الصباح ترصد الدقائق الأخيرة قبل الانتهاء من عمليات التنقيب ومحاولات لمسح دماء الضحايا في جلباب صاحب العمارة لوحده شيع قتلى عمارة الموت بشارع إدريس الحارثي إلى مثواهم الأخير، ويستعد ما تبقى من جرحى ومصابين ومعطوبين لمغادرة أقسام المستعجلات والعلاج بمستشفى ابن رشد و20 غشت، بعضهم بعاهات مستديمة، وآخرون دون أطراف، مثل طبيبة الأسنان التي فقدت ساقها، بعد أن هوى عليها حجر كبير، وكثير منهم بألم يدمي الروح. إنجاز: يوسف الساكت - تصوير: (عبد الحق خليفة) الحزن مازال يخيم على الزنقة 10 بجميلة 3 والأزقة والأحياء المتفرعة عن شارع الشجر، حيث رائحة الموت والدمار ومشاعر الخوف تسكن القلوب من "هبة إسمنتية"أخرى بمنازل أغلبها شيد بسواعد الغش والتدليس في وثائق البناء والتراخيص وشهادات المراقبة والدراسات والخبرات، بمباركة من مسؤولين في السلطة. وانتهت الحصيلة، بألطاف الله وحده، عند أربعة قتلى (رجلان، وامرأة وطفلة) و24 مصابا إصابات متفاوتة الخطورة، غادر تسعة منهم أقسام العلاج، لكن لم تتوقف الأسئلة التي ستُجيب التحقيقات الأمنية والقضائية عن جزء منها، ويبقى أغلبها معلقا مثل "أسوار"مهترئة ستسقط، يوما ما، فوق رؤوس الجميع. دقيقة النهاية الساعة تشير إلى الخامسة و50 دقيقة، حين ركبت خديجة بن الشويخ، عامل عمالة مقاطعات سيدي عثمان ابن امسيك، رقم هاتف والي جهة البيضاء- سطات، وأخبرته بالانتهاء الرسمي لعمليات البحث والتنقيب وسط أنقاض البناية ذات أربعة طوابق ومقهى سفلي التي انهارت بعيد عصر الجمعة الماضي، كما أخبرته بالحصيلة النهائية (أربعة قتلى و24 مصابا وإخلاء عمارة مجاورة من سكانها بعد تقوية طوابقها الثلاثة بدعامات حديدية). قبل ذلك، كانت العاملة توصلت بإشارة من المنسق العام للعمليات الميدانية الذي أخبرها بخلو أطلال مقهى "سمر"من أي جثث، بعد أن ذاعت أخبار تؤكد وجود عامل دفن تحت أنقاض "الكونطوار الإسمنتي"، وآخر موجود في المرحاض، لكن بعد عمليات بحث دقيقة باستعمال الكلاب المدربة وكاميرات متخصصة وجرف حذر للأتربة، تم التأكد من خلو المكان من أي ضحايا جدد، علما أن آخر جثة عثر عليها كانت في حدود الثالثة عصرا، وهي لرجل يرجح أن يكون الضحية نفسه الذي كان يربط الاتصال بزوجته بواسطة هاتفه من وسط الأنقاض. لحظات عصيبة مرت عمليات التأكد من وجود ضحايا آخرين وسط الردم، عصيبة على عشرات المسؤولين والمنسقين، إذ ظل الجميع يضع يده على قلبه خوفا من ارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من أربعة، كما كان المسؤولون يتابعون بحذر أشغال جرف الحجارة وقضبان في الجزء المتبقي من العمارة المنهارة والمتاخم للمنزل المجاور، فيما عيون تقنيي الوقاية المدنية لا تفارق آلة رصد التصدعات وتململ المباني (عبارة عن آلة فوتوغرافية)، المثبتة فوق أرجل معدنية مباشرة أمام الأنقاض. تقترب الجرافة من حافة المنزل المجاور المقوى بدعامات حديدية على مستوى طوابقه الثلاثة، وتتعقبها عناصر مدربة من الوقاية المدنية التي تشير لصاحبها بمكان الجرف، دون التقدم كثيرا إلى الأمام، وحين تشتبك القضبان الحديدية بأسنان الجرافة، تستدعى فرق جديدة تحمل ملاقط كبيرة لقطع الأسلاك وإعطاء الإذن بالتقدم. بعد ساعة، ترفع شارة الانتهاء من العمل، ويتنفس الجميع الصعداء، وتتحرك الحرارة في الهواتف لإعلان الحصيلة النهائية وإعطاء الأمر بإخلاء المكان من القوات الأساسية، مع الإبقاء على وحدات صغيرة من الوقاية المدنية والأمن والقوات المساعدة وأعوان السلطة لمراقبة التطورات وتسجيلها. في هذه الأثناء أيضا، شرعت عناصر الوقاية المدنية في جمع معداتها وآلياتها التقنية التي استعانوا بها في عمليات التنقيب ووضعها في شاحنات خاصة استعدادا للمغادرة تدريجيا من المكان، علما أن القيادة الجهوية استعانت، تقريبا، بجميع معداتها الثقيلة وأجهزتها المتطورة وعناصرها المتدربة في برنامج التصنيف الدولي والتدريب على الكوارث في سويسرا، للحد من الخسائر في الأرواح، والوصول إلى أكبر قدر من الأحياء وسط الردم. لصوص في جبة متطوعين شاحنات شركتي النظافة (سيطا البيضاء وأفيردا) وعمالهما ومعداتهما (جرافات ونقالات) مازالت تجمع جبال الأتربة والحجارة والقضبان الحديدية وبقايا أثاث في مكان واحد وسط الشارع، ثم تتكلف الشاحنات بنقلها إلى مطرح مديونة القريب، حسب رواية، أما في رواية أخرى، فإن أيادي تدخلت لبيع هذا الركام إلى تجار الخردة الذين ينتعشون في مثل هذه المناسبات. شارع إدريس الحارثي مطوق من المدخلين، خصوصا من جهة شارع محمد السادس، حيث ضربت حراسة مشددة على جميع المنافذ والأزقة الصغيرة، لمنع تسلسل لصوص في جبة متطوعين كان بعضهم وصل إلى المنطقة فور وقوع الكارثة، ونهب ما شاء له شيطانه أن ينهب، قبل وصول رجال الوقاية المدنية وعناصر الأمن والقوات المساعدة وبعض أعوان السلطة الذين يحفظون وجوههم وسحنــــــــاتهم. بضع ساعات، يستعيد شارع الشجر، واحد من شرايين مقاطعتي سباتة وابن امسيك، حركيته، بعد ثلاثة أيام من الإغلاق، ويعود النشاط إلى محلاته ومقاهيه ومطاعم السمك و"التقلية"وسندويشات "الطون والحرور"التي يشتهر بها، في ما لم تعرف الوجهة التي رحلت إليها أسر ضحايا العمارة المنهارة، أو السكان الذين جرى إخلاؤهم من البنايات المجاورة وطبيعة الاتفاقات التي أبرموها مع السلطات المحلية، علما أن الأمر يتعلق بعائلة واحدة تقريبا، يقطن أبناؤها شقق المنزلين المخليين. سقطت العمارة علقوا "إزنهاور" بالموازاة، مازالت الأخبار تتضارب حول سير التحقيقات الأمنية والقضائية التي باشرتها السلطات المختصة بأوامر من وكيل الملك بابتدائية البيضاء، إذ تحدثت مصادر عن اعتقال مسؤول بقسم التصاميم بمقاطعة سباتة والبحث عن مسؤول آخر، وهي المعطيات التي لم تتأكد "الصباح"من صحتها، فيما مازال البحث جاريا مع صاحب العمارة المدعو "إزنهاور"، وهو رئيس شركة للبناء "طاشرون"في الوقت نفسه.وتجري محاولات للترويج إلى رواية واحدة من قبل أطراف في السطات المحلية مفادها أن صاحب العمارة يتوفر على الرخص اللازمة مسلمة له من مجلس المدينة في 2014، وهو ما أكده سعيد كشاني، رئيس مقاطعة سباتة، في أكثر من تصريح صحافي، نافيا علاقة المقاطعة ومصالحها مع الموضوع. وحسب كشاني، فإن مجلس المدينة يتوفر على ملف العمارة المنهارة الذي يحتوي جميع الوثائق الضرورية للحصول على الترخيص ببناء الطابقين الثالث والرابع، بما فيها وثيقة لمكتب الدراسات الذي استخرجها منذ سنتين ونصف.وأضاف الرئيس أن الأساس الذي بنيت عليه العمارة ربما كان فيه خلل، أو أنه متقادم، معتبرا أن الجماعة تقوم بعملها العادي في مسألة منح الرخص، وغالبا فإن مكتب الدراسات الذي أعطى الإذن والمهندس الذي أشرف على العملية سيتحملان المسؤولية الكبرى في الحادث، لأن الجماعة حصلت على وثائق واتخذت قرارها اعتمادا على وثائق رسمية حددها القانون.