الحكومة تقدمت بمشروع لتجريمه وفرق برلمانية من الأغلبية والمعارضة اتحدت لإسقاطه لا تقدم المديرية العامة للضرائب معطيات مدققة حول ما يكلفه الغش والتملص الضريبيان لخزينة الدولة. لكن هناك مؤشرات تعكس حجم الخسائر التي تتسبب فيهما هاته الممارسات، إذ تتضمن التقارير السنوية التي تصدرها المديرية حول نشاطها معطيات حول المبالغ التي يتم تحصيلها إثر مراجعة حسابات وتصاريح بعض الملزمين. وتمكنت فرق المراقبة بمختلف مديريات الضرائب من استرجاع 12 مليار درهم، (1200 مليار سنتيم) من عمليات مراقبة ميدانية وأخرى همت الوثائق، إذ استخلصت 670 مليارا من المراقبة الميدانية للشركات، في حين تم تحصيل 540 مليارا عن طريق التسوية والشؤون القانونية ومساطر التحصيل. لكن يرى عدد من الاقتصاديين أن المبالغ المحصلة تظل أقل بكثير من حجم المبالغ التي تخسرها خزينة الدولة بفعل الغش والتهرب الضريبيين، وذلك بالنظر إلى حجم القطاع غير المهيكل والنشاطات الاقتصادية غير المرئية والمحصية من قبل إدارة الضرائب. وأشار بنك المغرب، في تقريره السنوي الأخير، إلى أن الاقتصاد غير المرئي يمثل حوالي 33 % من الناتج الداخلي الإجمالي، أي ما يناهز 380 مليار درهم. وهكذا لو افترضنا أن مصالح مديرية الضرائب تمكنت من تحصيل 10 % فقط من المبلغ على شكل ضرائب، فإن المبلغ المحصل سيصل إلى 38 مليار درهم، وإذا أضيفت إلى ذلك المبالغ التي تمكنت إدارة الضرائب من تحصيلها، خلال السنة الماضية، بعد مراقبة حسابات بعض الشركات المحدودة، والتي ناهزت 12 مليار درهم، حسب تقرير المديرية العامة للضرائب، فإن الغش والتهرب الضريبيين يحرمان خزينة الدولة من 40 مليار درهم، أي 4 آلاف مليار سنتيم، علما أن المراقبة تهم شركات محدودة، بالنظر إلى قلة المراقبين الذين تتوفر عليهم المصالح الضريبية. ويتوفر ممارسو الغش الضريبي على لوبي قوي يمكنهم من التصدي لأي تشريع يروم تشديد العقوبات عليهم. واتضح ذلك، خلال مناقشة مقتضيات مشروع قانون المالية للسنة الماضية، إذ تقدمت الحكومة بمقتضى في المادة الثامنة من مشروع قانون المالية يقضي بإقرار عقوبات حبسية على ممارسي الغش الضريبي، لكن فرقا من الأغلبية والمعارضة اتحدت لتقديم مقترحات تقضي بإلغاء الإجراء الذي تضمنته المادة 8 من مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، التي تقر عقوبات حبسية على ممارسي الغش الضريبي، إذ تضمن الصيغة الأولية للمشروع تعديلا على المادة 192 من المدونة العامة للضرائب، يقضي بإقرار عقوبات حبسية على مجموعة من الممارسات التي تدخل في خانة الغش الضريبي، وذلك لأول مرة يتم فيها ضبط حالة الغش. وتضمن التعديل عقوبة حبسية تتراوح بين شهر و سنتين حبسا نافذا، في حق الأشخاص الذين يضبطون في حالة غش ضريبي، إضافة إلى غرامة 50 ألف درهم، في حين أن العقوبة، المعمول بها آنذاك، تتراوح بين 5 آلاف درهم و50 ألفا، ولا يتعرض الشخص المعني لعقوبة الحبس إلا في حال العود داخل أجل 5 سنوات. وحدد المشروع مجموعة من الممارسات التي تخضع صاحبها لهذه العقوبة، من قبيل تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية، أو البيع بدون فاتورات بصفة متكررة أو تسليم أو تقديم فاتورات مزيفة أو صورية، أو إخفاء أثمنة البيع. لكن فرقا من الأغلبية والمعارضة اتحدت لإسقاط هذه التعديلات، تحت مجموعة من التبريرات، التي تتلخص كلها في أن القرار من شأنه أن يؤثر على الاستثمار، إذ يمكن، حسب نواب الأمة، أن تكون هناك تجاوزات في تطبيق هذا النص. لكن، بالمقابل، نجد أن تشريعات مختلف البلدان تجرم الغش الضريبي، وتواجهه بعقوبات مشددة، ولا يؤثر ذلك على الاستثمار والمبادرة الخاصة، وعلى رأس هذه البلدان الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر قائدة ورمز الليبرالية الاقتصادية والسياسية في العالم، ما يجعل التبريرات المقدمة من قبل النواب غير مقنعة. ع . ك