على أن تحركات جمعيات المجتمع المدني ومختلف العائلات الأمازيغية تأتي لتنبيه السلطة بما يجري من انتهاكات، من أجل تدارك صمتها، قبل اضطرار سكان سوس ماسة للقيام بسلوكات لا يمكن لأي كان السيطرة عليها، مضيفا "أهل سوس ليسوا جبناء وإنما يحترمون القانون ومؤدبون ويحرصون على مراعاة قيمة الدولة وسمعتها خارج المملكة لكن رغم ذلك فإن الرعاة الرحل تمادوا في طغيانهم واستهدفوا الأراضي ومجاري السقي ومياههم التي يشربون منها وتعتبر موردهم الوحيد إضافة إلى الاعتداءات المعنوية والجسدية". بعيدا عن السياسة نفى إبراهيم لشكر، عضو تنسيقية سكان جهة سوس ماسة المتضررة من الرعي الجائر، أن تكون لتحركات الأمازيغ أي علاقة بموقف سياسي أو ديني أو عرقي وإنما هي خطوات من أجل دق ناقوس الخطر ورفع تظلماتهم للدولة لإنصافهم من جبروت الرعاة الرحل. تواطؤ السلطة اتهم إبراهيم لشكر، رئيس جمعية نكني دواركان أيت علي من أجل التنمية المندمجة، السلطة ب "التواطؤ بشكل مباشر مع الرعاة الرحل، معتبرا أنها تنهج سياسة الكيل بمكيالين، وهو ما يتمثل في إنصاف الرعاة الرحل في حين عدم الاكتراث لتظلمات سكان المنطقة الأمازيغ"، مضيفا "أكبر مثال على ذلك قضية لحسن الغدايش الذي تعرض لاعتداء همجي من قبل أحد الرعاة الرحل إذ تسبب له في وفاة، ورغم إيقاف الجاني إلا أن السكان تفاجؤوا بالإفراج عنه بعد سبعة أشهر من الاعتقال، إذ تم الحكم بالإفراج عنه لأن ذوي الضحية لا يتوفرون على شهود للواقعة، رغم اعترافات الراعي أمام الضابطة القضائية بتعنيفه للرجل المسن". وأضاف المتحدث نفسه أنه رغم تلك المشاكل التي تسبب فيها الرعاة الرحل، إلا أن سكان سوس ماسة قرروا طي الصفحة على أمل وضع حد للخلاف بامتثال الرحل للقانون وعدم التهجم على أراضي وممتلكات الناس واستهدافهم في أمنهم وسلامتهم الشخصية، إلا أن الأمازيغ تفاجؤوا بتجدد الهجمات والأكثر من ذلك تطوير الرعاة الرحل لأساليب جرائمهم في حق السكان. عصيد: سندول القضية لإنصافنا الناشط الحقوقي قال إنه إذا لم تتحرك الدولة فسيضطر سكان سوس للدفاع عن أنفسهم قال أحمد عصيد، الفاعل الجمعوي والناشط الحقوقي، إن الأمازيع سيقومون في رد فعلهم على صمت الدولة عن الاعتداءات الوحشية للرعاة الرحل على سكان مناطق سوس ماسة، بتدويل القضية لدى لجنة حقوق الإنسان بجنيف. وأضاف عصيد في حوار مع "الصباح"، أن قرار سكان سوس ماسة تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان لرفع تظلماتهم بشأن معاناتهم من تجاوزات الرعاة الرحل، جاء بعد ست سنوات من الأوضاع المزرية التي عاشوها بسب الهجمات التخريبية الخطيرة للرعاة الرحل. في ما يلي تفاصيل الحوار: < لماذا قررتم تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان ضد الرعي الجائر؟ < جاء هذا التحرك بعد ست سنوات من الأوضاع المزرية التي عاشها سكان سوس سواء من القاطنين في الجبال أو السهول بسبب الهجمات التخريبية الخطيرة للرعاة الرحل الذين توافدوا على المناطق الأمازيغية تحت ما يسمى بـ"الرعي الجائر"، وهو الرعي الذي يخالف القانون ولا يحترم الناس وممتلكاتهم. فالرعاة يمتصون المياه كاملة ويتركون سكان الدواوير ومواشيهم تحت رحمة العطش طيلة السنة، ويقومون بهذا الرعي الجائر بالترامي على المزروعات ويهلكونها، بل الأخطر من ذلك تجرؤهم على استهداف كل من هب للدفاع عن أراضيه ومواجهته بوحشية، إلى درجة أن بعض الرحل قاموا باحتجاز عدد من السكان وتقييدهم، قبل تعريتهم وتصويرهم بالفيديو، في وضعية مهينة وحاطة بالكرامة، لا لشيء إلا لأنهم قرروا عدم الصمت على تجاوزات الرعي الجائر. ولا ننسى أيضا تهجم الرعاة على النساء والأطفال والمسنين في عدد من المناطق، وكان هناك أيضا اقتحام لعدد من البيوت سكانها مهاجرون، إذ تم كسر الأقفال والدخول عنوة وضد القانون لاحتلال بيت سكانه غير موجودين. ومن العوامل التي دفعتنا لتنظيم هذه الوقفة الاحتجاجية وكذا قرارنا الانتفاض ضد هذه الاعتداءات الوحشية للرعاة الرحل، موقف المسؤولين من هذه الانتهاكات الخطيرة، فعلى مدى ست سنوات اتصل السكان بالسلطات المحلية ولاشيء يحدث لصالحهم، بمعنى لم تتدخل السلطات لإنصاف المتضررين وإنقاذ ممتلكاتهم، وهو ما أدى إلى طغيان الرعي الجائر وتزايد الجور والعنف الممارسين على سكان مناطق سوس، وهو ما نتج عنه نفاد صبر المتضررين، الذين قرروا تنظيم وقفة احتجاجية وخوض مجموعة من الأشكال النضالية الأخرى لإسماع صرخاتهم. < ما هي مطالبكم التي رفعتموها في الوقفة الاحتجاجية؟ < طالبنا في الوقفة الاحتجاجية المنظمة أمام البرلمان الدولة إما بالتدخل العاجل، أو أن السكان سيقومون بالإجراءات اللازمة لحماية أنفسهم بأنفسهم من بطش وجبروت الرعاة الرحل، خاصة وأن هناك عددا من العائلات الأمازيغية التي قررت الانتقال من المدن إلى البوادي والقرى من أجل الدفاع عن أفرادها وممتلكاتهم، وهذا سيؤدي بدون شك إلى تصادمات خطيرة، والمسؤول الأول عن تداعياتها سيكون هو السلطات التي لم تعبأ لهذا المشكل المتكرر منذ ست سنوات. وأذكر هناك نموذجا لمواطن لقي حتفه، بعد أن استهدفه الرعاة الرحل، لكن الغريب هو أن القاتل لم تتم إدانته على جريمته النكراء بل هو حر طليق، وهذا شيء خطير، علما أن أحد سكان سوس قتل أحد الرعاة دفاعا عن حياته وأرضه وممتلكاته، فأدين بالسجن النافذ، وهنا يظهر الميز الخطير في التعامل مع القضية. الوقفة الاحتجاجية أمام البرلمان تضم عددا كبيرا من التنسيقيات التي تمثل مختلف مناطق جهة سوس ماسة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: مناطق إدوسكا وإسندال وأيت علي وشتوكة أيت باها ومناطق أيت عبد الله وايداوزكري وتيمغاطت من أجل التنديد بالأوضاع الخطيرة التي يعيشونها تحت رحمة الرعاة الرحل والتنديد بصمت الحكومة على الانتهاكات المرتبطة بالرعي الجائر. < هل سبق لكم أن التقيتم بمسؤولي الحكومة؟ < نعم التقيت بعزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وأطلعته على خطورة الأمر، وتحدث لي عن أن هناك قانونا تمت المصادقة عليه وسيصبح ساري المفعول مع بداية السنة المقبلة، لكن المشكل الذي يؤرق سكان سوس ماسة هو الهاجس الأمني، ففي انتظار تطبيق القانون الجديد هناك أوضاع أمنية خطيرة، قوامها التسيب ولابد من تداركها، إذ على السلطات المحلية والمصالح الأمنية القيام بدورها لحماية الناس في حياتهم وكرامتهم وصون حقوقهم المشروعة. < في حال عدم التجاوب مع صرختكم أمام البرلمان هل ستكون هناك خطوات تصعيدية لإسماع صوتكم؟ < هدفنا من الاحتجاج أمام البرلمان تنبيه المسؤولين لخطورة القضية، واستقبال المتضررين والاستماع إليهم، خاصة من قبل رئيس الحكومة لأنه لم يعد مقبولا أن تظل آذانها صماء، وإذا لم يتم الاكتراث برسائل الوقفة وعدم استدعاء الضحايا والاستماع إليهم والبحث معهم عن حلول جذرية لمشاكلهم، فإن سكان جهة سوس ماسة سيضطرون إلى تنظيم أنفسهم للدفاع عن أراضيهم وأسرهم، بمعنى أنه سيكون هناك إنزال من المدن في اتجاه البادية لطرد الرعاة الرحل بالعنف المادي المباشر، لأن سلطة الدولة غائبة، وعندما تتقاعس الدولة عن حماية مواطنيها فإنه عليهم القيام بذلك بأنفسهم. < هناك بعض الفعاليات الأمازيغية التي تدعو لتدويل القضية هل صحيح ذلك؟ < نعم. تدويل قضية معاناة الأمازيغ على يد الرعاة الرحل أمر وارد جدا، وقد قمنا بطرح هذه المبادرة في آخر اجتماع عقدناه، إذ اتفقنا على ضرورة تدويل القضية لدى لجنة حقوق الإنسان بجنيف، لأن السكان بدؤوا يعتبرون أن هناك نية لدى الدولة لتهجير سكان الأطلس الصغير وسوس لاستغلال تلك المناطق في مشاريع المناجم أو لتفويتها من أجل أنشطة أخرى. وهذا التوجس لدى السكان يأتي نتيجة الموقف الغريب للدولة المتمثل في صمت السلطات عما يجري في المنطقة، كما أن سكان سوس ماسة يعتبرون أن نية الدولة إطلاق الخنزير البري وترك الرعاة الرحل وتعامل المسؤولين باستخفاف مع شكايات وتظلمات السكان، يكشف نية مبيتة للتهجير من مناطقهم، وهو ما يجعلهم يسعون لتدويل القضية، في ظل عدم مبالاة السلطة بما يجري.

صرخة ضد الرعي الجائر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الجاهلية" و"لعزيزة" في مهرجان القاهرة

"آموري" جديد زيادة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات