الموكـب الملكـي … ثغـرات الاختـراق الأمنـي

تغييرات في سلوك الحرس الشخصي بين ملكين كشفها تنامي حوادث اعتراض الموكب الملكي فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي تنقلاته داخل المغرب في عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، ظل حراسه الشخصيون في الظل، لم يكن يتعرف على الكثير منهم، إلا من هم في واجهة تحركات الملك.وهنا برز اسم الحاج المديوري، بوصفه أقرب الشخصيات إلى الملك وأكثر نفوذا داخل محيطه الأمني. لم يكن يوما رجال الملك موضوع صفحات الجرائد، ولا خبر المغاربة بما يطولهم من غضبات ملكية بين الفينة والأخرى، ولم يعلم الناس يوما أنهم ارتكبوا أخطاء عوقبوا بشأنها أن نقلوا إلى مقرات الأمن لإعادة التكوين. بالمقابل، تحول حرس الملك حاليا إلى «أبطال» يتصدرون أغلفة المجلات والجرائد والمواقع، تتسرب أخبارهم إلى العلن ويعرف الكثيرون تفاصيل حياتهم ! أبان اعتراض مواطن للموكب الملكي عن خلل كبير في التغطية الأمنية. فقد نجح شخص مجهول الهوية، لدى المصالح الأمنية، في الوصول إلى جلالة الملك بل اعترض سيارته على دفعتين واستطاع الوصول إلى شخصه عبر النافذة المفتوحة لسيارته. مَشاهد الحادث التي رصدتها كاميرا هواة، كانوا يلتقطون تنقل الملك في طريقه عائدا من نشاط رسمي، تبين وجود مواقف الحرس الملكي في التعاطي مع الحادث، وتعيد إلى النقاش التحولات التي شهدها هذا الجهاز القريب من الملك. الحرس بين ملكين أعاد تكرار حوادث اعتراض مواكب الملك خلال تنقلاته، في العيون والرباط وسلا، الجدل حول الأدوار التي يقوم بها حراس الملك الشخصيون. فالأمر يتعلق بأناس يشتغلون بالقرب من الملك وينتمون إداريا إلى المديرية العامة للأمن الوطني، لكن نفوذهم يفوق بكثير هذا الجهاز الأمني، الذي يضع تحت تصرفهم كل عناصره وإمكانياته خلال تحركات الملك في الحل والترحال. بالمقابل، وقع تحول في تعاطي بعض المواطنين مع جهاز الحرس الشخصي، إذ تؤكد حوادث اعتراض المواكب الملكية أنهم لم يعودوا يعيرون اهتماما لتبعات أفعالهم والخطر، الذي يمكن أن يتسببوا فيه بتعرض حياة آخرين للخطر بحثا عن حلول لمشاكلهم الشخصية. مشاهد اعتراض الموكب الملكي ليست جديدة على الملوك المغاربة، فالمعترضون يرون في الملك آخر ملجأ لحل مشاكلهم الاجتماعية أو الاقتصادية، ورفع تظلماتهم ضد المسؤولين، بعد أن سدت في وجوههم كل السبل، وهي حالة سيكولوجية تعكس تمثلات العلاقة القائمة بين الرعية والسلطان الذي يملك لوحدة القدرة على التفاعل مع حاجيات الناس، إن بمعاقبة المقصرين أو بالعطاء للراغبين في قضاء مآرب شخصية. وفي الحديث عن ثقافة اعتراض الملك تحضر صورة الملك الراحل الحسن الثاني، حينما اعترضته فتاة بأحد الأنشطة الرسمية، وهو يسير رفقة فوانسوا متيران، الرئيس الفرنسي الراحل، إذ تناقلت الكثير من وسائل الإعلام الدولية مشهد تلك الفتاة وقد التقطتها أيادي الحراس الشخصيين للملك حينها، أمام اندهاش الملك الحسن الثاني الذي لم يتعود على هكذا مشاهد، بخلاف خلفه الملك محمد السادس الذي دأب على الاقتراب من مواطنيه في الداخل كما في الخارج. لقد