“ميمّي” و”الكميلة”… رشوة “بلا فرشة”

الهاتف الأخضر لا يفلح في محاربتها وثقافة "دهن السير" سائدة في التعاملات اليومية "ميمّي"..."الكميلة"..."قهيوة"... لحلاوة"... "مرقة"... وغيرها... كلها أسماء أبدعها المغاربة ليصفوا بها الرشوة، "بلا فرشة". إنها بمثابة "الكود Pin" بين صاحب المصلحة وذاك الذي من المفروض أن "يقضيها له"، ما أن ينطق بها الأول، حتى يفهم الثاني "الميساج"، فيخرج المارد من قمقمه أو مصباحه السحري، وتصبح كل الأمور التي كانت مستحيلة قبل قليل، ممكنة حينها.المغربي، طبّع لسنوات طويلة مع الرشوة، إلى أن أصبحت اليوم في صلب تعاملاته اليومية. إنها ثقافة. بل إنها عقيدة لن يفلح في اجتثاتها من العقليات لا هاتف أخضر ولا هم يحزنون. جميعنا يحمل شعار "دهن السير يسير" ويؤمن أنه "إيلا ما دهنتيش"... "بقيتي تما". وإذا كانت المجتمعات الغربية تعاقب مواطنيها على تقديم رشوة أو تقاضيها، فنحن في المغرب أبدا لا نعتبرها جريمة تستحق العقاب، بل وصفة ناجعة تجنبك "صداع الراس"، وتقدم لك جميع الحلول على طبق من ذهب. إنها أيضا سطوة المال ورائحته المغرية التي ما إن يشتمها الشخص حتى تخدر عقله وتشل حركته وتجعله ينطق "بلا هواه": "شبيك لبيك، عبدك وبين يديك"، لتفتح بعدها جميع الأبواب المسدودة وتنحل جميع العقد والأزمات.المغربي يحب أن يعطي الرشوة حتى وإن كانت "حاجته مقضية"، بقوة الحق والقانون. إنه بطبعه "زربان". لا يحب الانتظار في صف طويل حتى تحين "نوبته"، ويفضل أن يبحث عمن يستطيع داخل إدارة عمومية، أو جماعة، أو مقاطعة، أو غيرها، أن "يسربيه"، مقابل "قهيوة". المغربي يحب أيضا "التفشخير". لذلك يحرص في كل مكان يذهب إليه، أن "يضوّر" مع هذا وذاك، حتى تلبى جميع حاجاته وتستجاب كل طلباته ويحظى بأفضل الموجود ويكون السبّاق في كل شيء، حتى ولو على حساب زبناء آخرين، تجب معاملتهم على قدم المساواة معه حتى ولو لم يدفعوا "عمار". الكثيرون لن يكونوا متفقين، وسيدخلون مثل هذه الممارسات في خانة "البقشيش" و"البوربوار" مقابل الحصول على خدمة 5 نجوم. من حقهم... على أية حال.المغربي لا يخاف خرق القانون وعدم احترامه. يستطيع بكل تبجح أن يتحدث في هاتفه المحمول وهو يسوق سيارته، كما يستطيع "حرق" إشارة الضوء الأحمر والسياقة بسرعة قصوى لأنه يريد أن يصل إلى موعده قبل الآخرين، وعدم وضع حزام السلامة لأنه يضايقه... إنه يفضل أن يعطي "القرفية" أو "الزرقالاف" في أقصى الحالات، فقط "باش يدير داكشي اللي بغا"... ولتذهب المخالفات إلى الجحيم.للمغربي علاقة عشق أبدي مع الرشوة، راشيا كان أو مرتشيا. لذلك لن تفلح الإعلانات والحملات التحسيسية في زعزعة هذا الإحساس "الجميل" بالحب، ولا الرقم الهاتفي الأخضر للتبليغ عن الرشوة يستطيع أن يضع حدا لهذه العلاقة القوية والمريحة للطرفين.وحده إحساس الطرف الذي يدفع المال مقابل الحصول على مصلحة بأن ما يفعله عيب، وشعور الطرف الآخر بالصدمة من هذا السلوك والمهانة لشخصه، كفيلان بأن يحدا من انتشار ثقافة الرشوة في أجمل بلد في العالم. وإلى أن يحصل ذلك، بعد توالي "أجيال ورا أجيال"، فلنكتف، كما العادة، بالتفرج على البلدان المتحضرة، الراقية في سلوكاتها وتعاملاتها ومواطنتها، ولسان حالنا يقول "شحال تعطي إيلا هاد الناس مسطيين"...نورا الفواري

“ميمّي” و”الكميلة”… رشوة “بلا فرشة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وتيرة محاربة الرشوة بطيئة

عقلية "التدويرة" وراء التطبيع

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات