تجارتهم موسمية زادتها الأزمة الاقتصادية تدهورا المكان قيسارية بودراع للحلي الذهبية، الزمان هو زوال أول أمس (الخميس). شهرة القيسارية تكاد تطبق آفاق العاصمة الاقتصادية، لكن الحركة تكاد تنعدم في قيسارية بودراع 1. حيث تتجمع المحلات الصغيرة، المرتبة المحتوى والمعروض بعناية فائقة لا تضاهيها إلا دقة الرسومات المنقوشة على الخواتم والأٌقراط والأساور والدمالج والعقود مرت ربع ساعة تقريبا ونحن نتبادل أطراف الحديث مع عزيز العشعاش، وهو تاجر ذهب بقيسارية بودراع، في محل صغير، على غرار باقي محلات القيسارية، ومازال لم يدلف إلى محله أي زبون. «إنه الفترة التي نمر فيها بأكبر ركود على طول السنة»، يقول عشعاش، وهو شاب في أواسط الثلاثينات تقريبا من عمره. ثم يضيف أن تجارة الحلي التي تتخذ طابعا ربحيا في فصل الصيف، لا تلبث أن تنقلب إلى نشاط معيشي محض في باقي فصول السنة، «بالكاد نتدبر مصاريف الكراء والمعيشة ومصاريف فواتير الماء والكهرباء...»، يوضح عشعاش بحسرة لا تخطئها الأذن. يحدثنا هذا الشاب عن تجارة الذهب في السوق المغربي والفئات التي تقبل عليها وأنواع الذهب، إذ يخبرنا أن ذلك يتم التمييز فيه بين الذهب الذي يباع للغرام، وبين النوع الثاني الذي يباع بالموديل، وهذا النوع الأخير غالبا ما كان مرتبطا بفترة زمنية محددة تنتهي بعدها صلاحية «مُودَته»، ويشرح أن النوع الأول يتراوح ثمنه بين 370 و500 درهما، ثم يؤكد أن هذا الثمن يتضاعف في فصل الصيف، مرجعا ذلك إلى تزامن هذا الفترة من العام مع إحياء الكثير من حفلات الخطوبة والزيجات، وهي المناسبات التي عُرف المغاربة بالإقبال فيها على الحلي والمجوهرات، إذ تدخل ضمن عدة الهدايا التي على الخطيب أن يتوجه بها إلى بيت حرمه. ركود تجارة المعدن الأصفر يكشف عشعاش في الشروحات التي قدمها إلى «الصباح» أن التراجع والركود الذي يعيشه صغار تجار المعدن الأصفر النفيس، يرجع بشكل أساسي إلى ارتفاع ثمنه في السوق العالمية، ثم إلى الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المغرب على غرار الكثير من البلدان الأخرى، موضحا أن عددا من الأسر المتوسطة، التي كانت بدورها تساهم تنشيط دورة تجارة الذهب، ولو حتى عن طريق اقتناء قطع حلي صغيرة أو متوسطة القيمة والحجم، صار اقتناء الذهب بالنسبة إليها ترفا مكلفا. ثم يتساءل «كيف يمكن لرب أسرة يتقاضى أجرا لا يصل في الأحسن الأحوال إلى 7 آلاف درهم أن يقوى على اقتناء هدية من ذهب لزوجته أو ابنته أو قريبة له؟». ما كاد عشعاش ينهي حديثه عن تأثير أسعار السوق الدولية على التجار الصغار حتى ولجت محله امرأة تحمل في يدها علبة كرتونية صغيرة سلمتها له قائلة «عقلتي عليا؟»، ليجيبها «الله يا ودي». «الأقراط التي اشتريتها من محلك لابنتي الصغيرة صارت تسبب لها أوجاعا كثيرا في أذينها، فهل بإمكانك أن تغيرها لي بموديل آخر»، يقبل عشعاش طلبها برحابة صدر، لكنه يستمهلها مدة أسبوع حتى «تدخل موديلات جديدة». وما أن تنسحب حتى يشرح لنا أن مثل هذه المشاهد هي الروتين الذي يعيش على وقعه الكثير من التجار الصغار في هذه الفترة من العام، التي تستمر من شهر شتنبر وإلى مستهل شهر ماي، والذي يوافق بداية فصل الصيف في الثقافة المغربية. ويقول إن غالبية النساء المغربيات يستثمرن هذه الفترة التي تشهد فيها أسعار الذهب ارتفاعا صاروخيا لتصريف ما كن يدخرنه من هذا المعدن النفيس وذلك لتخفيف حدة الأزمة المالية التي يعاني منها الكثيرون. وهي الأزمة التي جعلت نشاط التجار الصغار بقيسارية بودراع يتراجع بنسبة «تصل إلى 60 في المائة»، وفق تقديرات عشعاش. وفي محاولة لتناسي هذا الركود، يعود بنا هذا «الذهايبي» إلى المعروضات من الحلي المختلفة الأشكال والأحجام التي يزخر بها محله، ليرينا الأنواع التي تقبل عليها النساء بكثرة والتي تتمثل في الدمالج، التي تباع للغرام، والحلي الرقيقة التي تمثل الشغف الكبير للشابات في حدود سن 24 سنة. إذ يؤكد أن الحلي التي تقبل عليها هاته الفئة العمرية تمتاز بكونها تباع في الغالب بأسعار في المتناول، تبدأ من 400 درهم وقد تصل إلى 800 درهم على حسب الموديل. ويكشف أن هذه الفئة هي التي تنشط حركة تجارة الذهب في هذا الفصل البارد والمتسم بركود كبير، في انتظار أن يحل فصل الصيف الذي تنشط أعراسه تجارة المعدن البراق والنفيس. م . ر