أفرجت وزارة العدل والحريات عن مسودة مشروع القانون الجنائي، صاحبه جدل قانوني وحقوقي كبير، كيف تعلق على ذلك؟ انتظر المغاربة إصلاح منظومة العدالة منذ بداية الاستقلال، لأنها موروثة من عهد الحماية، والتي وضعتها على المقاس، واستغلالها في تصفية المقاومين وأعضاء الحركة الوطنية، والمثير أن المغرب بعد الاستقلال حافظ على المضامين نفسها للقانون الجنائي، بل انضاف إليها ظهير كل ما من شأنه، وعدد من النصوص، فكانت النتيجة محاكمة عدد من المناضلين السياسيين والحقوقيين في عهد ما سميناه سنوات الجمر والرصاص. لهذا خاض المغاربة معارك حقوقية لإعادة النظر في هذه النصوص القانونية وعلى رأسها إلغاء ظهير "كل ما من شأنه"، لكن جل الإصلاحات كانت جزئية. إلا أنه في العهد الجديد منذ تولي صاحب الجلالة محمد السادس العرش، ستظهر بوادر التغيير، خصوصا عندما تحدث الملك في خطاب له عن المفهوم الجديد للسلطة والدفع بحقوق الإنسان، لتبدأ سلسلة من الإصلاحات في هذا الشأن، خصوصا أن هيأة الإنصاف والمصالحة حملت المسؤولية لما وقع خلال سنوات الرصاص إلى منظومة العدالة وبصفة خاصة الجنائية، لتكون هي الأولى بالتعديل. وبعد دستور 2011 الذي يقر بالفضاء سلطة مستقلة، كان ضروريا إعادة النظر في الإصلاح الضروري للقضاء وعقدت ندوات واجتماعات، وقدمت مذكرات من طرف المجتمع المدني من بينهم المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. وعرضت أخيرا وزارة العدل والحريات هذا المشروع الذي يثير ردود فعل مختلفة. يتهم عدد من الحقوقيين المسودة أنها حملت تراجعات كبرى بشأن الحريات العامة، ما صحة ذلك؟ هناك نقط إيجابية يجب الاعتراف بها، ومنها إقرار عقوبات بديلة للحرمان من الحرية خدمات لصالح المجتمع، أو غرامات، ما سيخفف من الاكتظاظ التي تعرفه السجون حاليا، ويسهل إدماج الجميع. كما يجرم مشروع القانون، الاختفاء القسري الذي عاناه المغاربة في القرن الماضي وتجريم الاتجار في البشر والعنصرية والتحرش الجنسي وتجريم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، هذه الجرائم جميعها من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي لم يقرر المغرب الانضمام إليها. ولكن من جهة أخرى، نلاحظ انتكاسة في بعض المقتضيات التي تقيد الحريات الشخصية للمواطنين ومنها حرية التعبير من خلال استكمال تعاريف فضفاضة كزعزعة الولاء للوطن ومؤسساته، ما سيقيد من حق المواطنين والصحافة والمنظمات في فضح التجاوزات وانتقاد المؤسسات يفرض تطويرها. كما يشير المشروع إلى إغلاق المؤسسات الإعلامية، أو حجب المواقع الإلكترونية، والمنع من ممارسة المهنة، عقوبات قاسية من أجل إخبار أي مشروع إعلامي بناء على مخالفات بسيطة.ومن جهة أخرى، هناك مس بحرية الاعتقاد وعلاقة ذلك بممارسة الشعائر الدينية من خلال تجريم الإفطار في رمضان وزعزعة العقيدة. كما تم الاحتفاظ بعقوبة الإعدام رغم تقليص الفصول المتعلقة بها. وهنا أتساءل، إذا كان المغرب لا ينفذ أحكام عقوبة الإعدام فلماذا يستمر في النطق بالأحكام بها، ما يعتبر عقوبة إضافية لا تليق ببلد يتقدم بخطوات سريعة، إذ الحداثة والديمقراطية والالتحاق بالبلاد الأكثر تقدما، كما تم إعطاء الحق في القتل خارج القانون يعد من جرائم الشرف. في نظركم هل الصيغة الحالية للمشروع سيتم التوافق عليها من قبل جمع الأطراف، أم ستعرف تعديلات عديدة ؟ أعتقد أن هذا المشروع الحكومي يحتاج إلى تعديلات عميقة، ويجب الاستماع إلى منظمات المجتمع المدني، كما أن البرلمان بغرفتيه ستتاح له الفرصة لتصحيح بعض الفصول.أجرى الحوار: م. ل(*) رئيس سابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان