“وكالين رمضان” بين الحرية ودكتاتورية الأقلية

الباحث الكنبوري اعتبر الإفطار الاستعراضي في الشارع العام استفزازا للمشاعر كلما اقترب رمضان في المغرب، إلا واحتدم النقاش من جديد حول الفصل 222 من القانون الجنائي، بين من يطالب بإنفاذ مقتضياته ضد "وكالين رمضان"، لأنهم يمارسون دكتاتورية الأقلية ضد الأغلبية التي تعتقد أن صيام رمضان ممارسة دينية، أو سلوك صحي ينظف الجسد، أو تضامن اجتماعي مع المعذبين في الأرض، الفقراء المعدمين، وبين من يدعو إلى إلغائه لأنه يضرب في العمق الحريات الفردية في اتخاذ القرار بعدم الصيام، وتناول الأكل في الفضاءات العمومية، التي تصبح شبه خلاء، جراء إغلاق المقاهي والمطاعم في النهار وفتحها ليلا، إلا القليل منها الذي يقدم الوجبات لغير المسلمين، وكل طرف يقدم حججه لدحض براهين الطرف الآخر. وأثير هذا الفصل بحدة أخيرا على عهد حكومة عبد الإله بنكيران، حينما وزع شباب نشطاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، منشورا في المقاهي يدعون من خلاله صراحة إلى إلغاء الفصل 222، لأنه يمس بحرية الأفراد في تناول وجبات الأكل والتدخين في الفضاءات العمومية، ما أثار جدلا بين معارضين يجدون أن الأولوية هي إيجاد شغل للعاطلين وتقديم الخدمات لسكان القرى والجبال للعيش بكرامة، وليس الإفطار في الفضاءات العمومية، ومؤيدين يشعرون بضيق جراء إغلاق المقاهي والمطاعم، ويعتبرون الأمر يدخل في صميم الحريات الفردية. من "مالي" إلى "ما صايمينش" انتقل النقاش الحقوقي من المقاهي إلى الشارع العام مع الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية "مالي"، التي أوقفت السلطات أفرادها في محطة القطار بالمحمدية بتهمة المس بشعور المسلمين، لتتوسع الحركة إلى رفع شعارات في منتديات التواصل الاجتماعي لتحمل اسم "ما صايمينش". وينص الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، محط السجال، على أن "كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة من اثنتي عشر إلى مائة وعشرين درهما". فالمعارضون اعتبروا في مواقع التواصل الاجتماعي أن الذين يودون الإفطار العلني في رمضان يعانون عقدة نقص نفسية، في إطار البحث عن شهرة زائفة لتعويض لا شعوري للجسد الذي تم ترويضه اجتماعيا لاستدماج قيم فرضها الأب المتسلط، أو بنيات فكرية لمجتمع يعاني التخلف والقهر المسلط على الأفراد. فيما يرى المؤيدون أن المعارضين لديهم عقد التسلط الديني على رقاب الأفراد، وأن الجوع إحدى علامات الشعور بالقهر النفسي حينما يفرض على الجميع أن يشبهونهم في حياتهم الشخصية. وأبقت وزارة العدل والحريات الملاحقة الأمنية والقضائية لمفطري رمضان علانية، تفاديا لتعرض المفطرين للاعتداء الجسدي من قبل المواطنين الذين يقدسون رمضان، سواء الذين لا يؤدون فريضة الصلاة، أو يدخنون الحشيش، أو يسرقون، أو اللواتي يمتهن بيع أجسادهن، وأعطيت تعليمات أن تتم إدانة الموقوفين بعقوبات حبسية موقوفة التنفيذ. دعوات إلى إلغاء الفصل 222 قال الطيب مضماض، الكاتب العام للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تصريح ل" الصباح"، إن الموقف الحقوقي المرتكز على المواثيق الدولية ضد تجريم الإفطار العلني في رمضان، وحث السلطات الحكومية على إلغاء الفصل 222، مؤكدا أنه مس بحرية الأفراد الذين يرفضون الصيام أو لديهم معتقدات دينية أخرى. وأكد مضماض أن لكل واحد الحق في ما يراه مناسبا بالإفطار العلني من عدمه، والمرجعية الحقوقية تفرض عدم اعتقال المفطرين، سواء كان المجتمع متفقا معهم أم مختلفا، لأن ذلك يدخل في نطاق الحرية الفردية. وفي موقف مثير للجدل، قال أحمد الريسوني، الفقيه المقاصدي، الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي للعدالة والتنمية، إنه مع إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، وإن كان القصد بالنسبة إليه مختلفا عن الراغبين في المجاهرة بالإفطار العلني في رمضان. وأكد الريسوني أن القانون الجنائي لا ينبغي أن يتدخل في الصوم، لأن الذي يفطر في الشارع يفترض فيه أنه مريض أو على سفر، موضحا في ندوة "الشريعة والحرية في أزمنة التغيير" بجامعة محمد بنخليفة التي أقيمت أخيرا في قطر، أن الناس يحالون إلى بواطنهم الداخلية وقناعاتهم، ثم بعد ذلك هناك المجتمع وهو الذي يمنع الناس من الإفطار العلني وإلا فإن القانون لا يتدخل إلا في حالات قليلة. وقال الريسوني إن الأصل في الدين كله والشريعة كلها هو الالتزام الذاتي، لأن تحويل الشريعة كلها إلى قانون هو جناية على الشريعة لأنها تقوم أساسا على الوازع الإيماني وليس الوازع السلطاني، مشيرا إلى أن "الحاكم لا مدخل له في العبادات" وهي قاعدة مهمة عند المالكية، وأن تدخل الحاكم أو الإمام لا ينبغي أن يكون إلا عندما تتحول الأمور إلى فتنة أو تنازع أو خصومات. إفطار رمضان يدخل في حرية الاعتقاد من جهته قال إدريس الكنبوري، الباحث في الحركات الإسلامية، في تصريح ل" الصباح" إنه من الناحية المبدئية لا يوجد أي مشكل في عدم صوم رمضان بالنسبة إلى من يريدون ذلك، فالحرية الفردية في الإسلام مقررة وليس هناك إكراه على فعل شيء أو الامتناع عنه، إذ أن قضية إفطار رمضان تدخل ضمن حرية الاعتقاد في الإسلام، التي هي مكفولة من الناحية الدينية، لأن الذي لا يؤمن بالدين لا يمكن أن يكون لديه التزام معين بالفرائض التي يفرضها هذا الدين، لأن الالتزام فرع عن الإيمان. لكن من الناحية الاجتماعية والثقافية، يرى الكنبوري أن هناك حدودا لممارسة هذا الحق، وهو أمر تقره جميع الفلسفات في العالم التي واجهت إشكالية الحق الفردي في مقابل حقوق الجماعة، وواجهت معضلة التوفيق بين الاثنين، فللفرد حق ممارسة حريته لكن في ظل احترام المجال العمومي. لكن تعمد "الجهر" بالرغبة في إفطار رمضان والقيام بإفطارات استعراضية في الشارع العام ليس الهدف منه صون هذه الحرية، كما يزعم البعض، بل استفزاز مشاعر المغاربة، وهو أمر لا علاقة له بالحرية إطلاقا. أحمد الأرقام

“وكالين رمضان” بين الحرية ودكتاتورية الأقلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الإرث يلغي أسطورة المناصفة

نبض الشارع

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات