لن يعود بإمكان الناشط الجمعوي عبد الله زعزاع أن يجاهر بقناعاته "الجمهورية"، كما كان يفعل سابقا في جلسات بوح علنية رفقة زملائه في جمعيات الأحياء بالبيضاء، بعد أن وضع مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، رقيبا قانونيا فوق رأسه، سيذكره أن المادة 206 تعاقب بالحبس من سنة إلى عشر سنوات وغرامة من ألفي إلى 100 ألف درهم كل شخص سعى، بطريقة من الطرق المباشرة أو غير المباشرة، إلى "زعزعة ولاء المواطنين للدولة ولمؤسسات الشعب المغربي".فأصحاب المسودة لم يكتفوا بحشو القانون الجنائي المعدل بعدد من المواد الغامضة التي تتحدث عن زعزعة عقيدة مسلم والازدراء بالأديان ونصب شرطة للأخلاق لمراقبة المسلمين المفطرين في رمضان من غير المفطرين، بل تجاوزوا ذلك إلى التفتيش في المعتقدات والأفكار والقناعات السياسية للمواطنين، وهل يدينون بولاء واحد للدولة (نظاما سياسيا)، أم هم على نهج سياسي آخر موجب للعقوبة الحبسية والغرامة التي تصل إلى 10 ملايين سنتيم.تصورا كم سيدفع جميع هؤلاء الذين يعبرون عن قناعات سياسية مختلفة عن "معتقدات" الدولة في اليوم الواحد، وكم عدد السنوات التي سيقضونها في مخافر الشرطة والزنازين والسجون، لمجرد أن رقيبا وشى بهم، أو نقل مشاريع "زعزعة معتقدات الآخرين للدولة" إلى سلطة تكييف "الجرائم" لتقرير "العقوبات" التي تناسبها.العقل المدبر لمسودة القانون الجنائي استبق جميع التأويلات التي يمكن أن تثيرها المادة 206، أولا بوضعها ضمن الفرع الخاص بالجنح والجنايات الخاصة بالأمن الداخلي للدولة، وثانيا بوضعها وسط جملة طويلة تتحدث عن "تسلم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من شخص أو جماعة أجنبية هبات، أو هدايا مستخدمة في تمويل نشاط من شأنه المساس بالوحدة التربية للمملكة أو استقلالها أو سيادتها"، وثالثا بالحرص على التذكير أن هذه المادة كانت قائمة منذ القانون الجنائي لسنة 1962، وبالتالي لماذا يجري الاحتجاج، اليوم، "جريمة" كان منصوص عليها قبل 53 سنة. أغلب الحقوقيين والقانونيين الذين تصدوا إلى هذه المادة، طرحوا سؤال: لماذا الحديث اقتصر، فقط، على الولاء للدولة، وليس الولاء للوطن والشعب والمجتمع مثلا؟. "فالولاء للدولة، تقول المحامية خديجة الروكاني، معناه الولاء للنظام السياسي، ومعنى ذلك أن على المعارضة أن تهيئ نفسها لدخول السجون، ونحن نقول إن الولاء يتعين أن يكون للوطن وليس للدولة لأن الدولة تحيل على النظام السياسي، ومن حقنا أن نختلف معه ويضمن لنا القانون الجنائي الصراع"، قبل أن تخلصا إلى أن "التنصيص فضفاض وسيطلق يد الضابطة القضائية والنيابة العامة لتكييف أي واقعة، أو فعل كيفما كانت طبيعته بأنه يزعزع ولاء المواطنين للدولة".وحتى إذا كانت مشاريع "زعزعة ولاء المواطنين في الدولة مقرونة، أو مشترطة بالهبات والمنح والدعم الخارجي للجمعيات والأشخاص، كما تقول وزارة العدل، فإن ذلك سيفتح باب التأويلات على مصراعيه أمام سلطات الاتهام، للتضييق على العمل الجمعوي وتقليص دائرة استفادة الجمعيات من منح دأبت على التوصل بها منذ سنوات من هيآت ومنظمات من الخارج، بعد أن قررت الحكومة الإسلامية التفتيش في أفكار ومعتقدات أصحابها، بدل التفتيش في أوجه صرف هذه المنح والغايات التي رصدت من أجلها.يوسف الساكت