عقلية “التدويرة” وراء التطبيع

الحسن الثاني: لولا وجود راشين لما كان هناك مرتشون منذ أن هبت رياح الربيع العربي على المغرب، وشعارات من قبيل "محاربة الفساد"، و"محاربة الرشوة"، في ازدياد مضطرد. سياسيون يتصيدون المناسبات لرفع هذا الشعار، الذي بات شعارا لحكومة عبد الإله بنكيران، نفسها، فاستنفرت كل الوزارات، ونظمت كل منها على حدة، حملات منفردة، ووضعت "وصفات" للقضاء على هذا السرطان الذي ينخر جسم البلاد، ويهدد كافة قطاعاتها، عمومية كانت أو خصوصية بالسكتة القلبية، كان آخرها الرقم الأخضر الذي توصلت إليه وزارة العدل بغية التشجيع على التبليغ عن الرشوة.شعارات عادت لتنبعث من جديد، وبالصدفة، تبنتها جميع الأحزاب، خلال حملتها الانتخابية الأخيرة، أيا كان لونها أو موقفها: معارضة أو أغلبية، تؤكد أن هذا "الوباء" حفر جذوره عميقا لدرجة أصبح من الصعب استئصاله أو تخليص البلاد والعباد من تبعاته، رغم تناسل الآليات وتخطيط الإستراتيجيات لمكافحته، إلا أنه سرعان ما يعود واضعوها بخفي حنين، ذلك أن الخلاصة هي أن الرشوة كائن حي يتقاسم المعيش اليومي للمغاربة ولا يفرق بين ثري أو فقير منهم، ولا صغير أو كبير. فجميع المغاربة، الذين تطول ألسنتهم وتكثر شكواهم من استفحال الرشوة، لمناسبة أو دونها، وليسوا في حاجة إلى انتظار تصنيفات المغرب المتدنية في سلم ترتيب الدول في مؤشرات الرشوة وإدراكها، هم أنفسهم أول من يبادر إلى وضع أياديهم في جيوبهم لتقديم "تدويرة" أو "حلاوة"، متى وطأت أقدامهم أرضية بناية مؤسسة عمومية، أو رغبوا في قضاء إحدى مآربهم، أو جعل أحد رجال الدرك أو الشركة يتغاضى عن تجاوزاتهم، لدرجة صارت معها "التدويرة" واجبا وطنيا لا ضير منه، متى كانت طواعية، وكانوا هم المحدد الأول لطبيعتها وقيمتها. الملك الراحل، الحسن الثاني، نفسه في كتابه "ذاكرة ملك"، حينما واجهه إيريك لوران ببعض الاتهامات عن انتشار الرشوة في محيطه، لم يلم الأخير، ولم يعتبره المذنب الأول، مؤكدا "إذا كان هناك أناس من المحيطين بي مرتشين فإن الراشي هو الذي يسعى إليهم وليسوا هم الذين يبحثون عن الرشوة"، ذلك أن الواقع أن تربة المغرب الخصبة بعقليات "الراشين"، هي من يشجع على استمرار الرشوة ظاهرة مستأسدة، ويهدد بنسف أي مبادرة حكومية أو جمعوية تنأى بنفسها عن تغيير العقليات وتتمحور حول القوانين والزجر والجزاءات.هجر المغلي

عقلية “التدويرة” وراء التطبيع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"ميمّي" و"الكميلة"... رشوة "بلا فرشة"

شحال تعطيو ونحيدها

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات