القري: ميول نحو التباهي

< ما هي التحولات التي طرأت على مظاهر الاحتفالات في المجتمع المغربي؟< التحولات عرفتها أساسا أشكال الاحتفال والفرح، وطقوسه مرتبطة عضويا بالتحولات المجتمعية الكبرى على عدة مستويات، تهم التحولات العقلية من حيث نظرتها للقيم الفرح والسعادة والمتعة والمال واللذة في ارتباطها بصورة المغربي عن الموقع الذي يريد احتلاله في التراتبية الاجتماعية، ومنها تحولات أنماط السلوك ارتباطا بما سبق، حيث من الواضح الآن أن السلوك الفردي أصبح أكثر ميلا نحو مظاهر الاستهلاك والتباهي المادي مؤشرا على موقع اجتماعي محترم. من الجديد في هذه التحولات مثلا أن التباهي وحساب موقف الآخر مما سنقدمه أصبح أكثر من أساسي، بينما كانت الاحتفلات سابقا فضاء للتعاون ولخلق تمتين أكبر لأواصر الأسرة والعائلة، بل والحي أيضا، أي أننا فقدنا ذلك الجانب الجميل والصادق والأصيل في أشكال الاحتفال ببلدنا. ويزيد من قوة المظاهر الاستلابية الجديدة السعي إلى ديمومتها في الزمن وفي الذاكرة من خلال أدوات التواصل الجماهيري اليوم التي تمنح وهما خطيرا بسهولة التحول من نكرة إلى شخصية معروفة ولو على نطاق ضيق.< لماذا في رأيك صرنا نعيش حفلات أقرب إلى البهرجة منها إلى مظاهر الفرح والاحتفالات العائلية؟< الواقع أن هذه التحولات هي في ايجابياتها طبيعية وجيدة للمضي قدما نحو مواطنة أكثر انفتاحا على الإنساني الكوني، ولكنها من حيث سلبياتها تشكل خطرا جسيما، عندما تتبنى عولمة تلغي المحلي قيما جمالية وفضاءات للتحكم في التنشئة الاجتماعية والتربية العمومية، على أسس أصيلة لن يستقيم أي تطور دون احترامها وتجديدها باستمرار كرابط بين حاضر وجذور تمنحه المعنى والشرعية النفسية والمهارية والحضارية والثقافية الكفيلة وحدها بالحفاظ على هوية متعددة وقوية تحمي نفسها بنفسها من كل أشكال التشظي النابعة من الذات كما الآتية عنوة من الآخر.< هذا التحول لم يقتصر على الطبقات الغنية والميسورة، بل انتقل إلى الفئات الفقيرة. لماذا برأيك؟< هي العولمة كما سبق وقلت، وكي نكون واضحين أكثر، فالمقصود بالعولمة بالمعنى العام للكلمة أي الأنثروبولوجي هو سيادة وهيمنة نمط عيش في فضاءاتنا العمومية لباسا وأكلا ولغة وتأثيثا وسلوكا عموميا في اليومي، وهو تحت ضغط التشبه بالمظاهر الخارجية لخليط مما يغزو مجالاتنا البصرية والجمالية والتواصلية بشكل هجين. أقصد عندما تجد في كل مظاهر الحياة اليومية لأغلبية الناس، خلطا لأذواق واختيارات وتصورات هي منسجمة ولا هي متجانسة أو أصيلة. يحدث هذا في تسيير الحياة والمعاملات، سواء إزاء الذات أو في التعامل مع الآخر ومع البيئة، يتم ذلك بشكل عشوائي غير واعي، يحتقر المحلي ولا يأخذ من الخارجي إلا السطحي والأسهل واللذيذ والممتع دون انتباه لما ينفع جماعيا ويُحسِّن نوعيّة الحياة ويحافظ على الأصول، عندما تجد مظاهر مثل هذه غالبة في السلوك والتصرف والكلام واللباس والعلاقات، فاعلم أن البعد الثقافي الإنساني معطوب في البلد، وأن أدوات صيانته وترقيته من تعليم وإعلام على الخصوص، ليس لها إستراتيجية أصيلة تتخذ من القيم العليا نموذجا لها وغايات لتدبيرها ولوضع خططها.أجرت الحوار: هجر المغلي* (أستاذ باحث في علم الاجتماع، أستاذ الفلسفة وناقد الجماليات البصرية).

القري: ميول نحو التباهي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التامك يحارب التطرف في السجون

تجارة القرقوبي... المتاهة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات