حتى الأحلام عند السياسيين المغاربة تجعلك تسقط أرضا، ويؤلمك بطنك من شدة الضحك، ومهما حاولت كتم الدموع، إلا أن العين ستنزف شلالا منها، فلا تكابر أمام زعيم سياسي وهو يقص رؤياه، بل استسلم وارفع الراية البيضاء، وردد المقولة الشهيرة: "خير وسلام"، حتى لا تتهم بالجهل، وفقدان الحس الفكاهي، والرؤية السياسية العميقة، كما يقول المناضلون الباحثون عن الكراسي الحزبية.آخر "الحالمين" مصطفى الباكوري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، فقد استفاق سعيدا على غير عادته، وترك "تغوبيشته" إلى الأبد، واتجه إلى حاسوبه الشخصي للبحث في تفسير الأحلام عند أشهر المفسرين، فعثر على ضالته في كتاب "ابن سيرين".قال الباكوري: "رأيت فيما يرى النائم أنني أمشي في طريق طويل حتى أرهقني السير، فسمعت مناديا من السماء، ثم اقشعر بدني حين أخبرني أن جرارا عظيما سقط من الفضاء، وسحق قنديلا عتيقا، حينها فرح قومي بي، واحتشدوا في طوابير للسلام علي، فغارت الشمس من توهجي، وسُقت عربة (لم يتذكر نوعها ولا لونها)..." انتهت "حلمة" الباكوري على خير وسلام.وجد الباكوري في كتاب ابن سيرين ضالته، ولأنه حلم سعيد، فقد قرر أن يشارك المغاربة فرحته، فعقد ندوة صحافية فاحت منها رائحة التنجيم.قال "سي مصطفى" إن الطريق الطويل عنوان مسيرته في الحزب ومعاناته مع الأعداء، وإن المنادي "الفضائي" ليس إلا إلياس العماري صديقه ونائبه في الحزب، وكشف أن الجرار العظيم هو رمز الحزب (التراكتور) الذي سحق المصباح في الانتخابات المهنية الأخيرة، وإن قومه هم الناخبون الذين أعلنوا بتصويتهم على الحزب "استفتاء على مشروع حزب الأصالة والمعاصرة"، في حين اعتبر غيرة الشمس دليلا على طاقته الكبيرة التي استمدها من الألواح الشمسية، ورجح في تفسير "العربة التي لا لون لها" بأنها الحكومة التي باستطاعته قيادتها مستقبلا.طبعا، نسي صاحبنا الباكوري أن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سبق أن استمتع بالحلم نفسه، ففي الانتخابات البرلمانية الماضية استفاق "سي بنكيران" من نوم عميق حين نال حزبه الكعكة الانتخابية، وفسر حلمه، بعد الرجوع إلى كتاب ابن سيرين هو الآخر، بأنه بمثابة استفتاء للمغاربة على مشروع العدالة والتنمية الإسلامي، وقبله كان كل أمناء ورؤساء الأحزاب يستفيقون من سباتهم للبحث والتنقيب في الكتاب نفسه، ويكتشفون أن مشاريع أحزابهم الليبرالية واليسارية والوسطية.. هي استفتاء للمغاربة، وكل مغربي ينهض صباحا فيصوت عليه أبناؤه دليلا على أنه يملك مشروعا مجتمعيا... ووحده ابن سيرين ضاق ذرعا بتفسيره، فلعن نفسه.ولسوء حظ الباكوري، قائد مجتمعنا الجديد، أن فرحة الانتخابات المهنية قصيرة جدا، ففي خامس شتنبر سيستفيق من نومه، ويجد زعيما آخر يهلل باستفتاء المغاربة عليه، فحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، يجوب، الآن، المغرب طولا وعرضا عله يستطيع النوم قبل الانتخابات، وصلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أطلق سراح حمامته فوق الأحزاب لاصطياد المترشحين، ومحمد ساجد فك لجام حصانه، فدكت حذافيره السنبلة في البيضاء والوردة في مكناس، ومازال يجوب جهات المغرب كل نهاية الأسبوع، حتى يمتلك بدوره مشروعا مجتمعيا...ويبقى السؤال الذي عجز ابن سيرين عن تفسيره: هل هناك حزب يملك مشروعا مجتمعيا؟!ملاحظة: تصريح الباكوري في الندوة الصحافية بعد كشف نتائج الانتخابات المهنية الأخيرة جاء على الشكل التالي:"إن تصدر الحزب نتائج الانتخابات المهنية هو نوع من الاستفتاء على المشروع الذي يحمله الحزب".. وبه وجب الإعلام في انتظار تصريح آخر لزعيم آخر.(*) موقع في الواجهة www.filwajiha.com