فاجعة الصويرة… الصدقة القاتلة

التحقيقات مستمرة في العلاقات المحتملة بين المساعدات الاجتماعية ونوايا استغلال سياسي وضعت فاجعة الصويرة، التي راحت ضحيتها قبل أسابيع، 15 امرأة جراء التدافع من أجل الحصول على مواد غذائية، في الواجهة ظاهرة الإحسان العمومي الذي تضطلع به جمعيات وهيآت مدنية، بدوافع مختلفة يختلط فيها الاعتبار الإنساني والقيمي بالانتخابي. لم تكن المرة الأولى التي تكلفت بها جمعية "أغيسي لحفظ القرآن" التي يرأسها المقرئ عبد الكبير الحديدي، بتوزيع مواد غذائية على الفقراء والمحتاجين بمنطقة الشياظمة والمناطق المجاورة لها، إذ بدأ هذا النشاط الخيري قبل أزيد من خمس سنوات، قبل أن يتعاظم أمره ويذيع صيته. خلال هذه المدة وسع الحديدي قاعدة شبكة علاقاته مع الجهات الإحسانية، التي نصبته وسيطا لها في عملية توزيع المساعدات على الفقراء بمسقط رأسه بجماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة، وهو ما جعل حجم الإنفاق على هذه العملية يتضاعف سنة بعد أخرى، كما أن الطلب على المساعدات تضاعف بشكل يكشف هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة، فكانت المحصلة فاجعة أعطت إشاراتها الإنذارية مع توالي السنوات دون أن يتم التقاطها بالجدية المطلوبة من قبل الجهات المسؤولة والسلطات المحلية والإقليمية. ووفقا لمعطيات حصلت عليها "الصباح" حول عمليات توزيع المساعدات الغذائية بجماعة سيدي بولعلام فإن العمليات السابقة لم تخل من مشاكل تنظيمية وتدافع وازدحام، إلا أن الجرة لم تسلم هذه المرة، وأخطأت السلطات والجهة المنظمة تقديراتها، خاصة أن هذه المرة عرفت توافد مواطنين من أقاليم مجاورة منها شيشاوة وآسفي وغيرها صعب الأمر وأدى إلى الكارثة. وتمكن الحديدي من إخلاء مسؤوليته عن الحادث، بعد أن أبلغ الجهات المسؤولة من خلال الرخصة التي أودعها وحدد فيها عدد الحصص التي ستوزع والتي بلغت 10 آلاف حصة، وهو ما لم يؤخذ بعين الاعتبار والجدية، فكانت النتيجة انفلاتا تنظيميا أدى إلى فاجعة أيقظت أوجاع واقع البؤس والحرمان الذي تعيشه مناطق الهامش بالمغرب، والاستغلال السيئ لهذا الوضع من قبل جهات تتدثر برداء الإحسان وتشجيع قيم التضامن من خلال مبادرات لا تغير من واقع الحال شيئا، بل وتساهم في تفاقمه وتدفع في اتجاه خدش كرامة المواطنين البسطاء. عمليات توزيع المواد الغذائية بجماعة سيدي بولعلام منذ سنوات لم تكن لتمر دون أن تثير الكثير من التساؤلات من قبل خصوم الحديدي الذين لم يكونوا ينظرون بعين الرضا، إلى هذه العملية التي تعرضت لاختراقات انتخابية، رغم إصرار المقرئ الشيظمي على أن يظل بعيدا عنها، إذ لم يسبق له أن ترشح باسم حزب سياسي، لكن مقربين منه استغلوا شعبيته ليكتسحوا العديد من الدوائر الانتخابية ضمنت لهم تسيير المجلس الجماعي لجماعة سيدي بولعلام لفترة. وفي انتظار ما ستسفر عنه نتائج التحقيق الذي أجرته المصالح المختصة بعد أسابيع على الفاجعة، وهم بالدرجة الأولى عامل إقليم الصويرة، جمال مخططار، الذي ما يزال التحقيق معه جاريا من طرف قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمراكش، والذي أقر في آخر جلسة تحقيق معه بجزء من مسؤوليته فيما حدث. واستبعدت لجنة، من وزارة الداخلية المركزية، وعناصر الفرقة الوطنية للدرك الملكي، تورط المقرئ عبد الكبير الحديدي إذ استأنف عمله إماما في مسجد السبيل بحي كاليفورنيا بالبيضاء، لكن في المقابل، ثبتت "المسؤولية التقصيرية" في حق بعض أعوان السلطة. ورفعت اللجنة تقاريرها إلى كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، وكذا القيادة العامة للدرك الملكي، في انتظار اتخاذ قرارها بناء على نتائج التحقيق التي تضمنها التقرير. وتضمن التقرير اسمي قائد قيادة امرامر بإقليم الصويرة، ورئيس دائرة الحنشان بالنيابة، اللذين استمعت إليهما في وقت سابق عناصر من المكتب المركزي للأبحاث القضائية. كما أن القيادة العامة للدرك الملكي أعفت في وقت سابق قائد سرية الدرك الملكي بالصويرة، ونقلته إلى ثكنة الدرك الملكي بالبيضاء، على خلفية حادث جماعة سيدي بولعلام. عزيز المجدوب "اللهطة" ...الطريق إلى الفاجعة سلوك مرضي وأنانية متغولة يتمظهران في المساجد والمطارات والقطارات ما وقع في الصويرة، لا تعود أسبابه مائة بالمائة إلى المكلفين من مسؤولين وجمعيات، فالمدينة تحتضن تجمعات احتفالية تفوق أعداد الوافدين إليها 200 ألف، بل قد يرتفع الرقم حسب الأحوال سواء بالنسبة إلى موسم ركراكة، أو مهرجان كناوة، ومع ذلك لم يسجل التاريخ أن تلك المناسبات عرفت ما عرفه التجمع الأخير الذي أودى بحياة 15 امرأة. المشكل الحقيقي الذي يؤدي إلى مثل هذه المأساة، وهو ما حدث أيضا في مهرجان موازين في الحفل الشهير للمغني الشعبي عبد العزيز الستاتي، يعود إلى سلوك مرضي وأنانية متجذرة في نفوس المغاربة، تتجلى في حب الذات وخرق النظم لاحتلال الصفوف الأولى، ليس في مجالات التفوق والابتكار، ولكن فقط في تجاوز الطوابير والصفوف، وهو ما نعيشه يوميا في الطرق والمساجد أثناء انتهاء الصلاة وفي القطارات والقنصليات وغيرها من الإدارات التي تعرف إقبالا للمواطنين من أجل الارتفاق. حتى المطارات تشهد هذه "اللهطة" في تجاوز التنظيم والطوابير، إذ رغم أن التذاكر مرقمة وركوب الطائرات يمر عبر إجراءات صارمة ودقيقة، فإن تلك الأنا تتمظهر، سواء أثناء ختم الجوازات أو عند صعود الطائرة أو الهبوط منها بل حتى ببوابات المطار عند الدخول أو الخروج، وهو ما يسبب في أحيان كثيرة شنآنا بين المغاربة، بل ويتحول إلى فرجة للأجانب حول هذا السلوك غير المقبول خصوصا حين يتقدم أحدهم محاولا تجاوز الجميع غير عابئ بالطابور المتراص، وكأن نفسه تتغنى بمقولة "أنا ومن بعدي الطوفان". فاجعة الصويرة ليست كما حاول البعض تصويرها بأنها تدافع للظفر بالدقيق والزيت والسكر، بل هي سلوك نفسي ذو مقومات سلبية تقوم على أساس عدم احترام الآخر وتتغذى بأنانية مفرطة، تتحول في أحيان كثيرة إلى نتائج سلبية، ومأساة سيدي بولعلام إحداها بل تلح للفت انتباه المسؤولين إليها، ولم لا وضع تشريع يعاقب على السلوك، وفرض غرامات على من يتجاوز الطوابير ولا يمتثل للنظام سواء في الإدارات العمومية أو الخاصة بل وحتى للمناسبات التي يحج إليها المواطنون بأعداد كبيرة. الحشود إلى بولعلام حجت قبل ساعات إلى مكان توزيع الإعانات، بل من بين النسوة من حضرن من أماكن بعيدة وتكبدن مشاق السفر، لكن حين شرع في التوزيع لم يقبل أحد الامتثال إلى النظام واحترام الطوابير، بل كانت الأنانية، تدفع وتتدافع، للوصول إلى الصفوف الأمامية، فلو أن الجميع احترم دوره وأبعد النرجسية، حين انطلاق التوزيع لما هلك من هلك. عمت الفوضى وتضاعف التدافع، وأصبح الكل يريد الوصول دفعة واحدة إلى القفة ولو كلف ذلك الدوس على الأجساد. المصطفى صفر

فاجعة الصويرة… الصدقة القاتلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الخير" يكرس الفقر

نشرة إنذارية ...أمطار قوية وبرد قارس من اليوم إلى الأربعاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات