أخطبوط

سقط المغرب، مجددا، في امتحان محاربة الفساد الإداري والمالي، والحد من مظاهر الرشوة في عدد من القطاعات العمومية والخاصة ووسط المجتمع، حسب خلاصات أحدث تقرير صادر عن أكبر هيأة دولية مختصة في تقييم مؤشرات النزاهة والشفافية في العالم. وعبر معدو التقرير السنوي لـ»ترانسبارنسي أنترنسيونال» عن قلقهم من الترتيب والتنقيط المخجلين للمغرب الذي يضعه، مباشرة، وسط الدول «الكسولة» في استيعاب وتطبيق آليات الحكامة الإدارية، ورفع أداء المؤسسات العمومية ونجاعتها، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ووضع آليات لضمان الشفافية في الصفقات العمومية، وإنقاذ القضاء والتعليم والصحة من براثن الرشوة بأنواعها. ومن سوء حظ الحكومة أن تقرير الهيأة الدولية للنزاهة صدر عشية التعبئة الاجتماعية والمدنية والحقوقية الواسعة لتنظيم أكبر مسيرة وطنية في المغرب، للتنبيه إلى استمرار أساليب ومظاهر نهب المال العام، وتحويل مقدرات الدولة ومصلحتها العامة لاغتناء أشخاص ومؤسسات وتوسيع دائرة الريع والفساد. ومن سوء حظها، أيضا، أن الانتخابات التشريعية وضعت وزيرا «مفوها» مثل مصطفى الخلفي، خارج تشكيلة حكومة تصريف الأعمال، وإلا كُنا غرقنا في بلاغات البكاء والنحيب والتصريحات الرسمية المشككة في نوايا أصحاب التقرير ومؤامراتهم واختيارهم «غير البريء» لمؤشرات ومدركات تؤدي إلى نتائج معدة سلفا لـ»تلطيخ» صورة الحكومة. ومهما يكن، فإن الناشطين في حقل النزاهة لا يحتاجون إلى تقرير سنوي، صادر عن مراقبين أجانب، للتأكد من تفشي مظاهر الفساد والرشوة في عدد من القطاعات العمومية، إذ يكفي الاطلاع على تقارير المجلس الأعلى الحسابات وتحقيقات المفتشية العامة لوزارة المالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية والمحاضر المنجزة من قبل الفرقة الوطنية وقضاة التحقيق المختصين في جرائم الأموال، للاقتناع بأن نصف المؤتمنين على أموال الدولة لصوص، واخرين يفكرون كيف يصبحون لصوصا محترفين. الواقع، أن بورصة الفساد ومداولات الرشوة بأنواعها عرفت نشاطا ملحوظا خلال ست سنوات الماضية، وفي ظل حكومة وبرلمان حاز جزء كبير من أعضائه على ثقة مواطنين وثقوا في «شعار محاربة الفساد والاستبداد»، لكن بعد مرور الوقت اكتشف رئيس الحكومة أن الفساد أكبر منه (وهو كبير بالفعل)، مكتفيا بالاستسلام إليه والتطبيع معه، بدل محاربته، مصداقا لأقواله المأثورة «الفساد هو اللي كيحاربني ماشي أنا اللي كنحاربو»، أو «عفا الله عما سلف». إن فشل الحكومة وتقاعسها في إقرار إستراتيجية صارمة لتفكيك الأعشاش والجزر والمحميات الحقيقية، يشجعان المفسدين للاستمرار في تطويع الإدارة والاقتصاد والاستثمار والصفقات والقضاء لخدمة مصالحهم، ومقاومة مخططات الإصلاح الهشة التي تكتفي، في أحسن الأحوال، بنشر لوائح مستفيدين من «كريمات»، أو مقالع رمال والتشهير بأصحابها الصغار، بدل مواجهة الحيتان الكبيرة. فمنذ 2012، لم تبع الحكومة للمغاربة غير «الكلام» في موضوع حساس يرتبط بصورة المغرب وموقعه في العالم. ولا نحتاج إلى التذكير بأن مؤشرات الرشوة والفساد تشكل جزءا مهما من «لوحة الإرشاد» الموضوعة فوق مكاتب المؤسسات والصناديق الاستثمارية العالمية التي تعاقب، أو تجازي الدول وفق ذلك. وبالتالي، فإن الرهان على مخططات إصلاحات فارغة وإستراتيجيات على الورق وآليات وأدوات عفا عنها الزمن، هو رهان على تدمير هذه الصورة، وأيضا، على تقويض جميع المجهودات الموازية من أجل مغرب جديد وسط محيط إقليمي وعالمي متغير. فحذار من اللعب بالنار.

فولكسفاغن الأكثر مبيعا للسيارات في 2016

دركي يتزعم شبكة مخدرات

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات