راعي الفنانين

وشح الكثيرين منهم بأوسمة وتكفل بعلاج آخرين وأنقذ لبولفار من السكتة القلبية كان على الموسيقار عبد الوهاب الدكالي، أن ينتظر أكثر من نصف قرن على انطلاق مسيرته الفنية، ليحظى بأول وسام ملكي ، قبل أربع سنوات، على عهد الملك محمد السادس. وظل الكثيرون يعتقدون أن عميد الأغنية المغربية الذي راكم خلفه عشرات الروائع الغنائية، التي جعلت المغرب لا يذكر غنائيا إلا ويذكر معه اسمه، قد «شبع» أوسمة على عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يولي مكانة خاصة للدكالي ولجيله من المطربين الذين كان يباهي بهم ضيوفه من كبار الفنانين المشارقة الذين كانوا يحلون ضيوفا عليه، منهم الموسيقار محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ووديع الصافي وغيرهم. توشيح عبد الوهاب الدكالي لم يكسر فقط تجاهلا غريبا للموسيقار الأول في المملكة طيلة خمسين سنة، بل جعل الكثير من المتتبعين يكتشفون وجها آخر للمزاج الفني للملك محمد السادس، الذين كانوا يعتقدون من خلال مجموعة من المبادرات والتلميحات أن ذوقه مقتصر على موسيقى الراي والأغاني الشبابية ليتبين أن مزاج الملك يتسع لكل الحساسيات الفنية بمختلف توجهاتها وأجيالها. لا بهرجة ولا تكسب خلال بدايات عهد الملك محمد السادس انتبه المغاربة إلى أن الكثير من مظاهر البهرجة، التي كانت ترافق المناسبات والأعياد الوطنية في عهد والده، اختفت، وأن ذلك السيل الجارف للأغاني والملاحم الوطنية الذي كانت تمطر به وسائل الإعلام المغاربة قسرا توارى. اعتقد البعض أن الكساد سيدب إلى الوسط الفني خاصة أن العديد من الفنانين اعتادوا التكسب من خلال هذه المناسبات الوطنية، إذ وجدوا أنفسهم مضطرين إلى انتظار ما ستسفر عنه الميول الخاصة للجالس على العرش، سيما أنه لم تكن هناك إشارات في السنوات الأولى لحكم محمد السادس توحي بأن عهد الأغاني التكسبية سيستمر. لكن السنوات التالية أظهرت أن الملك الشاب له رؤية مغايرة لدعم الحركة الفنية، سواء التي توافق مزاجه الخاص، أو رغبة منه في الحفاظ على نمط فني معين معرض للاندثار، أو الدفع بآخر حديث الظهور، تتجاوز الأساليب التقليدية التي تعتمد على العطايا والمنح العينية الآنية. عاشق الراي والروك والتشكيل لم يخف الملك الشاب في حوار مع جريدة «لوفيغارو» الفرنسية، في بدايات عهد حكمه، حبه لموسيقى الراي والروك ومتابعته لجديد الموسيقى مثل غيره من الشباب. في بداية الثمانينات، أبدى ولي العهد في ذلك الوقت إعجابه بفن الفانك، ليستدعي المقربون منه الفرقة الموسيقية «بوني ام». ميولاته الموسيقية شملت أيضا الهيب هوب والجاز والموسيقى الكلاسيكية، إذ لم يتوان في الظهور مرات عديدة رفقة جوني هاليداي نجم الروك الفرنسي. ومن المغنين المفضلين لدى الملك حاليا المغني الفكاهي ذي الأصل الجزائري الشاب فوضيل الذي يحيي سهرات خاصة بالقصر، إلى جانب الفنان الفرنسي جمال دبوز الذي ينشط حفلات خاصة بحضور الملك في أكادير ومراكش والدار البيضاء. ويتابع محمد السادس أخبار المجلات الفنية خاصة الصادرة باللغة الفرنسية، للتعرف على جديد فنانيه المفضلين خاصة روبير دينيرو ومارلون براندو، حيث يفضل مشاهدة أفلامهم وحضور بلاتوهات تصوير آخر الأفلام التي يتم تصويرها جنوب المغرب. أما في فترة المراهقة، فقد كان ولي العهد يهوى رسم بورتريهات لأساتذته وأصدقائه إلى جانب شخصياته الكرتونية التي كان يفضل مشاهدتها في التلفزيون والتخلص منها مباشرة بعد الانتهاء منها. ولم يخف أصدقاؤه في الفصل حماس ولي العهد لحصة الرسم، وهو ما فسره البعض بانتقال موهبة والده إليه الذي كان يتقن الخط العربي ويهتم بالفنون التشكيلية. الغرباوي وقطبي بعد اعتلائه العرش، تضاعف اهتمام الملك الشاب باقتناء اللوحات الفنية لكبار الرسامين مثل الغرباوي ومهدي قطبي اللذين تزين أعمالهما جدران الإقامات والقصور الملكية إذ لا يخفى على الكثيرين من المقربين من جلالة الملك شغفه واطلاعه الواسع بالفن التشكيلي الذي يحرص على اقتناء العديد من الأعمال منه وكثير منها يحمل توقيع فنانين مغاربة وبعض الفنانين العالميين. كما أبدى الملك محمد السادس اهتماما خاصا بالموسيقى الشبابية ودعم مختلف التظاهرات التي تحتضنها، كما شجع العديد من الفرق المتألقة في هذا المجال، إذ كان وراء إنقاذ مهرجان «البولفار» من السكتة القلبية في 2011 بعد أن تعذر على منظميه مواصلة تنظيم إحدى دوراته بعد أن تنصل بعض المستشهرين من وعودهم، فتدخل الملك شخصيا عبر ديوانه ومنح لإدارة المهرجان 200 مليون سنتيم من أجل ضخ دماء جديدة في التظاهرة ومساعدتها على الاستمرار، وإتاحة الفرصة للفنانين الشباب للتعبير عن أنفسهم موسيقيا وغنائيا عبر هذه التظاهرة التي كانت وراء ميلاد العديد من الفرق الشبابية التي تخلق الحدث الآن في المشهد الفني المغربي. طريق مغاير في كتابه «أصدقاء الملك» يشير مؤلفه سعيد هبال إلى أن الكثير من الفنانين الذين قدموا شهاداتهم عن الملك الراحل الحسن الثاني في الكتاب، شرعوا يقارنون بين عهد الرجلين، ويعتبرون أن «زمن تشجيع المبدعين والفنانين قد ولى مع المرحوم الحسن الثاني مستشهدين بكساد الساحة والحركة الفنية في عهد محمد السادس». ويضيف هبال أنه بمرور السنوات «بدأ الملك الشاب يرسم سياسته وطريقه نحو أوراش الإصلاح حتى بدأ عطفه هو الآخر على العديد من الفنانين الذين خصهم بالرعاية المادية مثل الفنانة نعيمة سميح والكوميدي عبد الرؤوف، وأعطى أوامره لتخصيص دخل شهري قار مدى الحياة لكل من مجموعة ناس الغيوان بمن فيهم عبد الرحمن باكو وابن المرحوم العربي باطما وعائلة بوجميع وسكينة الصفدي، كما متع الفنانة الحاجة الحمداوية بسكن فاخر بالرباط بعدما علم بوضعها الاجتماعي الحرج وعدم استقرارها، وتكفل بمصاريف جنازة الراحلة رجاء بلمليح، وأعطى دفعة قوية لمهرجان مراكش السينمائي ليصل إلى العالمية، واتخذ قرارا شجاعا وجريئا بإسناد حقيبة الثقافة للفنانة ثريا جبران في حكومة عباس الفاسي». عزيز المجدوب الحسن الثاني... عشق خاص لـ"تامغرابيت" كان للملك الراحل الحسن الثاني شغف خاص بالموسيقى والطرب، وكان لا يخفي هذا الشغف من خلال حرصه على استضافة رموز الغناء العربي خلال المناسبات الوطنية، إذ غنى معظمهم في حضرة الملك الراحل وله، كما هو الشأن بالنسبة إلى الراحل عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم وغيرهم. ويذكر الكثير من الفنانين الذين حظوا بشرف حضور بعض المناسبات الفنية بقصور الحسن الثاني، أن الملك الراحل كان له إلمام واسع بالموسيقى والإيقاعات، كما كان يجيد العزف على بعض الآلات الموسيقية، وكان مزاجه الخاص ينحو في اتجاه الرفع من شأن الأغنية المغربية أو التي تتضمن جرعة زائدة من «تامغرابيت» وهو ما كان يدفعه إلى الافتخار بما يتوفر عليه المغرب من فنانين كان يحرص على تقديمهم لنظرائهم المشارقة، ويسهر على الاستفادة المتبادلة بينهم. كما كان الراحل الحسن الثاني يطرب للأغاني الوطنية التي تعد من أجله، ويتابع باهتمام جديدها في كل مناسبة، ويحرص على بذل العطايا للمبدعين والمجيدين فيها، وهو ما تعكسه شهادات جيل الرواد والوسط من الفنانين في العديد من التصريحات التي تعكس حنينا نوستالجيا لهذه الحقبة.

راعي الفنانين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أخبار الصباح

طوق الحرس الخاص

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات