لمشهد السياسي بعد 25 نونبر… تناوب ثان

العدالة والتنمية يقود الأغلبية والاتحاد الاشتراكي يعود إلى المعارضة مكنت الانتخابات التشريعية لـ25 نونبر، القوة المعارضة الأساسية المتمثلة في العدالة والتنمية من الوصول إلى الحكومة، من خلال فوز الحزب بأغلبية المقاعد البرلمانية، بوأته صدارة المشهد السياسي منذ 1997، ورفاق عبد الإله بنكيران يمارسون المعارضة، في بعض الأحيان، بشكل منفرد، في غياب قوة معارضة حقيقية أخرى. ظلت الأغلبيات الحكومية السابقة تشكل أزمة في حد ذاتها، لأنها كانت تجمع عددا كبيرا من الأحزاب السياسية، لا تربط بين بعضها أي خيط إيديولوجي أو مذهبي موحد أو متجانس. هذا الفسيفساء الحزبي ساهم في إضعاف "مؤسسة" المعارضة، وحال دون تحقيق ذلك التوازن الضروري في كل الديمقراطيات، بين وجود أغلبية حكومية، ومعارضة قوية. لكن فوز العدالة والتنمية خلخل المشهد السياسي، وفرض واقعا سياسيا جديدا، سمته، تحقيق توازن بين أغلبية حكومية أكثر وضوحا وتجانسا، من حيث الانتماء الإيديولوجي والسياسي، ومعارضة قوية تضم أحزابا وازنة، ومتجذرة في المجتمع المغربي، ما يعد بدينامية حقيقية في عمل المؤسسة التشريعية، مستقبلا. معارضة برلمانية قوية كان حزب الأصالة والمعاصرة، الخصم السياسي العنيد للعدالة والتنمية، أول من أعلن عن تموقعه في المعارضة، بعد نشر النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي جرت في 25 نونبر الماضي، والتي منحت الفوز للعدالة والتنمية. لم يكن القرار مفاجئا، على اعتبار أن" البام" كان يعتبر أنه يتبنى مشروعا مجتمعيا حداثيا، وديمقراطيا، يسير في الاتجاه المعاكس للمشروع المحافظ للعدالة والتنمية. وكان "البام" دائما ينظر إلى العدالة والتنمية، باعتباره خطا أحمر، بالنسبة إلى تحالفاته الممكنة، مما يعني استحالة أن يكون مشاركا معه في الحكومة. وباسم الاختلاف الإيديولوجي، واحترام قرار الناخبين، الذين صوتوا بكثافة على حزب العدالة والتنمية، أعلن الاتحاد الاشتراكي، أنه سيعود إلى المعارضة، بعدما ظل طيلة 13 سنة في الحكومة. وحده،حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي أعلن التحاقه بكوكبة الأحزاب المعارضة، لم يكن مقنعا في مبررات القرار الذي اتخذه، فليس هناك خلاف إيديولوجي بينه وبين العدالة والتنمية، بل إن الحزبين يُصنفان ضمن التنظيمات السياسية اليمينية المحافظة، وليست هناك خصومة سياسية تاريخية بينهما، بل إن القواسم المشتركة بين الحزبين أكثر مقارنة مع ما يميزهما. لكن التطورات التي عرفها حزب الحمامة، منذ الإطاحة برئيسه السابق، وانخراطه في تحالف استراتيجي مع “ البام”، دفع القيادة إلى تغيير موقفها من العدالة والتنمية، إذ اعتبرته خطا أحمر، ضدا على المنطق الذي ظل الحزب يخضع له منذ تأسيسه. قرار التجمع الوطني للأحرار، أثار ردود فعل قوية داخل الحزب، إذ لم يستسغ العديد من التجمعيين، إعلان القيادة المصغرة للحزب(صلاح الدين مزوار، ورشيد الطالبي علمي)، الاصطفاف في المعارضة، في غياب استشارة المجلس الوطني للحزب. القرار قوبل بمعارضة عدد من التجمعيين، الذين أكدوا أنهم لم يُستشاروا في الأمر، وأن القيادة تسرعت في اتخاذ قرار الخروج إلى المعارضة، وما تزال تداعيات هذا القرار تتفاعل داخل الحزب.مشهد سياسي أكثر وضوحاوإذا كان من ميزة لفوز العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فهي أنه أدى إلى توضيح المشهد السياسي، الذي كان يغلب عليه الغموض، والضبابية، وغياب العقلانية. ساهم التناوب الجديد، الذي أفرزته الانتخابات التشريعية في توضيح الحقل السياسي، إذ أنه أصبح أكثر قابلية للفهم، مما كان عليه الأمر في السابق، فالمؤسسة الحكومية الجديدة، سيغلب عليها طابع الحكومة اليمينية المحافظة، باستثناء مشاركة التقدم والاشتراكية، المحسوب على اليسار، في حال تأكدت خلال اجتماع لجنته المركزية. كل الحكومات التي عرفها المغرب، منذ 1998، كانت خليطا من اليمين، واليسار، والوسط، ولذلك لم تُسعف المواطن في فهم الخريطة السياسية، ولا في استيعاب طبيعة المشهد السياسي الوطني، مما ساهم في عزوفه عن المشاركة في العملية الانتخابية. اليوم تغير الوضع ، وأصبحنا أمام مشهد سياسي أكثر وضوحا، بمعنى أننا سنكون أمام أغلبية يمينية، في مقابل معارضة برلمانية قوية، تضم أحزابا وازنة، في مقدمتها الاتحاد الاشتراكي، والأحرار، و"البام". المشهد السياسي الجديد، من شأنه أن يفتح المجال أمام خريطة سياسية شفافة، تسعف المواطن في اختيار المشروع المجتمعي الذي يتطلع إليه، مستقبلا، في إطار التداول الحكومي، ومن شأنه في نهاية المطاف، وهذا هو الأهم، أن يقود إلى رفع مستوى المشاركة في التصويت، في المحطات الانتخابية المقبلة.ميزة الحكومة الجديدة، أنها ستفتح المجال أمام تقوية دور الأغلبية والمعارضة، على حد سواء. لقد أدى تشكل الحكومات السابقة من فسيفاء حزبية مختلفة إلى إضعاف دور المعارضة، التي بقيت حكرا على حزب العدالة والتنمية. اليوم أصبحت المعارضة تضم أحزابا وازنة، بعضها كانت لديه تجربة طويلة في المجال، ولا شك أنها ستوظف خبرتها بما يرفع أداء مجلس النواب المقبل.ميزة الانتخابات التشريعية الأخيرة، أخيرا، أنها رفعت رأس المغرب عاليا، وقطعت الطريق أمام كل الإدعاءات والمزاعم بأن التزوير أو التلاعب شاب نتائجها. من هذا المنظور أثبت المغرب أنه تجاوز المرحلة المظلمة التي كانت فيها الانتخابات تُزور، أو تخضع للتلاعب في نتائجها، وبالتالي يمكن القول إن المغرب يعد أكبر الفائزين في استحقاق 25 نونبر.جمال بورفيسي

لمشهد السياسي بعد 25 نونبر… تناوب ثان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نساء من العدالة والتنمية لا يرغبن في الاستوزار

الحكومة الجديدة تعتمد برنامجا توافقيا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات