بداية الانهيار

تفقد جبهة بوليساريو ثاني زعيم لها، وتنتقل "الدولة"، بعد أيام، إلى تجريب جمهورية ثالثة برئيس جديد يتسلم مهامه الرسمية بعد موافقة حكام قصر المرادية الذين يشرفون، منذ سنة تقريبا، عن انتقال "سلس" للسلطة لا يثير انتباها، ولا يؤثر على "الأفق الكبير" لمشروع الانفصال وإقامة "دولة مستقلة" في جنوب المغرب.المشروع الذي يقترب من عقده الخامس لم يكتمل بعد، لأخطاء في الحسابات السياسية وغموض النوايا بين مجموعة من الشباب الثائر كانت تحلم، بداية السبعينات، بخلق كيان مستقل فوق جزء من الصحراء المغربية، وبين مخططات جبهة التحرير الجزائرية التي كان منتهى طموحها زرع حصاة مؤلمة في الحذاء المغربي، تلبية لأحقاد قديمة، أهمها الهزيمة النكراء في حرب الرمال، حين اقتربت فيالق الجنرال إدريس بنعمر من الجزائر العاصمة، قبل أن تتلقى أوامر من الملك الراحل بالعودة إلى الحـــــــدود.منذ نهاية التسعينات، ومباشرة بعد وقف إطلاق النار، وبناء الجدار الأمني العازل، أدركت القيادة السياسية للجبهة ووراءها الجزائر أن جزءا أساسيا من الحلم تبخر، إذ كانت تعول على حسم مشروع الانفصال في الميدان العسكري، بدعم من المليشيات العسكرية الإفريقية والكوبية والليبية، بخبرة جزائرية وسورية.بعد هذه المرحلة، لم تعد بحوزة البوليساريو غير حملات الدعاية وأبواق الجمعيات الدولية وشراء ولاءات الدول وبعض المؤسسات، وهي المرحلة التي غادرت فيها جميع القيادات ولاية تندوف وانتشروا في قصور العالم، والعقلاء منهم فهموا اللعبة باكرا، وعادوا إلى المغرب في إطار نداء الملك الراحل إن الوطن غفور رحيم.لم تخرج الجبهة عن الصراعات والتقاطبات الجزائرية، ويزيد موت محمد عبد العزيز المراكشي من حدة الارتباط بحكام قصر المرادية، لأسباب مالية واقتصادية من أجل الاستمرار، خصوصا مع الدعوات التي بدأت تنتعش وسط المجتمع السياسي الجزائري بإنهاء حكاية دولة في الجنوب المغربي، وتحويل الأموال التي تصرف عليها إلى بطون الجزائريين واستثمارها في مشاريع تنموية توفر لهم الشغل والعيش الكريم.ذاتيا، أصبح المشروع برمته عبئا ثقيلا على مؤسسيه الأوائل الذين أعياهم الانتظار، أو غيبهم الموت (أغلبهم من مواليد نهاية الأربعينات)، كما فقد عدد من المؤمنين به حماسهم، خصوصا في ظل المعطيات الإقليمية والدولية وتعامل المنتظم الدولي مع مقترح الحكم الذاتي في إطار الجهوية الموسعة بمسؤولية وثقة كبيرة.ومؤكد أن الزعيم الجديد للجبهة ورئيس "الدولة الصحراوية"، سيتسلم كيانا فارغا من أي محتوى، وأضحى مصدر إزعاج للمراقبين الدوليين، في ظل تنامي المد المتطرف وانمحاء الحدود بين دعوات الانفصال ونوايا الإرهاب العابر للقارات.ولا نتوقع، على المدى المنظور على الأقل، سوى تزكية رئيس موال للاختيارات الجزائرية التي تصم آذانها عن التحولات الجيوإستراتيجية التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا، إذ حذرت تقارير أمريكية من تحول مخيمات تندوف مرتعا مفضلا للعصابات الإجرامية والمجموعات الجهادية التي تنشط بمنطقة الساحل والصحراء، كما قالت التقارير نفسها إنه لم يعد هناك أي شك في الطابع القابل للانفجار والهش للوضع الأمني بالمنطقة، ما يفرض على المجموعة الدولية أن تظل يقظة وأن تولي اهتماما خاصا لهذا الوضع أكثر من أي وقت مضى.ي. س

بداية الانهيار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جنرالات الجزائر يتخلصون من الجثة

موت جديد لبوليساريو

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات