تعليم الحماية… رؤية “ليوطي” و”ديكارت”

أطر وتلاميذ الثانويتين يرصدون تطور التدريس في عهد الاستعمار صدر أخيرا مؤلف جديد بعنوان "مغرب الخمسينات.. أوراش التربية" وهو ثمرة مشروع بيداغوجي بمشاركة مجموعة من أطر وتلاميذ مؤسستي "ليسي ليوطي" بالبيضاء وديكارت بالرباط، تحت إشراف وكالة التعليم الفرنسي بالخارج، ومصلحة الشؤون الثقافية بسفارة فرنسا، وجاء معززا بصور نادرة من الأرشيف من توقيع المصور الصحافي جاك بيلان. في هذا الخاص تسلط "الصباح" الضوء على أهم النقط التي جاءت في الكتاب الذي يمنحنا فرصة الاطلاع على الكيفية التي انشغلت بها فرنسا بالمسألة التعليمية بالمغرب على عهد الحماية وإلى حدود منتصف الخمسينات. إعداد: عزيز المجدوب ظلت وضعية التعليم بالمغرب خلال فترة الحماية الفرنسية، تطرح العديد من الإشكاليات إذ وجد الفرنسيون أنفسهم أمام نظام تعليمي معقد، فقد كانت هناك قلة من التلاميذ المغاربة المسلمين الذين يتابعون تمدرسا منتظما، إذ كان يذهب معظم الأطفال إلى المدرسة القرآنية، وفيها يحفظون القرآن عن ظهر قلب، أولها تحت إشراف الفقيه، وهي أول خطوة في تعلم وكتابة العربية، إضافة إلى مدهم بالقواعد الأولية للأخلاق، فيصبح النجباء منهم طلبة بزاوية أو بمسجد حضري. ظلت المدارس القرآنية والقرويين دعامتين أساسيتين لنقل المعرفة، دون إغفال دور المدارس الصغيرة التي كانت موجود بالمعابد اليهودية. لمسة ليوطي ابتداء من 1912 أنشئ نظام تعليمي فرنسي عمومي علماني، سينتشر تدريجيا بالمدن المغربية التي باتت تتوفر على مدارس ابتدائية أما المدن الكبرى فبنيت بها ثانويات، إذ ظهر بالرباط سنة 1919 "ليسي غورو" (حاليا ثانوية الحسن الثاني) بعدها "ليسي ليوطي" بالدار البيضاء ثم ثانوية "مانجان" بمراكش، إذ خصصت هذه المؤسسات أولا لتعليم أبناء المستوطنين، العسكريين أو الإداريين الفرنسيين، وبدأت تستقبل في ما بعد أبناء الشخصيات المغربية. كما تم إنشاء عدة مدارس في أهم المدن خاصة بأبناء البورجوازية تحت مسمى "المدارس الإسلامية ﻷبناء الأعيان"، وذلك لتكوين موظفي المخزن المركزيين والمحليين، التي يتم ولوجها بناء على قائمة تحضرها سلطة المراقبة. هذا الصنف من التعليم الذي ارتبط بالمصالح الفرنسية الاقتصادية، وذلك عبر توجيه عموم أولاد الشعب نحو تعلم مهن منتجة، ليتم الاحتفاظ بالأنشطة التجارية والأشغال الإدارية للنخبة، فتم بذلك إنشاء مدارس حضرية وأخرى قروية، فالمدرسة الحضرية كانت ذات توجه مهني موجهة لفقراء المدن، ليصبحوا مستخدمين صغارا ومرؤوسين تابعين للحماية، وبذلك تأهيل يد عاملة للمشاريع الصناعية الأوروبية، ثم المدرسة القروية ذات التوجه المهني نفسه، استهدفت القرويين عبر الإبقاء على تعلقهم بأرضهم والعمل الفلاحي، بتلقينهم تعليما فلاحيا. الرهان السياسي على التربية رصد الكتاب تطورات قضية التربية والتعليم بالمغرب خلال نهاية الثلاثينات، إذ بدأ تدريجيا موقف المسلمين المغاربة من التعليم الفرنسي يتغير، إذ قبل ذلك كان المغاربة يتحاشون العروض التعليمية الفرنسية لأسباب عديدة بعضها يرتبط بعدم الثقة في قيم المستعمر، وغياب التربية القرآنية بالنظام الفرنسي، كما أن مسألة تمدرس البنات كانت تثير حساسية مجتمعية، كما أن النخب التقليدية كانت ترفض اختلاط أبنائها مع أبناء الفئات المتواضعة. وأصبح التعليم رهانا مهما ومباشرا بعد الحرب العالمية الثانية، إذ بعد أن قطع المغرب أشواطا في التمدن والتصنيع، أضحت الحاجة ملحة إلى التكوين على المستوى السياسي، كما أن انتعاش حركات التحرر بسبب ضعف القوى الاستعمارية المنهكة جراء الحرب، ساهم في انبثاق تيار العروبة القادم من الشرق الأوسط، كما ساهم تيار الحركة الوطنية بشبابه الذي تخرج أغلبهم من التعليم الفرنسي أو الفرنسي الإسلامي، وكذلك من المدارس الحرة أو من القرويين، في تزايد الوعي الوطني عبر مبادرات ثقافية واجتماعية ورياضية بعمق تحرري، كما نجحوا في انتزاع بعض الإصلاحات بدعم من المخزن من إدارة التعليم العمومي التابعة للحماية. السلطان والتعليم أبدى الملك الراحل محمد الخامس اهتماما خاصا بقضية التعليم، خاصة خلال فترة الأربعينات، إذ انتبه إلى مجهودات الحركة الوطنية في تلك الفترة في هذا المجال، واقتنع بمبادئ التعليم العصري، وهو ما عكسته خطوة تأسيس المعهد المولوي سنة 1942 لمنح أبناء القصر تعليما حديثا ومتنوع الثقافات. كما طمح محمد الخامس إلى تحسين جودة نظام التعليم بالمغرب، فقدم للإقامة العامة الفرنسية ميثاقا للتعليم ينص على توحيد البرامج والمجانية وفرض التعليم الابتدائي على الجميع وإعادة الاعتبار للغة العربية. ورغم أن الإقامة العامة لم تستجب لمطالب السلطان بشكل كلي، إلا أنه نجح في المقابل في وضع مجلس تحسين التعليم العالي الإسلامي تحت رئاسة الصدر الأعظم المقري، إضافة إلى إصلاح مؤسسة القرويين وجعلها أساس الإحياء الفكري والاتجاه نحو الشمولية العربية. نحو تعليم معمم خلال فترة الأربعينات تعززت أوراش التعليم على عهد الحماية بتخصيص 7 في المائة من ميزانية النفقات العمومية لفائدة التعليم، كما تم استقدام مدرسين من فرنسا، ليتم إدماج 100 ألف شاب في المدرسة على مدار عشر سنوات، وخلق وحدات تدريس متنقلة في المناطق المهمشة وفتح الثانويات الفرنسية في وجه الجميع وتفويض تدبير التدريس باللغة العربية إلى المخزن. مشاريع غير تامة رغم المجهودات التي بذلتها الحماية الفرنسية في أواخر عهدها، إلا أن مشاريع التعليم ظلت تعانــي بعد الاستقلال وهو ما تجلى مــن خلال نسبــة تعليــم المغاربـة المسلمين الضعيفة، وهــو الأمــر الذي تم تداركه من خلال تعزيز حضور التعليم على امتداد عقود الاستقلال ومع تعــاقب الحكــومات المغــربية، إلا أن البصمــة الفــرنسية في التعليم وذكرياتها فــي الذهنية المغربية ظلت حاضرة. التعليم العالي في عهد الحماية أنشئت مؤسسة الدراسات العليا بالرباط سنة 1920، وخصصت للطلاب الفرنسيين، وتشكل بوابة للالتحاق بالجامعات الفرنسية، كما أنها تشمل مركز تكوين المعلمين الذي يقدمون دروسا بالعربية الفصحى بالثانويات الفرنسية الإسلامية. كما دشن بالرباط مركز الدراسات القانونية ومركز الدراسات العليا العلمية، إلا أن فرص مواصلة الدراسات العليا كانت ضئيلة، فكانت بعض العائلات الكبيرة تترك المؤسسات الموجود بالمغرب لترسل أبناءها لمتابعة دراستهم بفرنسا وإنجلترا وسويسرا وبلجيكا وبعض الأحيان الجزائر العاصمة والقاهرة أو دمشق وبيروت.

تعليم الحماية… رؤية “ليوطي” و”ديكارت”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الخلفي ناطقا رسميا للعثماني

بنعيسى يمنع حامي الدين من الاستوزار

مقالات ذات صلة