نهاية السياسة أم أزمة نخب؟

مجموعة الحداثة والحريات تسائل الاشتراكيين عن أسباب تراجع الشغف بالسياسة طرحت مجموعة الحداثة والحريات سؤال "نهاية السياسة" للنقاش، واستدعت إلى ذلك ثلاث قادة من أحزاب اشتراكية، اثنان منها في الحكومة، والثالث في المعارضة، إلى جانب باحثين في العلوم السياسية. انطلقت أرضية الندوة بتسجيل حالة من خيبة الأمل، بعد سبع سنوات من اعتماد دستور 2011، وتنزيل مجموعة من القوانين الهادفة إلى تخليق وإعادة ترتيب وهيكلة الحقل السياسي، مؤكدة أن الشعور بالخيبة بات يتقوى بفعل غياب تدابير ملموسة، وتغيير الممارسات، الهادفة إلى بناء ديمقراطية حقيقية تقوم على الفصل بين السلطات. وحاولت الأرضية تأطير ما أسمته "نهاية السياسة" من خلال استعراض عدد من المظاهر التي توحي بالاتجاه نحو تشويه السمعة ونزع المصداقية عن العمل السياسي، من قبيل عزل الوزراء، والمتابعة القضائية لأزيد من مائة منتخب محلي، عبر تراب المملكة، بتهم تتعلق بانعدام الكفاءة وإساءة استخدام المنصب وسوء إدارة موارد الدولة. إعداد: برحو بوزياني - تصوير (عبد الحق خليفة) ملين: مركزية الملكية في الانتقال انطلق الباحث نبيل ملين، المتخصص في العلوم السياسية من سؤال الانتقال الديمقراطي، ليؤكد أن المغرب أخطأ التاريخ مع الحداثة، منذ القرن التاسع عشر، إلى بداية القرن العشرين، حين بدأ الحديث عن الإصلاحات السياسية، من قبل رجال الحركة الوطنية، على عهد محمد الخامس، ليصبح خطاب الانتقال سنة 1958 رافعة لشرعية النظام السياسي. وأوضح ملين أن النظام كان يلجأ، كلما اشتدت الأزمة إلى سياسة الانفتاح والتنفيس، مذكرا في هذا الصدد بالمرحلة التي أعقبت المحاولتين الانقلابيتين، وبعدها في مرحلة ثانية، بعد انهيار جدار برلين، في حين أن الموجة الثالثة من الانتقال، كانت بعد حراك 20 فبراير. وأوضح ملين أن المؤسسة الملكية لها دور مركزي في عملية الانتقال، في حين تلعب باقي المؤسسات السياسية، مثل الأحزاب دور المساعد في تقليص حالة الضغط. وأكد الباحث في العلوم السياسية أن النخبة الحزبية فشلت في اقتحام المجال القروي ، وظلت ظاهرة حضرية، لتنتقل، مع مرور الوقت والتجارب الانتخابية، إلى "دكاكين" انتخابية، ببروفايلات برلمانيين متشابهة. وقال إن العهد الجديد حاول تجديد بروفايل النخب السياسية، عبر إقحام رجال الأعمال في العمل السياسي، موضحا أن المغرب عرف مع ذلك تغيرات في الحقل السياسي، من خلال نمو الوعي السياسي وبروز مفهوم المواطن، عوض الرعية، وتنامي ممارسة الاختلاف والتنوع، ليخلص إلى ما أسماه انبثاق طبقة وسطى بين الأعيان والمواطنين، ترغب في تغيير أعمق. ولم يفت الباحث في العلوم السياسية الوقوف عند دلالات المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، مؤكدا أن من بين 15 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية، لا يتجاوز عدد المصوتين ستة ملايين، ومليون ورقة ملغاة، أي أكثر من أصوات العدالة والتنمية. وخلص الباحث في ردوده إلى أن هناك اختلالات في العلاقة بين القوى الفاعلة في الحقل السياسي، خاصة بين الملكية وباقي الفاعلين، مؤكدا على ضرورة إصلاح مركز السلطة، مقترحا البداية من النموذج التنموي، وإعادة بناء الملكية عبر توضيح مجالها، وتوضيح صلاحياتها، والانتقال إلى التقنين، وتجاوز المسكوت عنه. بلافريج: الملكية البرلمانية الإطار الأنسب انطلق عمر بلافريج، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، من الحديث عن مفهوم الملكية البرلمانية، التي تميز أدبيات حزبه، مؤكدا أن المغرب يتطور، لكن لم يصل بعد إلى الديمقراطية. وأوضح بلافريج في حديث عن تجربة الانتقال الديمقراطي بالمغرب، أن الملكية البرلمانية تبقى الإطار السياسي المناسب الضامن للاستقرار، باعتبار أنه يجمع بين الملكية والديمقراطية، مشيرا إلى أنها الوسيلة المثلى لتحقيق التنمية. وأكد بلافريج أن الديمقراطية صيرورة معقدة وطويلة الأمد، لكن تبقى الوسيلة للانتقال بالمغرب من وضعيته الحالية إلى التطور المنشود وتحقيق المصلحة المشتركة. وتوقف برلماني الاشتراكي الموحد عند تجربة الانتخابات التشريعية، ليؤكد أن تصويت ستة ملايين من أصل 15 مليون مسجل يسائل الجميع اليوم. وأكد القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد، أنه يسعى إلى ممارسة سياسة القرب أكثر، مقدما تجربته في مجلس الرباط، حيث سجل أن المنتخبين لم يناقشوا مشروع "الرباط عاصمة الأنوار"، والذي تبلغ تكلفته تسعة ملايير درهم، بل إنهم يرفضون مناقشته، بمبرر أنه "نزل من فوق"، متهما النخب السياسية والمنتخبين بعدم امتلاك الجرأة والشجاعة السياسية، لمساءلة مشاريع وبرامج، بسبب أنها وقعت أمام أنظار الملك. حجي: تدمير ممنهج للأحزاب أكدت وفاء حجي، القيادية في الاتحاد الاشتراكي، سلوك النخب، وخطابها المتشابه، وهو الأمر الذي ساهم في نفور المواطنين من العمل الحزبي، مؤكدة أن النخب اليوم تفتقر للجرأة، مقارنة مع نخبة السبعينات، التي كانت أكثر جرأة رغم سنوات الرصاص، لتخلص إلى أن المغرب مازال بعيدا عن الديمقراطية. وقالت حجي إن المغرب لم يدخل بعد مرحلة الديمقراطية، مشيرة إلى أن تجربة الانتقال الديمقراطي تطرح العديد من الأسئلة، مشيرة إلى التحكم في نتائج الانتخابات في السبعينات، والتحرر النسبي خلال ثمانينات القرن الماضي، وهي الوضعية التي فسرتها بعدم تحمل الفاعلين السياسيين لمسؤولياتهم، وممارسة "السياسة السياسوية" في الكواليس والصالونات. وأكدت أن العديد من الفاعلين السياسيين اليوم لا يملكون استقلالية القرار، وينتظرون التعليمات من فوق، مشيرة إلى تجربتها مستشارة في جماعة أكدال، حيث كانت تتعرض إلى التهديد، داعية إلى إعادة الاعتبار إلى العمل السياسي واستعادة ثقة المواطن، من خلال توضيح المرجعيات وإزالة اللبس الذي يثيره تشابه البرامج. وقالت رئيسة الأممية الاشتراكية للنساء إنه لا يمكن الاستمرار بحكومات تضم جميع المرجعيات، من قبيل حكومة العثماني التي تضم اليوم ستة أحزاب بمرجعيات مختلفة. وقالت رئيسة الأممية الاشتراكية للنساء، إن تدمير الأحزاب أصبح ممنهجا، في محاولة للتسويق من جديد لعودة التقنقراط، وهو اختيار جربه المغرب، ولم تعط نتائجه سوى السكتة القلبية، ولا يجب العودة إلى تلك التجربة، مؤكدة أن أن المرحلة تتطلب إعادة بناء الحركة السياسية، واستعادة النخبة المثقفة لدورها، بعد أن استقالت واختارت الصمت. ولم تخف القيادية الاتحادية وجود أزمة وشعبوية في المؤسسات الحزبية، واختيار قيادات لا تناسب التطور، وتلبي حاجيات الشباب، لتخلص إلى أنه "هناك شغف بالسياسة، لكن العرض السياسي غير موجود". سهيل: النقد الذاتي لاستعادة المبادرة تصدى عبد الواحد سهيل، القيادي في التقدم والاشتراكية لأطروحة نهاية السياسة، والتي تعني نهاية التعايش وإمكانية الحل المشترك، مؤكدا أن التاريخ السياسي الحديث للمغرب، يؤكد أن الصراع منذ السنوات الأولى للاستقلال، كان حول طبيعة الحكم بالمغرب، مشيرا إلى تجربة حكومة عبدالله إبراهيم، والتطورات اللاحقة، والتي اتسمت بصراع المركز والهامش في النظام السياسي. وتوقف سهيل عند تجربة الدساتير التي عرفها المغرب، وسلوك السلطة السياسية من خلال عملية ضبط الفاعلين السياسيين، من خلال التحكم في مختلف الوسائط من إعلام وقنوات عمومية، وإدارة الانتخابات، مشيرا إلى أن المواطنين يقاطعون الانتخابات لأن القرار يتخذ في جهة أخرى، وأكد سهيل أن رئيس الحكومة لا يمارس كامل صلاحياته، وليست له سلطة على العمال والولاة، مستغربا كيف تم فرض تحالف على رئيس حكومة، بعد أن ظل يرفض بعض الأحزاب، مؤكدا أن النظام الوحيد لتحقيق التقدم والتنمية هو الديمقراطية. وقال سهيل إن الأحزاب مليئة بالكفاءات والتقنقراط، مؤكدا أن دور السياسي هو الانكباب على مشاكل المواطنين، من خلال عمل المؤسسات، مقدما قي ذلك أمثلة بملفات الحسيمة وجرادة، ومناقشة الشأن العام بشجاعة وموضوعية، عوض التركيز على الصراعات الشخصية. ودافع سهيل عن الحق في الحلم، واستعادة الأمل في بناء اليسار، مشيرا إلى أن القوى الديمقراطية واليسار مطالبون بممارسة النقد الذاتي، واستعادة المبادرة، لأن الفراغ هو الخطر الذي يتهدد البلاد.

نهاية السياسة أم أزمة نخب؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قنّاص المشردين بأكادير يتحدى الأمن

أمنيون خانوا القسم ... الرشوة تطيح برجال شرطة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات