شبـاط … “الـدون كيشـوت”

متمرد حكم فاس والنقابة والحزب وطارد طواحين الهواء إلى أن أسقطته خلف الحدود منذ أن شق طريقه إلى الزعامة بداية التسعينات، حمل حميد شباط الأمين العام الحالي لحزب الاستقلال هواجس شخصية ألونسو كيخانو بطل رواية الأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا «دون كيشوت ديلامنشا»، إذ أصر هذا النقابي المتمرد طيلة مسار سياسي أوصله إلى حكم فاس والنقابة والحزب، على اختلاق حروب ضد الجميع. انقلب على قادة الاستقلال وتسلم زعامة أقدم أحزاب المغرب رغم تواضع مستواه التعليمي. خرج من حكومة بنكيران الأولى ويريد الدخول إلى الثانية. قلب الطاولة على أحزاب المعارضة السابقة متهما الأصالة والمعاصرة بالسعي إلى نظام الحزب الوحيد، قبل أن ينتفض ضد الداخلية ويجر على نفسه تهمة محاولة ابتزاز الدولة. طارد شباط طواحين الهواء إلى أن أسقطته خلف الحدود ووقع في المحظور ضاربا المشروع الإفريقي للمغرب بعرض الحائط حينما اعتبر في اجتماع مع قيادات نقابته أن موريتانيا أرض مغربية، إذ فجر أزمة صامتة ظل المغرب يدبرها بكثير من الحذر خشية أن تشعل الجزائر فتيل برميل بارود تحرص على إبقائه مفخخا على امتداد المنطقة العازلة من الكركرات إلى مخيمات تندوف. فخ الكركرات لم يعلم شباط وهو يأخذ الكلمة قبل أيام في اجتماع المجلس العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أنه مقبل على خطأ سيعصف بمنصبه، إذ لم يقف، في حربه من أجل دخول الحكومة الثانية لبنكيران، عند حدود الجبهة الحزبية ضد من أسماهم «شياطين» تحاول الصيد في مياه عكرة، من خلال استهداف حزب علال الفاسي بـ»جريمة في حق الديمقراطية «، في إشارة إلى التضييق على الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة، تفاقمت خطورة صواريخه عابرة للحدود، كذلك الذي أعلن أن موريتانيا أرض مغربية. تسارعت الأحداث وحاول شباط لملمة تداعيات زلته، لكن دون جدوى، إذ كادت تشعل فتيل حرب مع موريتانيا ينتظرها أعداء الوحدة الترابية بفارغ الصبر، وقد تنسف ما تبقى من آمال حزبه للمشاركة في الحكومة المقبلة. المغامرة الأخيرة لأمين عام الاستقلال، تطلبت تدخلا سريعا من الملك، الذي بادر إلى الاتصال هاتفيا بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مكالمة تناولت العلاقات بين البلدين، وتعهدت بالتزام المغرب حسن الجوار والتضامن مع موريتانيا، مؤكدة على احترام حدود الجمهورية الإسلامية وفقا لمواثيق القانون الدولي. وكان نصيب شباط إشارات سلبية من المكالمة الملكية التي اعتبرت تصريحاته « محاولة لزعزعة علاقات المغرب بجيرانه» وقد يتطلب إرجاع الأمور شهورا من العمل إن لم تكن سنوات بدأها الملك بإرسال رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران والوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون ناصر بوريطة إلى موريتانيا، لاتخاذ اللازم لتجاوز أي سوء فهم يمكن أن يؤثر على جودة العلاقات المغربية الموريتانية. معركة آل الفاسي بعد أن أحكم سيطرته على النقابة بدأ شباط يخطط للانقلاب على آل الفاسي، وبالفعل نجح في جمع الناقمين على القيادة السابقة وأغرق برلمان حزب الاستقلال بالأتباع، ما جعله يسود ويحكم في الحزب والنقابة. ورغم محاولات رأب الصدع لم تتمكن القيادة الجديدة من تجاوز الوضع الاعتباري لعبد الواحد الفاسي نجل الزعيم الراحل علال الفاسي، إذ ظلت جمعية «بلا هوادة»، التي تأسست بعد المؤتمر الأخير للتشكيك في نتيجته ومعارضة التوجه الجديد إلى أن برلمان الحزب بدء مصالحة مع أعضائها. لكن شباط سيمنح فرصة لمعسكر الآخر لإسقاطه في المؤتمر المقبل أو ربما قبل ذلك إذ تحولت الجمعية إلى حركة تصحيحية تطالب بإقالته بعد الضجة التي تسبب فيها، وأثبت للعالم أنه غير مؤهل ولا قادر على مواصلة تحمل مسؤولية الأمانة العامة. تضاءلت فرصه في البقاء على رأس الحزب بعد أن انضم للمطالبين بسقوطه امحمد بوستة وعباس الفاسي، الأمينان العامان السابقان للحزب، بالإضافة إلى عبد الكريم غلاب وامحمد الخليفة وعدد من القيادات، التي اعتبرت كلها أن مايقوله شباط لا يلزم الحزب أبدا، وأنها تصريحاته شخصية، يتحمل مسؤوليتها وحده، ولا علاقة لها بتوجهات الحزب ومبادئه، خاصة بعدما تسبب في أزمة كادت أن تعصف بكل ما بذله المغرب وموريتانيا عبر تاريخهما لتسود روح الأخوة الصادقة وبناء مستقبل البلدين. وأجمع الرافضون لبقائه على ضرورة الوقوف مع الذات والقيام بنقد ذاتي علني وصريح من أجل إرجاع الأمور إلى نصابها وعودة الحزب إلى مساره الحقيقي المستمد من رصيده التاريخي والنضالي بفتح ملف شباط منذ توليه الأمانة العامة، ومحاسبته عن السنوات التي قضاها يتقلب في المواقف السياسية، ويضعف الهياكل التنظيمة ويسيئ تدبير المحطات الانتخابية إلى أن حصد نتائج سيئة أفقدت الحزب مكانته ومدنه ودوائره. تحت جلباب بنكيران بدل شباط عندما أصبح أمينا عام للاستقلال كل ما في وسعه لإخراج الحزب من حكومة بنكيران، ثم كثف هجومه على رئيسها إلى حد أنه وصفه ب "الداعشي" و"العميل للموساد"، لكن سقوطه في فاس و تواضع نتائجه حزبه في الانتخابات الجماعية والجهوية جعلته يطلب اللجوء إلى قلعة العدالة والتنمية للاحتماء بجلباب عدو الأمس القريب. وفي الوقت الذي بدأت التسريبات تتحدث عن إمكانية وضع حزبه خارج تشكيلة الحكومة المقبلة قال شباط ردا على كل القراءات والتحليلات "إما تشكيل حكومة يقودها بنكيران، وإما إعادة تنظيم الانتخابات"، مؤكدا في الوقت نفسه أمام العشرات من نقابيي حزبه أنه "لا توجد قوة قادرة على سلب حزب الاستقلال استقلاليته"، وأن "المغاربة يعرفون جيدا من هم الذين يعرقلون تشكيل الحكومة الجديدة، بعد أن عين جلالة الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة”، وأن على هؤلاء أن يتحملوا مسؤولياتهم، نتيجة الأضرار التي يلحقونها بالبلاد والعباد، سواء من الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الديمقراطي. واستغرب شباط للذين يرفضون اصطفاف حزب الاستقلال مع العدالة والتنمية، موضحا أن المجلس الوطني لحزبه قرر المشاركة في حكومة بنكيران، وهو الجهاز التنظيمي نفسه الذي سبق له أن قرر الانسحاب منها، متسائلا كيف أن الذين أقلقهم قرار المشاركة، لم يعبروا على القلق نفسه من قرار الانسحاب. وذهب شباط حد اعتبار أن الحزب الحاكم،الذي كان في العهد القريب،" يدعي تشبثه بالدين وبالأخلاق ومحاربته للفساد الانتخابي، ورفضه للأعيان وللكائنات الانتخابية"،أصبح "لا يبالي بالأخلاق ويزكي الفساد والمفسدين ويستقطب الأعيان وباتت أبوابه مشرعة لأصحاب السوابق والمهربين والمتابعين أمام المحاكم ، وهاجس قادته هو ربح الانتخابات بأي طريقة كانت". الحرب على الداخلية اتسعت دائرة المواجهة بين حزب الاستقلال والداخلية، ولم يتردد حميد شباط، الأمين العام للحزب، في بعث رسائل تهدد بإشعال انتفاضة بين سكان الأطلس المتوسط ضد نزع ملكية أراضيهم. وأعلن شباط أنه سيحل بخنيفرة لدعم مطالب المحتجين، مؤكدا خلال ترؤسه اجتماعا مع ممثلي قبائل زيان، أن الاستقلاليين مجندون إلى جانب جميع المظلومين من أجل رفع "الحكرة" عنهم، معتبرا أن رسالة الحزب هي الدفاع عن القضايا العادلة للوطن والمواطنين، وأنه لن يدخر جهدا في الدفاع عن القضايا المشروعة، وأن الحزب توصل بملفات مماثلة في إشارة إلى الفضيحة التي فجرها نواب أراضي الجماعة السلالية بخنيفرة، إثر تفويت 200 هكتار رغم صدور ثلاثة أحكام بإفراغها وردها لأصحاب الحق فيها. واعتبر الأمين العام في هجومه على الداخلية أن الوطنية تقتضي أن تكون الثروة في متناول الجميع، وأن كل شخص ينال نصيبه منها، مستهجنا استفادة "خدام الدولة" من بقع أرضية بـ 350 درهما للمتر المربع، في حين أن المواطنين المغلوب على أمرهم يعانون شظف العيش في أحياء صفيحية وترفض الدولة بيعهم بقعا أرضية بأسعار تفضيلية منخفضة، تمكنهم من بناء مساكن لائقة. وفي رسالة تهديدية الداخلية والحكومة وكل من يهمه الأمر تبنى خطاب المدافع عن الفقراء "الذين يشتغلون من أجل ضمان قوت يومهم هم الضامن لاستقرار البلاد وليس من يتلقون الرواتب السمينة"، مسجلا أن "العجز الذي يعرفه الاقتصاد الوطني، مرده بالأساس إلى قرارات حكومية كان هدفها الوحيد هو الزيادة في أسعار المواد الأساسية وفواتير الماء والكهرباء والضرائب. وجر على أعضاء حزبه متابعات قضائية عندما اتهم الحزب رجال الإدارة والترابية بالمشاركة في الجرائم الانتخابية، على اعتبار "أنهم يعلمون علم اليقين أن الغالبية الساحقة من الذين ترشحوا لانتخابات مجلس المستشارين سخروا أموالا طائلة للظفر بالمقعد". ودفع الأمين العام لسان حال الحزب إلى إعلان "حقيقة يعرفها القاصي والداني مفادها أن جزءا من الأموال المشبوهة دخلت جيوب العمال و الولاة أنفسهم"، مع مطالبة النيابة العامة بفتح تحقيق في الانتخابات برمتها، لا أن تقتصر وزارتا الداخلية والعدل على تقديم عينة لاقتراف جريمة أخطر، تتمثل في محاولة إضفاء الشرعية والمصداقية على عمل أصله باطل و فاسد" . تهمة ابتزاز الدولة وصل شباط إلى نقطة اللا عودة عندما اتهمه محمد حصاد وزير الداخلية، خلال اجتماع لمجلس الحكومة، بمحاولة ابتزاز الدولة من أجل الحصول على رئاسة جهة، الأمر الذي جعل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، يتدخل للحد من تداعيات ذلك مطالبا من الوزراء التكتم عن المعلومات التي كشف عنها حصاد، لأنها قد تشكل النهاية السياسية لشباط، وذلك حفاضا منه على تماسك حزب الاستقلال، إلى نهاية الولاية الحكومية. وفي تفاصيل ما قاله وزير الداخلية، أن شباط حاول، عشية يوم انتخاب رؤساء الجهات، ابتزاز رجال الإدارة الترابية والضغط عليهم من أجل التدخل لتمكينه من الحصول على رئاسة جهة فاس- مكناس، تعويضا له عن فقدان عمودية العاصمة العلمية، وأنه طلب من ممثلي الدولة استعمال كل الوسائل المتاحة من أجل إرغام ستة أعضاء من التجمع الوطني للأحرار على التصويت لصالحه. ومنذ ليلة انتخاب امحند العنصر، الأمين العام للحركة الشعبية، رئيسا لجهة فاس بدأ شباط التهديد بدعم حزب العدالة والتنمية في ما تبقى من مراحل الاستحقاقات الجارية، وذلك في إشارة إلى انتخاب رؤساء الجهات والجماعات ومجالس العمالات والأقاليم، في حال عدم الرضوخ لطلبه، القاضي بالحصول على رئاسة جهة فاس-مكناس، ثمنا لبقائه في المعارضة. لكن رد الدولة على الابتزازات كان حاسما، إذ لم يتأخر رجال الإدارة الترابية بتنبيهه، إلى أن الداخلية لن تفرط في مبدأ الحياد التام بين المتنافسين في المسلسل الانتخابي من رئاسة أصغر جماعة إلى رئاسة أكبر الجهات، وأن الدولة ستبقي على المسافة نفسها من كل الأحزاب ولن تتدخل لفرض نتيجة مسبقة كيف ما كانت الأسباب. ورغم أن الأمين العام لحزب الاستقلال فضل التزام الصمت حينها، كشفت الأسابيع الموالية بأن في الأمر "رائحة انتقام من الأصالة والمعاصرة، إذ سيعتبر الحزب أن "الجهة التي تضع العصي في عجلات مركب تشكيل الحكومة الجديدة هي نفس الجهة التي فجرت مأساة ''اكديم إيزيك''، في إشارة إلى إلياس العماري الأمين العالم للبام، الذي اتهمه شباط بـ"تصفية حسابات سياسية ضيقة وخبيثة تجازف بالوطن برمته. ووصل الأمر بشباط إلى اتهام الخصوم بالتآمر بالوطن مرة أخرى مع بدالة المشاورات الحكومة برئاسة عبد الإله بنكيران، من خلال السعي إلى جمع الأغلبية وضمان شروط انتخاب رئيس لمجلس النواب، من هذه الأغلبية التي ستكون أغلبية معارضة لرئيس الحكومة في مشهد سريالي لا يحدث إلا في دهاليز المختبرات السيئة الذكر". ياسين قطيب

شبـاط … “الـدون كيشـوت”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عاجل ... رينار يعلن عن لائحة المنتخب النهائية لكأس إفريقيا 2017

اعتراض "حراكة " بالحسيمة

مقالات ذات صلة