أملت التحولات الاجتماعية التي كرست لثقافة التواصل، على الحرس الشخصي للملك تغيير عاداتهم وطريقة تعاملهم مع المواطنين، بل إن تناقل أخبار الحراس الشخصيين وتسريب بعض الأنباء عن أنشطتهم وغضبات الملك على تصرفاتهم، جعلتهم أناسا عاديين ورفعت عنهم تلك الهالة التي رافقت الحرس الملكي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. فبقدر ما يحفظ كثير من المغاربة أسماء الحراس الشخصيين للملك واحدا واحدا، ويعرفون الكثير عن حياتهم الشخصية والمهنية والرياضية، بقدر ما كانوا يجهلون كل شيء عن حرس الملك في السابق، ولا يعرفون منهم إلا الحاج المديوري. أفراد أقوى من المؤسسة بعد مجيء الملك محمد السادس، اختلف الأمر بشكل كبير، فقد أصبح الحراس مثار وسائل الإعلام يغذون الكثير من ملفات التحقيقات، ومع أخطائهم المتكررة تتكرر صورهم على صفحات الجرائد. قد يكون لهذا التحول علاقة بإرادة ملكية ترفض استقواء بعض المسؤولين بالمناصب أو بقربهم من محيط الملك، لكن تسريب الأخبار حول أخطاء هؤلاء الحراس، يثير أكثر من علامة استفهام، حول وجود خلفيات وتصفية حسابات داخل المربع الأمني القريب من الملك. كما أن بعض مصادماتهم مع المواطنين وضعت بعض حراس الملك في واجهة الأحداث وفي صدارة اهتمامات الرأي العام، وهنا لم تكن قصة عائشة أزهاري، التي فجرت قضية تعرضها للسب والشتم من طرف حارس الملك سوى واحدة من الحكايات التي ترافق تصرفات حراس الملك. لقد سعى الملك إلى تغيير جهاز الحرس الخاص، بأن وضعه خارج إدارة مديرية أمن القصور، التي كانت تتسق مباشرة بأمن الملك سواء في تحركاته أو بالإقامات التي ينزل بها. ومنذ سنة 2002 اهتم الملك محمد السادس بتسيير حرسه الخاص بنفسه، فتقوت علاقته المباشرة بهم، وترك لجهاز أمن القصور مهمة السهر على حراسة وحماية القصور والإقامات الملكية بعدد من المدن التي يستقر بها الملك، وقد كان لهذا التحول أثر كبير على طريقة عمل الحرس الخاص المقرب من الملك، إذ تحول إلى آمر ناهٍ ومتحكم بزمام الأمور كلها خلال التنقلات الملكية بالمدن. لقد أضحت حراسة الملك مؤسسة «شبه مستقلة» عن قطاع الأمن برمته، تتحكم في شرايين مختلف أسلاك السلطة داخل المجال الترابي الذي يحل به الملك. وضمن هذه السطوة، فإن الحرس الشخصي للملك وإن كانوا يتبعون إداريا للمديرية العامة للأمن الوطني، فإن تأثيرهم على رجالاتها يكون أقوى وظاهرا خلال تنقلات الملك، فيتحولون إلى الآمرين الناهين ويتكفلون بالتنسيق بين مختلف المصالح الأمنية على صعيد منطقة تحرك الموكب الملكي، بل إن العقوبات التي تصدرها المديرية العامة للأمن الوطني في حق بعض الأمنيين المتهاونين خلال سير الموكب، غالبا ما يكون مصدرها الحرس الشخصي الذين يلتقطون كل ما يدور في محيط تنقل الملك. "موضة" اعتراض الموكب الملكي لقد كان حادث اعتراض سيارة الموكب الملكي بالرباط، إنذارا مسبقا بوجود تغير في سلوك بعض المواطنين في علاقتهم بالملك، إذ لم يعد تسليم الرسائل يكفي لإخبار الملك، بعد أن بات اعتراض الموكب الملكي برمته وتوقيف مساره «موضة»، كما وقع في العيون والرباط وسلا، ونهجا جديدا لمن أراد الوصول إلى الملك، فتكرار هذه النوعية من الحوادث يفيد بتحول الحالتين المعزولتين إلى ظاهرة تجذب إليها المغاربة الراغبين في الوصول إلى الملك، ما يعني أن الفكرة تحمل مخاطر مضمرة لأنها قد تحرك أخطارا محذقة تعدد سلامة الموكب الملكي. في التعاطي مع هذه الوضعيات الأمنية، خاصة حينما يتعلق الأمر بالسلامة الجسدية للأفراد، نشأت مجموعة من النظريات الأمنية التي أسس لها مجموعة من الباحثين في العلوم الأمنية، تسمح بقراءة علمية لواقعة اختراق الموكب الملكي، يتعلق الأمر هنا بـ»نظرية التسامح صفر»، التي جاءت تتويجا لمجموعة من الإنتاجات الفكرية حول الأمن، سواء منها النظريات التقليدية التي كان أبرزها فكرة «النوافذ المكسورة»، وقد وضعها سنة 1980 الباحثان في سوسيولوجيا الإجرام، جيمس ولسون وجورج كلينغ، أو ما تلاها من نظريات جديدة تقوم على فكرة «النزول بتعريف الانحراف» كما نشرها عالم الاجتماع الأمريكي دانييل باتريك موينهان سنة 1993. تقوم فكرة «التسامح صفر» على سياسة اللاتهاون في التعاطي مع الأحداث وعدم استسهالها بعد وقوعها. ومن هنا يمكن أن نقرأ حادث اخترق شاب كان يحمل مطالب اجتماعية للموكب الملكي. التعليقات التي تلت انتشار مقطع فيديو اعتراض مواطن للموكب الملكي بالرباط، أثارت مسؤولية الحرس الشخصي في عدم تأمين حماية كافية لسير الموكب، بدءا من طريقة تعاطي سائق سيارة الملك مع الحدث الفجائي وصولا إلى ردة فعل الحرس واعتقال الشخص المخالف. ولا بد أن نشير هنا إلى أن بعض المعطيات بشأن التعامل مع الواقعة تبقى مجهولة، إذ لا يتصور أن يأمر الملك بصدم مواطن اقتراب منه، وهو الذي يلح على مرافقيه من الأمنيين بأن يفسحوا المجال للمواطنين للسلام عليه ومبادلته التحية خلال عبور موكبه. إلا أن عودة الحارس الشخصي، عزيز الجعايدي، مباشرة بعد الواقعة تنبئ بوجود تغييرات أعادته إلى الواجهة في رحلة الملك إلى روسيا. قراءة في الحادث أظهر مقطع الفيديو الذي سجل واقعة اختراق الموكب الملكي، أن الشاب الذي كان يحضر للوصول إلى الملك بدا مترددا بداية مع اقتراب العربة. في المشهد يظهر الرجل مترددا قليلا قبل أن يبادر إلى فعله. وبين التفكير والتنفيذ كان يمكن لحرس الأمن أن يلتقطوا حركات الشاب لو أن تركيزهم وقع على الجمهور المصطف على جنبات الطريق. فالأمر لم يكن يتطلب أكثر من فِراسة أمنية تسمح للحرس المرافق لسيارة الملك بالانتباه إلى حركات غير طبيعية لشخص ما يقف منتظرا وصول الملك، علما أن المكان الذي ظهر فيه الشاب لم يكن مكتظا بالناس يحجب الرؤية عن الحرس. وباستعادة المقطع المصور يبدو أن الشاب كان يركز في قراءته لمشهد تنقل الملك على الحراس المرافقين له بشكل خاص، وهو ما جعله يختار الوقت المناسب للعبور أمام الموكب، فتمكن من خلال رصده للسيارات المحيطة بالموكب من التحرك بكل حرية بين سيارات الحرس الملكي وصولا إلى سيارة الملك التي كانت تتقدم باقي العربات. وإذا عكسنا هذه الصورة يبدو لنا كأن الجهاز الأمني الذي يرافق الملك كان منشغلا بتتبع مسار السيارة الملكية، دون أن تقع عينه على ما يجري في المحيط حيث يصطف المارة يبادلون عاهل البلاد التحية. بعد أن نجح الشاب في اختراق الموكب الملكي، كانت ردة فعل الحرس الأمني سريعة، لكنها لم تكن بالنجاعة الكافية التي تقطع الطريق على الاقتراب من الملك، وقد بدا أن التعاطي الأمني مع الاختراق كان يتطلب لياقة أكبر تفترض أن تتم عملية التدخل الأمنية لتوقيف «المشتبه به» منذ اللحظة الأولى، إذ لم تنفع «السرعة الثانية» في اعتقال الشاب الذي ابتعد بخطوات قبل أن يتم إيقافه في مكان آخر بعيدا عن الشارع قريبا من الرصيف. وهنا يمكن القول إن الطريقة التي كانت تتموقع بها سيارة الحرس لم تسعف حراس الملك في ردة فعل أسرع في التعاطي مع «الخطر»، ما يفيد بوجود خلل في قياس المسافة الكافية التي وجب أن تأخذها عربات الحرس الملكي خلال سير سيارة الملك، وهي كلها ملاحظات تظهر بالعين المجردة لكل ما تابع فيديو اختراق الموكب. ولأن مسؤولية حماية الملك تقع على كاهل قطاع الأمن بمختلف مصالحه، فإن خللا آخر يوجد في المكان الذي انطلق منه الشاب الذي كان ينوي أن يعرض مشكلته الخاصة على الملك. فباعتماد نظرية «التسامح صفر» التي تؤطر عمل الأجهزة الأمنية في مثل هذه المواقف، يمكن القول إنه وقع تقصير على مستوى التغطية المخصصة لمحيط تنقل الملك، إذ كان يفترض وجود عناصر أمن تمنع تسلل الأشخاص إلى الطريق العام بشكل يعرض حياة الآخرين للخطر، بمعنى أن وجود أمنيين بزي رسمي أو مدني مهمتهم متابعة ما يجري، وليس لتزيين جنبات الطريق فقط، يمكنه أن يشكل حاجزا وقائيا متقدما أثناء عبور الموكب الملكي. السجن لمعترضي الموكب الملكي تكرار حوادث اعتراض الموكب الملكي، والشائعات التي تناسلت بعدها بشأن استفادة المعترضين من امتيازات ومأذونيات، أثارت مخاوف الأجهزة الأمنية ما حدا بوزارة الداخلية إلى إصدار بيان رسمي تنفي فيه بعض الإشاعات والأخبار غير الصحيحة التي تزعم أن أشخاصا استفادوا من مأذونيات للنقل خاصة بسيارات الأجرة، رغم تعمدهم عرقلة السير واعتراض مسار الموكب الملكي بالطرق العمومية، لتؤكد في نهاية المطاف أن مثل هذه الأفعال تعرض حياة مرتكبيها وحياة الغير للخطر، كما أنها تشكل جريمة يعاقب عليها القانون. لقد جاء البيان للحد من تنامي ظاهرة اعتراض الموكب الملكي في الطريق العام، وتوخت وزارة الداخلية إلى قطع الطريق أمام كل الاحتمالات الخطيرة التي قد تنتج عن انتشار الظاهرة، وإمكانية استغلالها من طرف بعض الجهات للمس بسلامة الموكب خلال سيره على الطريق العام. وتأكيدا لهذا الخيار الزجري في التعاطي مع الواقعة قضت المحكمة الابتدائية بالرباط، بسنة سجنا نافذا في حق الفتاة التي اعترضت الموكب الملكي بمدينة سلا، إذ وجهت إليها تهم عرقلة السير والتسبب في حادثة سير وتعريض حياة الغير للخطر، وذلك بعد أن اعترضت موكب الملك بسلا، ما عرضها لحادثة سير نقلت إثرها إلى المستشفى.. إحسان الحافظي

الموكـب الملكـي … ثغـرات الاختـراق الأمنـي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تقرير أسود عن مكتب التسويق والتصدير

"وحش" الصويرة .. .مجرم بالفطرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات