الإفتاء… فوضى وشرود وتحريض

الإمعان في إصدار الفتاوى العشوائية خروج عن الشرع ومساهمة في إشاعة الفتنة بين الناس تنطبق مقولة «جيب أفم وقول» كثيرا على مجال الإفتاء بالمغرب الذي تحول إلى مهنة يركبها الجميع دون علم أو دراية بالقواعد الشرعية والمذهبية والفقهية المؤسسة لفضاء يرتبط بالدين في مجتمع محافظ ينصت إلى الفقهاء والعلماء والأئمة أكثر مما ينصت لصوت العقل والعلم، وبالتالي سيكون من الخطورة بما كان ترك هذا المجال سائبا مطلوقا على عواهن الكلام و»هرد الناب» مع قراء الجرائد ومستمعي الإذاعات الوطنية، ورواد المساجد دون تفعيل حقيقي لمقتضيات إصلاح الحقل الديني الذي خص الإفتاء بهيأة خاصة.قبل أيام، خلق عبد الباري الزمزمي حالة فوضى في المغرب وخارجه، بسبب تصريحات صحافية أفتى فيها بجواز استعمال المرأة حبات الجزر والموز وبعض الأواني المنزلية مثل «يد المهراز» تلبية لنداء شهوة جنسية مع كثير من التقية والبحث عن العفة. وقال الزمزمي، مدافعا، عن رأيه بشدة، إن ذلك لا يخالف الشرع في شيء، ما دامت صاحبته تبحث عن حميمية خاصة دون اللجوء إلى الزنا المحرم خارج مؤسسة الزواج.فتوى أرعبت كثيرا من المغاربة الذين هالتهم أخبار إلقاء القبض على شاب يتحدر من سيدي عثمان بالدار البيضاء تتهمه النيابة العامة بالاتجار في وسائل وأدوات اصطناعية للتهييج الجنسي مستوردة من الخارج، قبل أن يستيقظوا على تصريحات الشيخ تجيز استعمال هذه الأدوات، ما دام الأمر يبعد صاحبه عن الزنا، بل أفتى بجواز استعمال وسائل أخرى اختار أن تكون طبيعية وبيئية دون أعراض جانبية من أنواع من الخضروات وأدوات منزلية.وكان طبيعيا أن تشعل تصريحات الزمزمي، كعادتها، حربا كلامية بين مؤدين ومعارضين على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية، استدعت تدخل شيخ من شيوخ السلفية (أبو حفص) الذي عاب عليه خوضه في مسائل هامشية، كما أنبه قريبه الأمين بوخبزة، القيادي بالعدالة والتنمية، وقال عنه إنه من الأشخاص الذين يتبعون منطق «خالف تعرف».والحقيقة أن فوضى الإفتاء ليست وليدة زمان عبد الباري الزمزمي من الدار البيضاء أو عبد الله نهاري من وجدة أو المغراوي من مراكش، بل تسبق كل هؤلاء وغيرهم وتعود، بالأساس، إلى طبيعة بنية التفكير والوعي لدى عدد كبير من المغاربة الذين يلوذون إلى هذا النوع من «الكلام» للتنفيس عن عقد ومشاكل تنغص عليهم حياتهم ويحتاجون، في بعض الأحيان، إلى مجرد قشة صغيرة يستنجدون بها من الغرق، فيكون لهم شيوخ الإفتاء بالمرصاد.وقد انتبه المجلس العلمي الأعلى إلى خطورة هذا الأمر، ودأب على تنظيم عدد من الندوات حول الفتاوى بين الضوابط الشرعية والتحديات المعاصرة، باعتقاد أن ارتباط الفتوى بالواقع ومعاصرتها لزمانها ومكانها يقتضي تحيينا مواكبا واجتهادا مضطردا في فقه تنزيل الأحكام الشرعية، بما يضمن توجيه حياة المجتمع وتأطير حركته ضمن ثوابت الشرع.وبالنسبة إلى علماء المجلس من الضروري أن تستوعب الفتوى الأولويات في علاقتها بالواقع والمتغيرات أثناء التنزيل وبعده، واضطلاعها بمهمة الملائمة مع قضايا الشأن العام الكبرى في علاقتها بالاجتهاد، مع التنبيه إلى مخاطر الإفتاء العام من خلال المنابر الإعلامية، الذي لا يراعي خصوصيات في الأعمال والأعراف والبلدان المختلفة.ويعلق الباحث سعيد لكحل على فوضى الفتاوى في المغرب بمؤامرة ضد أبنائه هدفها زوع بذور الفتنة في ما بينهم، كما يقع عادة كلما حلت مناسبة الاحتفالات بأعياد السنة الميلادية، إذ تكثر فتاوى التكفير والتحريم من كل حدب وصوب. ويخلص لكحل إلى أن استمرار الأمر على هذا الشكل من شأنه أن يكرس عددا من الإشارات السلبية، منها: - إنها تخرج عن أمر الملك بصفته الدستورية أميرا للمؤمنين ورئيس المجلس العلمي الأعلى . وسبق للملك، في خطاب افتتاح الدورة الأولى لأعمال المجلس العلمي الأعلى يوم 08 يوليوز 2005 أن جعل الفتوى من مهام إمارة المؤمنين، منعا لحالة التسيب والفوضى التي تسبب فيها الخارجون عن المذهب. والفتاوى التي تعم المساجد، أو تلك التي تروجها وسائل الإعلام فيها اعتداء على هيأة الإفتاء وخروج عن ولي الأمر وإخلال بالجهود المبذولة لتنظيم الحقل الديني. الأمر الذي يشجع على الفتنة والتطاول على المؤسسات الدستورية.- العمل على إفشال جهود الملك والدولة في هيكلة الحقل الديني وتنظيمه وتطهيره من دعاة الفتنة والمتاجرين بالدين. الأمر الذي يضيق على التيارات المذهبية مجال الحركة، ما يدفعها إلى التشويش على إستراتيجية الدولة والسعي إلى إفراغها من كل مضمون.- السعي إلى نشر الفتنة بين أبناء الشعب المغربي وتمزيقهم إلى شيع ومذاهب متباغضة بهدف زعزعة الاستقرار وحجز جهود التنمية والبناء التي يقودها الملك وكل القوى الحية. الإفـتــاء... مـجـال مضـبـوط على المستوى التنظيمي، يوضح النظام الداخلي للهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء، خاصة المواد ( 16و 17و18و 19 ) الطريقة التي تتم من خلالها الإجابة على طلبات الإفتاء، فالهيأة العلمية تتلقى طلبات الإفتاء التي تختص بالنظر فيها، إما من أمير المؤمنين رئيس المجلس العلمي الأعلى، وإما عن طريق الكاتب العام للمجلس. وفي هذه الحالة الأخيرة، يتعين على الكاتب العام أن يعرض كل طلب إفتاء توصل به على المجلس العلمي الأعلى للموافقة على إحالته على الهيأة المذكورة.وبدوره يحيل مجلس الهيأة طلبات الإفتاء، التي تلقاها، على اللجان العلمية المتخصصة التي يقرر تشكيلها، وتقوم كل لجنة بدراسة طلبات الإفتاء المحالة عليها، بتنسيق مع شعب البحث والدراسة، وتنجز في ضوء ذلك تقارير علمية موثقة بخصوص كل نازلة أو قضية، ويذيل كل قرار علمي باستنتاجات اللجان المتعلقة بالنازلة أو القضية المعينة، ثم تعرض التقارير المنجزة على مجلس الهيأة لمناقشتها والمصادقة عليها.ويصدر مجلس الهيأة العلمية الفتاوى بناء على تقارير اللجان العلمية المتخصصة، المصادق عليها في شكل قرارات منفصلة تصاغ بعبارات واضحة وميسرة ومختصرة وتتضمن، بصفة خاصة، الإشارة إلى موضوع الفتوى وحيثياتها وسندها الشرعي ومنطوقها، ويوقعها أعضاء الهيأة العلمية، وتكون هذه القرارات مرقمة ومؤرخة. ويتم إبلاغ باقي أعضاء المجلس العلمي الأعلى بالقرارات المتضمنة للفتاوى الصادرة عن الهيأة العلمية قبل نشرها للعموم. يوسف الساكت

الإفتاء… فوضى وشرود وتحريض

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الزمزمي...شيخ الـ "عذر أقبح من الزلة"

علم الفتوى يعرف اضطرابا لا حدود له

مقالات ذات صلة