سفراء محيط القصر… ممثلون فوق العادة

بعضهم يُنتقون بعناية ويكون لهم خط مفتوح مع محيط الملك ظل قطاع الخارجية مجالا سياديا يختص به الملك، يعين وزراءه كما يحدد إستراتيجياته ويكلف من السفراء من ينوبون عنه لدى الدول. بعد دستور 2011 تحررت وزارة الخارجية والتعاون من الثقل الملكي، وأصبحت وزارة حزبية مثل باقي الوزارات، إلا أن هذا التحول لم يمس جوهر العمل الدبلوماسي الذي بقي خاضعا في بعض تفاصيله للإشراف الملكي. تعيين سفراء الرباط لدى الخارج لا يخضع لمنطق موحد، فبعض الأسماء يتم انتقاؤها بعناية ويجب أن تكون على اتصال مباشر بالقصر بشأن تبليغ أو تحديد بعض المواقف التي تتطلب سرعة في البت، كما هو الشأن بالنسبة إلى سفراء في عواصم فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض بلدان الخليج، بالمقابل يكون تعيين صنف ثان من السفراء من باب التمثيل الدبلوماسي. المحور الثلاثي في تاريخ العلاقات الخارجية للرباط، شكل محور واشنطن وباريس ومدريد استثناء دبلوماسيا حافظ عليه المغرب، بالنظر إلى العلاقات الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية التي تجمع هذه العواصم بالرباط. وحتى في فترة الأزمات الدبلوماسية، كما وقع مع فرنسا مؤخرا وقبلها إسبانيا، فإن حبل الود لم ينقطع يوما بالنظر إلى أهمية هذا المحور في السياسة الخارجية للمملكة. ومن هنا فإن اختيار دبلوماسيين مغاربة للعمل ببلدان هذا المحور، يخضع لمعايير دقيقة وتمحيص في طبيعة الشخصيات التي ستمثل المغرب بهذه العواصم.في التعيينات الأخيرة للسفراء وقع تعديل طفيف بخصوص محور العمل الدبلوماسي الاستراتيجي للرباط، ذلك أن سفيرة الرباط في لندن، الأمير لالة جمالة، سوف تنتقل إلى واشنطن سفيرة للمغرب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، تاركة بذلك مكانها للحقوقي عبد السلام أبودرار، الذي يروج اسمه سفيرا لدى بريطانيا. بالمقبل، لم يقع أي تغيير على محوري باريس ومدريد، إذ احتفظ السفير فاضل بنيعيش بموقعه في العاصمة الإسبانية، بينما بقي وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى، سفيرا لدى فرنسا. احتفاظ الاسمين بموقعهما الدبلوماسي يفيد أن تغيير السفير في هذين البلدين يخضع لحسابات سياسية دقيقة، تجعل الرباط قادرة على التفاعل مع أقرب حلفائها بواسطة أدوات بشرية مؤهلة.في السعودية كما في الإمارات العربية، وبلدان الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا، تتابع السلطات العليا في الدولة التفاصيل الدقيقة للإبقاء على هذه العلاقات خارج دائرة التوتر الذي يتسلل بين الفينة والأخرى إلى الروابط الدبلوماسية. داخل القصر بداية الحرص على متانة هذه الثنائيات تبدأ من طقوس تعيين السفراء بهذه البلدان، ذلك أن موافقة البلد المضيف على اسم السفير تكون شرطا مسبقا لاعتماده لديه. وإذا كان هذا الشرط جزءا من الأعراف الدبلوماسية التي سارت عليها العلاقات الدولية، فإن الدول الحليفة للمغرب يكون لها دور في تحديد طبيعة المهام التي يقوم بها المسؤول الدبلوماسي فوق أراضيها، بتنسيق مسبق ووفق أجندة قد تكون سياسية أو أمنية أو تتحكم فيها اعتبارات سياسية.قرار تعيين قريبة الملك، الأميرة لالة جمالة، سفيرة بواشنطن يؤكد حرص المملكة على العلاقات المغربية الأمريكية، ذلك أن الأميرة التي شغلت سفيرة للمملكة في لندن، سوف تشد الرحال بموجب التعيينات الأخيرة في سلك الدبلوماسية إلى العاصمة الأمريكية، حيت الرهان الإستراتيجي للدبلوماسية المغربية على دور أكبر للولايات المتحدة الأمريكية في تدعيم الخيارات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي ينهجها المغرب. وقد شكل تنقيل قريبة الملك إلى واشنطن رسالة قوية إلى بلاد تستعد لتعيش تحولا على مستوى رئاسة الدولة، إذ تراهن الرباط على أن تكون صديقة المملكة، هيلاري كلينتون، هي الساكنة الجديدة لمقر البيت الأبيض.لا أحد ينكر قوة العلاقة التي جمعت بين القصر الملكي وهيلاري كلينتون، منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حينها كانت زوجة الرئيس الأمريكي السابق كثيرة التردد على المملكة، وتحولت إلى صديقة للعائلة الملكية، وهي الصداقة التي استمرت حتى في فترة تولي هيلاري كلنتون لوزارة الخارجية، ما يفيد أن تعيين سفيرة من الأسرة الملكية سيكون له أثر إيجابي في تثمين العلاقات الثنائية بين الرباط وواشنطن. محيط الملك في السياق نفسه، حمل تعيين صديق الملك، فاضل بنيعيش، سفيرا للرباط في مدريد إشارة رمزية إلى رغبة المملكة في تقوية العلاقات مع الجارة الشمالية، سيما أن قرار التعيين جاء بعد تصاعد نفوذ الحزب الشعبي، المعروف بمواقفه المناوئة للمصالح المغربية. وقبل تعيينه سفيرا للرباط في إسبانيا ظل فاضل بنيعيش قناة اتصال بين الرباط ومدريد وقد لعب دور مبعوث للملك في الفترات التي مرت فيها العلاقات الثنائية بأزمات سياسية ودبلوماسية، إذ كان حينها يتولى مهمة بالديوان الملكي. انطلاقا من هذه المعطيات، يتضح أن تعيين فاضل بنيعيش سفيرا بإسبانيا كان رسالة تهدئة للعلاقات المغربية الإسبانية، ودعوة إلى تنمية العلاقات الاقتصادية التي وصلت ذروتها في فترة تولي بنيعيش مهمة ممثل للمملكة في الرباط. وقبل ذلك وضع القصر رجلا تربطه علاقات مباشرة مع الملك لا يحتاج وساطة لتبليغ رسائل الدولة المضيفة، كما هو شأن السفراء الذين يمرون عبر وزارة الخارجية للإخبار وليس مباشرة إلى الملك.المنطق نفسه تحكم في تعيين شكيب بنموسى سفيرا في باريس، فرغم الأزمة التي مرت بها العلاقات المغربية الفرنسية بعد حادث توجيه الاتهام إلى مدير حماية التراب الوطني، عبد اللطيف الحموشي، خلال فترة وجوده فوق التراب الفرنسي، فإن الرغبة في استعادة العلاقات بين الرباط وباريس كانت تتطلب وجود سفير قادر على التواصل مباشرة مع محيط القصر، وترتيب أمور التهدئة وإعادة العلاقات الفرنسية المغربية إلى طبيعتها. وهو الأمر الذي لعب فيه السفير المغربي، شكيب بنموسى دورا، انتهى بمراجعة شاملة للاتفاقات الثنائية وإعادة تطبيع العلاقة بين البلدين.وجود سفير، شغل منصب وزير الداخلية سابق في المغرب، حمل رسالة أخرى تفيد اختيار مسؤول خبر الملفات الأمنية، ويمكنه التنسيق بين البلدين من أجل إحباط التهديدات الأمنية وتتبع كل محاولات المس بالأمن الداخلي، وهو ما تأكد بعد الهجمات التي تعرضت لها باريس، إذ اعترفت فرنسا بدور المعلومات الأمنية، التي مرت عبر قناة مقر سفارة المغرب بباريس، في الحد من التهديدات التي استهدفت الدولة الفرنسية.إحسان الحافظي دبلوماسية الحفلات كثيرا ما وجهت الانتقادات إلى السلك الدبلوماسي المغربي، وقد ارتسمت عن هذا القطاع تمثلات سلبية بسبب طريقة اشتغاله أولا، وبسبب الضعف الذي أبانته في الدفاع عن المصالح الوطنية، وخاصة منها قضية الصحراء. وفي ظل ضعف الأداء تحولت مقرات سفارات المغرب بعدد من البلدان إلى مكاتب إدارية يشغلها سفراء يغلقون عليهم أبواب مكاتبهم لا يفتحونها إلا بمناسبة عيد العرش، حينها يتناقل التلفزيون الرسمي صورا سيئة الإخراج قادمة من مقرات البعثات الدبلوماسية المغربية بالخارج، يظهر فيها السفراء وزوجاتهم يقفون في استقبال ضيوف المغرب، وكأنهم تحولوا من دبلوماسيين إلى منظمي حفلات.

سفراء محيط القصر… ممثلون فوق العادة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ثلاثة أسئلة: المغرب يمارس سيادته

ثورة الدبلوماسية

مقالات ذات صلة