النظارات الصينية تهدد بالعمى

سعر الزجاج لا يتجاوز 70 درهما والإطارات المقلدة وجدت في القطاع غير المهيكل قناة تسويقية جاهزة "ليس بين القنافذ أملس"، مقولة مأثورة، لا تكل فاطمة من تكرارها وهي تتجول بين محلات النظاراتيين في سوق درب غلف الشعبي في البيضاء، بعد أن أنهكها تغيير نظاراتها كل مرة، بسبب مشاكل في جودة الإبصار، إذ تتحدث الشابة التي ترتدي نظارات سميكة، عن سقوطها المتكرر ضحية نصب أرباب هذه المحلات، الذين يوهمونها بأن الزجاج الخاص بنظاراتها، أصلي مستورد من فرنسا أو ألمانيا، قبل أن تكتشف رداءته بعد فترة قصيرة من الاستخدام، إذ يصبح أكثر ضبابية وسهل الخدش بواسطة الغبار، بما تصعب معه الرؤية، يتعلق الأمر بزجاج صيني، يقتنيه النظاراتيون من مستوردين خواص بسعر يتراوح بين 60 درهما و70، ثم يعيدون تسويقه بعد تقطيعه بسعر يتراوح بين 200 درهم و300. إنجاز: محمد بها - تصوير: احمد جرفي التجول في شوارع البيضاء، محفوف دائما بالخطر، خصوصا بالنسبة إلى ضعاف البصر، الذين لا يستطيعون الإبصار بدقة، خلال عبورهم الشارع أو ارتيادهم الأرصفة، فالمدينة الكبرى تحولت إلى ورش مفتوح ضخم، أخفى معالم التصاميم المدنية، من شوارع وأزقة ودروب، فاختلط الحابل بالنابل. سيارات ودراجات مركونة فوق الرصيف، وراجلون وجدوا في الطرقات والأنفاق والحدائق مسالك جديدة للسير. المترو بول يتطور باختصار مجحف، موازاة مع تطور السلوك المجتمعي، الذي كان يعتبر النظارات إلى أمد غير بعيد، دلالة على إعاقة الشخص وضعفه، قبل أن تغزو النظارات وجوه المغاربة، لأسباب غير معروفة، بل وتحولت إلى موضة رائجة، وقطعة إكسسوار ثابتة لدى البعض. أسعار مغرية بعيدا عن سوق "درب غلف" الشعبي، تتمركز في حي المعاريف بالبيضاء، متاجر نظارات فاخرة، تثير واجهاتها الزجاجية رهبة في نفوس الزبناء، رغم الملصقات الإعلانية التي تشير تارة إلى تخفيض على ثمن النظارات بنسبة 50 %، وتارة أخرى إلى هدايا مرافقة وخصومات على الإطارت أو الزجاج. ولا يتعلق الأمر بالنظارات الطبية فقط، وإنما بالشمسية والعدسات اللاصقة، فيما تبدأ أسعار الإطارات من 1500 درهم، والزجاج من 2000 درهم، فيما تقفز تكاليف الحصول على نظارة إلى تسعة آلاف درهم، حسب ماركة الإطار ونوعية الزجاج المرغوب. في المقابل تعرض متاجر النظارات في الأحياء الشعبية تكاليف لا تتجاوز 200 درهم، من أجل الحصول على نظارة تواكب الموضة. "رايبان" و"كارتيي" و"لاكوست" و"ديور" وغيرها من ماركات الإطارات، التي تسوق بأسعار منخفضة، باعتبارها منتوجات مقلدة، مصدرها الصين، وتلج إلى السوق عبر تجار معينين، إذ تستغل هذه المتاجر الأسعار لإغراء الزبناء بالإقبال على اقتناء النظارات الطبية أو الشمسية، التي أصبحت تسوق حاليا من قبل بعض الباعة المتجولين وعلى أرصفة الشوارع. لا يدرك أغلب الزبناء خطورة اقتناء هذه النوعية من النظارات، بسبب مستوى الضرر الذي تخلفه في العيون، إذ يصل في بعض الحالات إلى العمى. اقتربنا من أحد الباعة المتجولين بشارع محمد الخامس، لمعرفة مدى إقبال المغاربة على اقتناء هذا النوع من النظارات، فكشف عن رواج سلعه وتزايد الطلب عليها، خصوصا من قبل المراهقين، الذين يجدون فيها ما يناسبهم من أشكال و"موديلات" وألوان مواكبة للموضة، إضافة إلى أسعارها المعقولة والتي تكون غالبا في متناول الجميع. وهو الرأي الذي يتفق معه زكرياء، أحد الزبائن الذين صادفتهم "الصباح" داخل متجر لتسويق النظارات، إذ قال إنه يفضل اقتناء النظارات ذات السعر الرخيص والشكل الجميل عوض اقتنائها من النظاراتي وبثمن غال، مشيرا إلى أن السبب في ذلك يرجع لرغبته في الحصول على ما يتناسب مع قدرته الشرائية خصوصا أنه ما زال يتابع دراسته، في حين رأى نوفل، أنه لا تهمه الأثمنة بقدر ما يسعى وراء اقتناء النظارات ذات الشكل الجميل والمطابق للماركات العالمية، وفي ما يتعلق بمدى مطابقتها لمعايير السلامة كشف أنه لا يهتم بذلك لأنه يتطلب وقتا في التفكير والمعاينة وهو ما يمكن أن ينهكه. مخاطر صحية يكفي إجراء بحث دقيق حول النظارات الصينية الرديئة، التي تباع على أرصفة الشوارع وفي المحلات، حتى يتبين أنها مقلدة ومغشوشة، فمن بين أبرز مخاطرها التي لا يمكن اكتشفاها إلا بعد معاينتها من قبل المتخصصين أو القيام بفحص طبي، فإنها غير خاضعة للمعايير الصحية، ولا توفر الحماية اللازمة للعين، ما يسمح بمرور الأشعة فوق البنفسجية، التي من شأنها إلحاق الضرر بشبكية العين، وهو الأمر الذي أكدته الطبيبة سعاد لحسيني، مختصة في أمراض وجراحة العيون، موضحة أن ارتداء هذا النوع من النظارات يضر بصحة العين، ويتسبب في تداعيات صحية سلبية، من بينها ضعف الرؤية وتشكيل المياه البيضاء والحساسية، والتهابات على الشبكية، إضافة إلى احتوائها على مواد كيميائية تتفاعل مع مرور الوقت، لتطرح مادة خطرة مضرة بالعيون والجلد. ومن جهتها، تميــز هنــد معروفــي، تقنية متخصصة في البصريات، بين النظارات الأصليــة والمقلــدة، وأوضحت بأن المنتوجات التي تباع لدى النظاراتي المهني، تظل سليمة وآمنة، مصنوعة من مواد ذات جودة عالية، وخاضعة للشروط الصحية، وهي الشروط التي تبررها فواتير اقتناء المواد والقطع، إذ تشير إلى المصدر، ذلك أن الزجاج المستورد من فرنسا، ترافقه شهادة جودة تظهر اسم المختبر المنتج وشروط الاستخدام، وكذا الضمانات الخاصة بالمنتوج. وإذا كان عدد كبير من المغاربة الذين يقبلون بشكل كبير على اقتناء النظارات الصينية، إما عن جهل بخطورتها أو رغبة في مسايرة ميزانيتهم الضعيفة، فإن هناك فئة أخرى تتمتع بوعي كبير، وتدرك مدى خطورة اقتناء النظارات الطبية والشمسية وإطاراتها من نقط البيع غير المهيكلة، إذ كشف عدد من الزبناء في تصريحات متفرقة لـ"الصباح"، أنهم يقصدون طبيب العيون أولا، ثم يقومون باقتناء النظارات من النظاراتي باعتباره مصدرا موثوقا، ضمانا لصحة وسلامة العيون. وحملت التقنية المتخصصة في البصريات، مسؤولية ما يقع من فوضى في قطاع النظارات بالمغرب للمصالح الجمركية، التي تسمح بدخول هذه السلع إلى السوق دون مراقبة جودتها ونوعيتها، موضحة أن هذا الواقع لا يسقط المسؤولية عن المستهلك بالدرجة الأولى، لأنه يقبل على اقتناء مثل هذه السلع، غير المطابقة لمواصفات السلامة، رغم علمه بخطورتها وأضرارها، مشددة على وجوب توفر المستهلك على الوعي الكافي، من أجل اقتناء منتوجاته من فضاءات بيع مهيكلة. العدسات اللاصقة... البديل المؤلم إذا كان الصينيون غزوا مجال تصنيع زجاج النظارات، ليصبح تمييز الأصلي من المقلد مستحيلا، اختار بعض ضعاف البصر العدسات اللاصقة بديلا، إلا أن استخدامها محفوف بالمخاطر، حسب هند معروفي المختصة في المجال، علما أنه يمكن استخدامها لعلاج وتصحيح البصر، وهي عبارة عن مادة بلاستيكية شفافة، يتم وضعها على قرنية العين مباشرة، لأغراض إما علاجية أو تجميلية. ويجهل عدد كبير من المستهلكين، أن العدسات اللاصقة تنقسم إلى عدة أنواع، منها ذات الاستخدام الواحد واليومي، فبالنسبة إلى الصنف الأول، يتم استعمالها لمرة واحدة في الصباح، لتنزع في المساء قبل النوم، وتعتبر سهلة الاستخدام، ولا تتطلب أي عناية أو تعقيم، ما يقلل من حدوث الالتهابات الناتجة عن سوء استخدام العدسات. أما الصنف الثاني، فصنعت نظارته ليتم ارتداؤها يوميا من الصباح إلى وقت إزالتها قبل النوم، ويعاد استخدامها لعدد معين من الأسابيع، حسب تعليمات الشركة المصنعة. وتوضح المعروفي أن هذا النوع من العدسات، يحتاج إلى العناية بنظافتها يوميا واستبدالها دوريا لتجنب تسرب الميكروبات إليها، ما يهدد بمضاعفات سيئة على العين، منبهين إلى ضرورة تقيد الراغبين في استخدام العدسات اللاصقة، بالاهتمام بكل التعليمات والنصائح الخاصة بها، من بينها الحرص على التدرج في ارتداء العدسات، والبدء بأربع ساعات في اليوم الأول، وغسل اليدين قبل استخدام العدسات، على أن تكون الأظافر قصيرة لتفادي أي خدش للقرنية ما يضر بصحة العينين والنظر، وعدم إعارة العدسات والأدوات الملحقة بها إلــــــى الغير، وكذلك عدم استخدام عدسات أشخاص آخرين. ويجب عدم فرك العينين مهما كانت الحالة بوجود العدسات اللاصقة، والحرص على ارتداء نظارة خاصة عند التعرض للشمس خلال وضعها، ونزعها قبل النوم، وتجنب السباحة أو الاستحمام أثناء استعمالها، لكي لا تلامسها مكونات مواد التنظيف، مثل الصابون وغيره، علما أن ارتداء العدسات بدون وصفة طبية وبشكل غير صحيح، يؤدي إلى التهابات خطيرة بالعين. فوضى القطاع استنكر مهنيون ترخيص السلطات لأشخاص غير مختصين بافتتاح محلات لتسويق النظارات الشمسية والطبية، لينافسوا المبصاريين المهنيين، الذين يزاولون مهنة ينظمها القانون، وتتطلب ترخيصا من الأمانة العامة للحكومة، ونيل شهادة جامعية، ما يتناقض مع القانون المنظم للمهنة. واستشهد المهنيون، بأن هناك العديد من المحلات التي كان أصحابها يزاولون مهنا أخرى، قبل أن يتحولوا إلى اختصاصيين بائعي النظارات الطبية، دون أن يتوفروا على شهادات تخول لهم مزاولة هذه المهنة، التي اعتبروها مهنة من لا مهنة له. واستغرب المبصاريون المهنيون عدم تطبيق القانون في مجموعة من المدن، ومزاولة تجار لمهنة تتطلب التحصيل العلمي والخبرة اللازمين، مشيرين إلى أن هناك محلات لبيع النظارات دون ترخيص قانوني، لكن عوض إغلاقها ما زالت تمارس نشاطها، ما يثير تساؤلات حول من يحمي هؤلاء التجار ويشجعهم على خرق القانون.

النظارات الصينية تهدد بالعمى

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"تقرقيب السوارت" ... خطر الكراء السري

حزب بنعبد الله يعلق فشله على الداخلية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات